نصوص أدبية

أوبرا عايدة .. (ترجمة شعرية) / سعود الأسدي

وهو فن مسرحي يجمع الموسيقى والغناء القصصي والتمثيلي الهزلي والتراجيدي، ويُعتبر من أرقى الفنون وأجملها لما يرتبط به من فرق غنائية وموسيقية لها قائدها وممثلوها وصناعة ديكور من وحي العصر وظروف القصة والشخصيات وتصاميم راقصة ومناظر وإضاءات وسوى ذلك كثير .

وكان لأستاذي العراقي الأصل والمنشأ والثقافة المرحوم عبد العزيز لويّا فضل الحديث الأول الذي سمعته في حياتي عن فن الأوبرا يوم كان يعلمنا مسرحية يوليوس قيصر، عام 1954 وكنت ابن ست عشرة سنة في مدرسة كفرياسيف الثانوية الجليلية، يومها استطرد أستاذنا الفاضل في شرح فن الأوبرا ولم أكن أملك سوى خيالي فأنا من قبل لم أكن رأيت أو سمعت عن فن الأوبرا، ولا كان آبائي وأجدادي إلى آدم (عليه السلام) في قريتنا الوادعة الآمنة والمنقطعة عن العالم " دير الأسد " قد رأوا أو سمعوا عن هذا الفن شيئاً. ولقد ألهب أستاذي خيالي المشبوب بقوله عن أشهر من غنّى على خشبات مسارح دور الأوبرا العالمية وهوEnrico Caruso إنريكو كاروزو الإيطالي ( 1873- 1921) : وكان كاروزو إذا غنّى صوتاً في قاعة مغلقة انشعر أي انشق زجاج نوافذها !!

ثم دارت الأيام وإنني خلال خمسين عاما منذ ذلك الحديث قد تعرّفت على المئات من الأوبرات مشاهدة وسماعاً ونصوصاً، ووقر في ذهني رقي هذا الفن الذي كان لأستاذي الخالد الذكر عبد العزيز لوّيا فضل هدايتي إليه .

لذا فإنني أهدي إلى روحه الطاهرة هذه الصفحات اعترافاٌ له بما أسداه إليّ من صنيع والسلام .

توطئة : يرجع فضل اكتشاف قصة " عايدة " إلى عالم الآثار الفرنسي أوغست مارييت، وقد تخصّص في الآثار المصرية الفرعونية وحصل عام 1850 على بعض المخطوطات الأثرية من معبد"السرابيوم" بمدينة ممفيس، وكان منها مخطوطة تحكي عن قصة حب مدهشة بين قائد الجيوش الفرعونية " رادميس " وجارية حبشيّة " عايدة " تمّ أسرها أثناء الحرب التي انتصر فيها الجيش المصري على جيش أثيوبيا.

لقد أعجبت هذه القصة الخديوي إسماعيل لسببين : ألاًول لأنها من التاريخ المصري القديم والثاني لأن القصة تشفي غليله بسب الخلاف الذي كان قائماً بينه وبين ملك الحبشة في ذلك الوقت .

ويوم سافر مارييت إلى فرنسا وقابل صديقه الكاتب الفرنسي " كامبل دي لوكل " الذي أخذ على عاتقه أقناع " جوزيبي فيردي " الموسيقي الإيطالي الشهير بأن يضع موسيقاها بعد أن صاغ كامبل النصّ الروائي، وأسند إلى الشاعر الإيطالي " أنطونيو جيسلانزوني"" Antonio Ghislanzoniصياغتها شعراً، وبعدها بدأ فيردي في وضع الموسيقى .

كان الخديوي إسماعيل ينوي تقديم أوبرا " عايدة " في دار الأوبرا المصرية، ويدعو إليها من الشرق والغرب ملوك ورؤساء وأمراء وزعماء وعظماء ذلك الزمان، ولكن لم يكتب لها أن تقدّم في افتتاح دار الأوبرا المصرية، وقدّم بدلاً منها أوبرا " ريجوليتو " لفيردي، ولم تقدّم "عايدة " بعدها إلا بعامين تقريباً في 24 كانون أول 1971 .

