نصوص أدبية
حجر زاوية المرحاض الشرقي / سردارمحمد سعيد
تزحلق الطفل في غفلة ولعه بالنظر إلى قطعة الحجر المرصوفة في زاوية الجدار السفلية .
شجّت جبهته .
لم يئن رغم نتانة المكان .
كبـُر، وبعد وفاة أبيه وأمه قرّر الورثة هدم الدار .
سخروا منه حين طلب المرحاض حصة ً .
إحتضن الحجر وفارقهم، عرّضه للشمس لتزول رطوبته وتتشتت رائحة البول والغائط منه .
وضعه بالقرب من رأسه عند سريره، ولا يرقد إذا لم يلق عليه نظرة عاشق.
عاد يوما ً من مختبره الذي يدرس فيه الكيمياء فلم يجده .
الخادمة رمته مع الأزبال، هرع إلى مكبّ نفايات المدينة .
رأى الصبية يبحثون عن بقايا طعام فاض من وليمة سارق لقوت الفقراء.
إمرأة تتشاجر مع أخرى لاكتشافها فخذ لحم كامل لخروف لم يمسه ضيوف المأدبة المقامة لتحسين ظروف الشغيلة .
عدد من الألبسة الداخلية النسائية الشفافة التصق بها الوحل بسهولة لوجود سوائل لزجة سميكة القوام ماتزال رطبة .
طفل صغير ينفخ في شيء حسبه بالونا ً ولم يكن سوى (الكوندم) .
غرفة من القصدير والورق المقوّى أتخذتها أرملة مع أطفالها منزلا ً .
بيت قصبي من (البردي) عليه لافتة تقول : مدرسة الإخلاص الإبتدائية .
معلمها الوحيد مع طلبتة الممزقة ثيابهم يهرعون من الصف كلما سمعوا صوت عربة الأزبال يمخر في الأمعاء .
سألهم إذا ما رأوه .
- هو هناك، عليه بصاق مصدور.
أعاده لبيته وبلين مسحه بقطعة قماش رقيقة، وفي اليوم الثاني أحضر قارورة سائل من مختبره وراح يمسحه ثانية .
من بين الحروف الغريبة على الحجر سمع صوتا ً .
- لا تخف ...إمسحه لن أحرق .
برزت غانية عارية لم يُر مثلها في البشر .
- من أنت؟
- أنا التي ولدتكم .
- لـِم َبطنك منتفخة؟
- ماءك ينمو في أحشائي،حبلى بك .
- بي ......أنا أمامك؟
- خارجي وداخلي، أمامي وفي رحمي .
- كيف؟
- لا هذا لا يعيه لبّك،إلآ عندما تبصر الأسرار وتعرف الخفايا المكتومة، وسألدك حينما ينبت بقل الثديين، راقبهما، حين تجد أنهما تكوّرا كعذق النخلة، وانتفخا حينها سألدك وأرضعك منهما حليبا ً طهورا ً، وحين تنضج أفطمك وعند بلوغك أشدّك أتزوجك .
- أتتزوجين ولدك؟
- بلى، كل أزواجي هم أولادي، ولدت ألف مرة وتزوجتهم جميعا ً، أنا كدائرة لا ابتداء لها ولا انتهاء.
لكن لي شرط أن تمهرني مهرا ً يليق بأمك التي ولدتك وأرضعتك .
إذهب إلى جذع الدوحة العظيمة التي جلبها جلجامش من غابة الأرز، واصنع منه بابا ً وحين تتمه ستجدني أنتظرك وقد غسلت جسدي في الفرات، ولبست أحلى حللي، وأرسلت جدائلي على كتفي ّ، ودهنته بزيت اللوز والزيتون، وتدخل مخدعي فتشم في جسدي عبق البخور .
- وتفعلين هذا منذ الأزل؟
- مذ شقت للبشر عيون وفتق رتق العقول، مذ تحركت القوى الفاعلة، مذ التصقت السماء بالأرض ثانية، مذ اغتسلت بالماء الفرات .
- ولم الباب لتستري عُريك.
- لا .. لا .. أحرى بجلجامش أن يستتر دون الفواحش، يسرق العذراوات ويضاجعهن قبل عرسهن .
طرق باب منزله بعنف .
أزلام السلطان، فاختفت عائدة إلى الحجر، وغلق القارورة ودسها في جلبابه.
في قاعة العرش، والحاشية والوعاظ والجند والشرطة يحيطون به
- سرقت الحجر من خزائن السلطان، ولا نعلم ما عبثت به ؟ وهو التميمة لبقاء الملك الذي وهبه الله له دون الخلق .
- هذا الحجر ناطق، دعه يقول : عاش السلطان الوحيد الذي يستطيع بناء ما خربّه الطغاة .
برزت الغانية من الحجر فبهت السلطان
- لا ...لن يكذب من نما في حشاي .
- خذوها إلى المخدع، سأعلقه في جذوع النخل، وسأضاجعك لحين يعشعش الطير في صدر ولدك .
- حتى لو قتلته، روح الحجر ستقتلك قهرا ً .
- ألآن أنا مالكه .
- لا ..أنت سارقه، ولن يستجيب لك أبدا ً.
أخرج القارورة من جلبابه، وسكبها في جوفه فأسلم الروح .
إبتسمت الغانية .
صرخ السلطان
- أتبتسمين لرؤية الموتى ؟
- لا تخف ... سألد مثله ملايينا ً .
- أمسكوها، كبّلوها،
سرعان ما نبتت لها أجنحة خفقت، وطارت في الفضاء .
- إرموها بالحجر، بالرماح، بالنبل، بالرصاص، بالقذائف، لتنطلق خلفها تنانين الهلع، الحيّات الخبيثة، الكلاب المسعورة .
يرمون شرقا ً فتظهر غربا ً، يستديرون غربا ً فتظهر شرقا ً، وهي تقهقه
- تا الله قد علم الناس غباءكم .
تابع موضوعك على الفيس بوك وفي تويتر المثقف
............................
الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2135 الثلاثاء 29 / 05 / 2012)