نصوص أدبية

وَمْـض / سلـوى فــرح

صفير رياح الهَيْف ينذر  بالموت، والأرض عطشى متشققة تتلظى من شُحّ الأمطار وتتوسل السماء كي تُسعفها بقطرة ماء.. والشمس احتجبت خلف السُحب السوداء التي غَشَّتها.. برق ورعد.. برق ورعد بلا مطر.. بلا مطر!! و تناهى إلى مسامعي صدى أصوات غامضة لا أميزها كأنها قادمة من بين الغيوم...

- ما الذي يضنيك يا رفيق العمر؟ أرى صدرك العامر بالآهات والزفرات كأنك تحتضر.. هلمَّ إليّ غرّقني بغيثك، و فجر ينابيع قلبك ولنمطر معاً كي تهدأ النفوس وتغمرها السكينة.. فأنا أتألم معك ولأجلك..هلمَّ.. هلمَّ... عطشي يشتاق إلى نضح السماء..

- لا.. لن أمطر يا غيمتي السمراء على الأرض الجاحدة ! كي لا تصطبغ مياهي العذبة  بدماء البشر.. ألا تشاهدين ما يجري بينهم؟ يتقاتلون و يتذابحون باسم الله، وكأن الله أحل الدم والقتل!.. هل الشرائع السماوية تشرّع الظلم ؟ ألا يفهمون بأنهم  وحدة متصلة لو تأذى أحدهم لتألم الآخر ؟؟ إنهم  جزء لا يتجزأ  كالبنيان المرصوص، مَثل الجسد الواحد يشد بعضه بعضا وفي توادهم وتراحمهـم وتعاطفهم، ومثل الزهور والندى والطبيعة المُتآزرة.. فالقتل لا يجر إلا القتل..

- آه يا حبيبي.. تقول الحق كل الحق إنما ما هو ذنب الأرض المتعطشة لعطائنا؟ وما هو ذنب الزهور، والنباتات، والطيور، والأعشاب؟ ستموت الطبيعة قريبا إذا استمر الحال كذلك، إن لم تُغدق عليّ من مُزْنك..

- يا عزيزي.. إن الله محبة، وقد منحنا الحب في الوجود وفي هذه السماء الفردوسية، وعلمنا الكثير من العطايا إنما البشر يغضّون الطرف عنها لأنهم لا يدركون ما يفعلون أو يدركون ويفعلونه عمدا.. لا بد من الصبر الجميل، والتسامح، واستمرار العطاء.. فهلمَّ لنمطر معاً محبة وعطاء على مدى الزمن..

_ كيف لا يعرفون يا غيمتي السمراء؟  ألم يرسل الله أنبياءه ورسله لهم ليتعظوا ؟ ألم يفهموا بأنه لا جدوى من الحياة إلا بالمحبة النابعة من القلوب الخالصة، وإن كل شيء على وجه الأرض زائل، وسيرحلون يوما حُفاة عُراة، ولا يبقى من آثارهم سوى ذكرى أعمالهم ومحاسنهم الطيبة ومحبتهم لا غير ؟؟

- هناك منهم من يتعظ وقد مسحه النور، وهناك ما زال في الظلام يئن وليس لديه الاستعداد الكافي ليستمع إلى صوت الله لنشفق عليهم لعلهم يرجعون.. والله يُشرق بشمسه على الأخيار والأشرار، ونحن رموز لله في السماء وعلى هذه على الأرض.. دعنا نمطر ولا تيأس فبالأمل، والإيمان، والحب تُصنع المعجزات.....

- نعم يا عزيزتي يبدو أن الغضب تَملّكني وأنساني ذاتي.. كم أحبني الله بمحبتك التي لا تنضب ولا تزول.. أشكرك لتذكيري بذاتي.. كم أحبك ملء الحب.. فلنمطر معا و نُغنّي للحياة جميعا...

 ما هي إلا بضع ثواني حتى تعاظم لمعان البرق واشتدّ قصف الرعود، وبَدَت السماء لوحة ناطقة بالخير الآتي، وهطلت الأمطار بغزارة.. ففرحت الأرض، والفلاحون الطيبون، والطبيعية فرحا غامرا بهذا اللقاء الحميم.. وذهب الخوف من صدورهم وعيونهم على محاصيلهم..

فصارت الحياة جميلة وخصبة، والسماء صافية، والشمس تغازل النسيم، وارتفع صدى أصوات الناس عاليا، وهم يرددون: الله محبة.. الله محبة..

 

كندا

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2130 الخميس  24 / 05 / 2012)

في نصوص اليوم