ومنذ ذلك اليوم وأوبرا "عايدة " وعلى مدار السنة تشغل مسارح العالم في الشرق والغرب .

شخصيات الأوبرا :

رامفيس : كبير الكهنة

رادميس : قائد الجيوش المصرية

أمنريس : إبنة ملك مصر

عايدة : أسيرة حبشية وابنة ملك الحبشة

أموناسرو: ملك الحبشة

الملك : ملك مصر

بالإضافة إلى رسول . الكهنة والكاهنات . الشعب . الأسرى الحبشيين.

وتقع أوبرا عايدة في أربعة فصول نورد أولها في هذا العدد وباقي الفصول في الأعداد القادمة .

 

 

الفصل الأول

المشهد (1)

 

رامفيس : ها هي الأحباشُ قد حَشَدَتْ

جيشَها لغزوِ وادي النيلْ

وأتى التهديدُ ثانيةَ

ولقد أُشيعَ بانّها اتَّجَهَتْ

نحوَنا تسعى إلى طيبةْ

وانجلاءُ الأمرْ سوف يُرَى

من رسولٍ جاءَ قبلَ قليلْ

رادميس : وهل استشرْتَ لنا إلهتَنا ؟

إيزيسَ فيما سوف نفعلُهُ

ونذودُ عن طيبهْ وعن ممفيس

 

 

رامفيس : سألتها ونوّهت

باسم فتىً غَضِّ الإهابْ

وشجاعٍ لا يهابْ

وبعونِ الآلهةْ

سوف يغدو قائدَ الجيشِ الكبيرْ

وإلى حرب أعادينا يسيرْ

( وهو ماضٍ إلى الملك )

جئتُ إلى المليك باسم القائدِ

وهو رئيسُ جيشِ مصرَ الخالدِ

رادميس في نفسه : ليتني قائدُ جيشِ مصرَ

به أخوضُ الحربَ أجني النصرَ

أحقِّقُ الأحلامَ بانتصاري

تغمرُني ممفيسُ بالأنوارِ

ومن مَلَكْتُ قلبَها تراني

عائداً يختالُ بي حصاني

والغارُ إكليلٌ على جبيني

والسيفُ مثلُ البرقِ في يميني

(يلتفت فيرى عايدة)

ها هي ذي عايدةُ النبيل

بصورةِ المعبودة الجميلة

تزينُها الأزهارُ والأنوارُ

فيها تلاقى الليلُ والنهارُ

لأرضِها سوف بها أعودُ

مليكةً تحرسُها الجنودُ

حيثُ ضياءُ الشمس والورودُ

أمنريس ( تدخل فترى رادميس مبتهجاً ) :

إني أرى في وجهِهِ السرورا

والكبرياءَ الجَمَّ والحبورا

فمن ترى تلك التي عناها ؟!

مليكةَ لعلّني أراها

رادميس وقد رأى أمنريس:

لو قيل لي غدا تقودُ العسكرا

للحرب قلبي ما رَجَفْ

والانَ ماذا قد جرى ؟!

ماذا الذي ينتابُني ؟

كأنّما قلبي عن النبض وَقفْ !

أمنريس : في وجهِهِ يبدوالفَرَحْ

وظلالُ الكبرياءْ

وأنا يغلِبُ إحساسي الترَحْ

وشعورٌ بالشقاءْ

رادميس : من تراه سيكون

ذلك القائدُ ذو الحظّ السعيد ؟

أترى تكون لي القيادة

فأكسبَ الفخارَ والسعادةْ

أمنريس : وأنا هلْ أعلمُ

بالذي يشغل بالَ رادميسَ

أو بماذا يحلمُ ؟

ثُمّ من تلك التي

قد أشعلتْ في قلبه نارَ الغرامْ

فرماهُ العشقُ في بحر الهُيامْ ؟

رادميس: هل أنا ؟

( لنفسه ) يا إلهي !

