نصوص أدبية

أسْعَـدتْـني ... خيانتكَ ! / ياسمينة حسيبي

 

تهرولُ عيناكـَ هاربة من نظراتي وأنا أقفُ أمام ضياعكـَ في صمت .. 

أغوص بنظراتي في حيرتكـَ فتتقَـشّر روحكـَ كالفُـستُق وتتساقط ملامحكـَ تِـباعاً من وجهكـَ بسرعة الضوء !

 

كان الأدرنالين  يتقافز من حولكـَ في اضطراب...

وجبين الخجل يتصبّب عرقًا ...

تحاول أن تُمسك بانفاسكَـ وهي تركض لاهثةً في جهاتكَــ الأربع.

 

كُـلّـكـَ لعْثمة وما فاض عنكَـ ... ندم !

كلّكـَ تموت الآن امامي وما سيتبقى منكَـ... ذكرياتٌ تحتضر عند عتبة الرحيل.

  

ثمة هناكـ كائناتٌ غريبة تُرهف السمع لهمس خطيئتكـَ وتضحكُ في سرّها !

أسرابٌ من الدهشة تجمّعتْ حولكـَ في فضول، كانتْ تُـشير إليكـَ بالسبّـابة .. 

وبجانبكـَ جلست عاصفة من البكاء تستعجلُ رحيلي لكي تنقضّ عليكـَ !

 

نَـبْـضُكـَ تجَـعّـدَ فجأة ...

وأصابعكـَ اختنقتْ من أطرافها...

وحدها دقّـات قلبكَـ كانت تملأُ الغرفة ضجيجًا.

  

تنظر إليّ وتُمتم :

لا أحدَ سواكِ في القلب ..

صدّقيني، أنتِ ملكة الكون...

 

أصابني الذهول من جرأة كهذه !!!

كيف ؟؟

كيف تجرؤ...وقد وجدتكـَ متلبّسًا بخيانتي ؟

من كانت تلك التي عَـبَرتْـني وهي تركضُ هاربةً من "هدوئي" ؟

وصيفةُ الكون مثلا؟؟

لم تُجبني..

نظرتَ حولكـَ فابتسمَ الفراغ باستهزاء ! 

عيناكـَ تتعلّـقانِ بخيط ضوء مرّ من أمامكـَ .. ثمّ فرّ هاربًا ..

خذَلـكَـ الضوءُ... كما خذَلْـتَـني !  

 

سكتَ الكلام...

وانهارتْ عقاربُ الساعة .

أجلْ ، في لحظة كهذه، يتوقف الزمن ... 

وتصبح للجدران عيون ..

وللسجّاد انفعالات غريبة ..

وللنافذة ضحكة هستيرية ..  

وللسرير رائحة الخيانة ..

في لحظة كهذه تولد مشاعر وتموت أخرى.
 

من سيركضُ معكـَ الآن في حقول البرتقال؟

من سيكتُبكـَ ويقرؤُكـَ ؟ 

من سيختبئُ في شهواتكـ ؟
من سيُلملِم أصابعكـ عندما تتشرّد من اللهفة ويشعل قناديل فوضاكـَ كل ليلة؟
من سيهدهدكـَ كالطفل كلّما شاخ العشب في قلبكـَ؟
 

سمعتكـَ تسأل : أتكـرهينَـني الآن؟؟

أبدًا ! فقط أُشفقُ عليكـَ ! همستُ بحنان !

 

غارقـًا وغريقًا، هكذا كنتَ تبدو.

ولم تكن تسعفني يدي لأمدّها إليكَـ كما فعلتُ دائماً ..

كلّ أعضائي كانت تلفظكـَ !!!

كان النّسيان يجرّكـَ إلى الذّبح ...

ولم أحرّكـ ساكنا ..تركته يفعل !

هل أقسو عليكَـ ؟؟

 

نَقْـرُ زحات المطر على زجاج النافذة  يضرب كل النواقيس في روحكـَ.

مُمْـتنّـةٌ للمطر لأنه لم يتدخّل بيْننا رغم سقوط السقف على رأسينا !

ممتنّة للضوء لأنه ظلّ يحدّقُ فيكـَ دون أن يرفّ له جفن !

 

كنت أراكـَ تتساقط من جسدكـَ دون أن تُحدثَ ضجيجًا .. فقط قلبكـَ ..كان يصرخ بأعلى نبضِه ..

ياللغرابة !

لم أَسْتمتع بعُريكَـ ..كما استمتعُ به الآن !

لكنّ يدكَ المرميّة على جسدكـَ لم تعد تليقُ بخصري .

 

أحدّق في " فراغكـَ المزدحم" وأنا آخُـذ آخر قراراتي : 

سأتخلّى عن حقوقي في اللّهاث وراءكَ.

سأدير ظهري لتماثيلكـَ المرمرية وأساطيركـَ الرخامية.

سأمد ّلساني نكاية في الزمن وأخرج الان ..لأتقافز تحت زخّاتِ المطر ! 

سعيدةٌ .. بخيانتكـَ ؟

أجل ! إنّني استعيدُ نفسي .. من كذبة كبيرة !

 

ناديتُ على ظلّي ...

كان ما يزال ينظرُ إليكَ في ذهول ..

مسحتُ بمنديلي ما كان يَـعْـلَقُ به من غباركـَ  ثمّ أخذتُـهُ من يده لنغادر معًا !

إلتفتَ إليكَ...كطفلٍ يستهويهِ الفضول ثمّ همسَ في أذني ونحن نبتعد :

لقد تَـبـدّدَ في الفراغ !!! 

 

انتهى

 

ياسمينة حسيبي

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2128 الثلاثاء  22 / 05 / 2012)

في نصوص اليوم