هي لا تدري بماذا أحلمُ ؟

أتراها بالذي أخفيه عنها تعلمُ ؟!

أمنريس : يا لتعسي

يا لَنحسي !

إنّه يهوَى سِوايْ

من ترى تلك التي يهواها ؟

أم تراهُ عاشقاً سواها

رادميس : ربما تقرأ فكري

أو أراها باسم من أحببتُها

لا شكّ تدري

أمنريس : نظرتي فيه عميقة

إنه مضطربُ

وهو لا يسطيعُ إخفاءَ الحقيقة

رادميس : الهوى لا يُكتمُ

وهي بالحبّ الذي في قلب قلبي تعْلمُ

أمنريس : يا لتعسي !

إنه يرنو إليها

والهوى دلَّ عليها

رادميس : ألهوى لا يُكتم

وهي بالحبّ الذي في قلب قلبي تعلم

أمنريس ( وهي ترى عايدة تقترب ) :

هي ذي غريمتي بين يَدَيّ

عايدة هيّا إليّ

أنت لستِ أمَتي

وإنّما شقيقتي

ما الذي يبكيك ؟

ما هذي الدموع ؟

ما الذي تخفينه بين الضلوع ؟

عايدة : أشعرُ يا سيدتي

أنّ نداءَ الحربِ صَمّ أذُني

وها أنا أندبُ حظّ وطني

وأنا أخشي من الحرب الضروسْ

تأكل الأخضر واليابس

لا تُبقي

وتقتاتُ النفوسْ

ولذا أخشى على كلّ العبادْ

من لهيبِ الحربِ يجتاحُ البلادْ

ها أنا أرتعدُ

ودموعي نارُها تتّقدُ

أمنريس : عايدة ! إحكي الحقيقة ؟!

ربمّا تُخفينَ أسراراً عميقة ؟!

عايدةْ ابتعدي !

واذرفي الدمع كما شئتِ !

وظلّي ارتعدي !

رادميس: وجهُ أمنريسَ يقطرْ سُمّا

وأنا لا لستُ أدري ممّا

أمنريس لعايدة: يا حقيرة ابتعدي

واندبي وارتعدي

............

عايدة : يا دموعي!

خفّفي نار ضلوعي !

أمنريس : هي ذي ترتجفُ

عايدة : يا لَحزني !

ودموعي تَكِفُ

عايدة : يا دموعي خفّفي نار ولوعي

أمنريس : هي تهوى رادميس

ولقد بانت بعينيها الحقيقة

رادميس : يا لَربي !

إنها تدري بما يُخفيه قلبي

الملك ( يظهر على الشعب):

يا بني مصرَ الأباةَ الأوفياءْ

أنتمُ ذخري وعنوانُ الرجاءْ

قد جمعناكمْ إلى يوم الفداءْ

من بلاد الحبشةْ جاء رسولْ

فاسمعوا ماذا عساهُ أنْ يقولْ

الرسول : يا بني مصرَ الأماجيدَ الكرامْ

جاءنا الأحباش في جيش لُهامْ

وأنا شاهدتُ فعلاً ما أقولْ

ولقد عاثوا بغلاّت السهولْ

أحرقوا ما صادفوه في الحقولْ

كلّ ما مرّوا به قد خربوه

كلّ بيتٍ دخلوه نهبوه

كلّ شخصٍ صادفه سلبوه

أموناسرو قادَهُمْ وهو الزعيمْ

ويحَه من معلنٍ حرباً أئيمْ

بربريٌّ شأنُه زَرْعُ الدّمارْ

لا يبالي حيثما حلَّ وسارْ

قاصدٌ طيبة ما تنتظرون ؟

ثم ماذا بالأعادي تفعلون ؟

الشعب : كلّنا جندٌ لفرعونَ العظيم

كلنا جند لفرعون العظيم

وعلى الأعداءِ نارٌ وجحيمٌ

رادميس والملك ورامفيس والكهان

ووزراء البلاط والضبّاط بصوت واحد :

سوف يغدون أسارى وهشيمْ

عايدة لنفسها :

ويلتا يا أبتي !

ويحَ لي قد عظمتْ مصيبتي

الرسول : إنّ طيبةْ حصننا الحصن المنيعْ

وبيوم الروع يفديها الجميعْ

عايدة : ويلتا يا أبتي !

ويحَ لي ؟

قد عظمتْ مصيبتي

الرسول : إنّ طيبة في انتظار المعتدينْ

سنحاربْ ولنا النصرْ المبينْ

الجموع : سنحاربْ ولنا النصر المبين

الملك : نحن في ساح الوغى الجند الشدادْ

نطلب الموتَ ونأبى الإضطهادْ

الجموع : نحن في ساح الوغى الجندُ الشدادْ

نطلب الموتَ ونأبى الإضطهادْ

ألملك : إن إيزيس قد اختارت لنا

رادميسَ كي يقودَ جيشَنا

جيشَنا الباسلَ والنصرُ لنا

الشعب : ألفَ مرحى رادميسُ القائدُ

بطلُ الأمّة عنّا ذائدُ

رادميس : لك شكري يا إلهي

وبإيزيسَ فخاري والتباهي

الملك : رادميس اذهب لفولكانَ العظيم

وادخل المعبدْ

خُذ خيرَ سلاحْ

وامش بالجيش على درب النجاحْ

نحن لا نخشى المنون

نطلبُ الموتْ ولكنْ لا نهون

الشعب: نحن لا نخشى المنون

نطلبُ الموتَ ولكن لا نهونْ

رادميس : لك شكري يا الهي

وبإيزيسَ فخاري والتباهي

عايدة : يا لتعسي يا لذلي !

من ترى في الناس مثلي ؟

ولمنْ أدعو بنصرٍ

أو أصلّي

أأصلّي لحبيبِي ؟

أو لأهلي؟

رادميس : يا شبابَ النيلِ هيا يا أسُودْ

نطردِ الأعداءَ من خلفِ الحدودْ

امنريس : رادميس كلّنا ندعو إليكْ

شعلةُ النصر ستأتي بيديكْ

الشعب : رادميس كلُّنا ندعو إليكْ

شعلة النصر ستأتي بيديكْ

عايدة بصوت ضعيف :

شعلة النصر ستأتي بيديكْ

الملك : يا ضفاف النيلِ

يا خُضرَ الحقولْ

نحن جندُ النصر

في الخطبِ المَهُولْ

فادفعوا عنا الأعادي يا جنودْ

يومُنا في نصركم يومُ السعودْ

الشعب: يا ضفاف النيل ..

.................

رادميس : يا ضفاف النيل

يا خضر الروابي

لأعادينا أتي يوم الحسابِ

إنّ ايزيسَ تُلبّي

والهوى يملأ قلبي

عايدة : جمرة الحب بصدري

ليت من أهواه يدري !

الشعب : يا جنودَ النصرِ هبوا للقتال

أنتمُ الأشبالُ في ساح النزالْ

إنها الحرب تنادي

فادفعوا كيدَ الأعادي

أمنريس : وارجعوا منتصرين

وليعدْ قائدُكم عالي الجبينْ

عايدة : (بصوت خفيض) :

وارجعوا منتصرينْ

وليَعُدْ قائدُكمْ عالي الجبينْ

(في نفسها) ما الذي قالته روحي الآثمة ؟

أترى لمّا عليها لائمة ؟

فأبي جَرّدَ جيشاً وأتي

لخلاصي ليتني أدري متى ؟

هل ترى يُرجِعُ لي اسمي من جديد

فلقد أخفيته

ولقد ظنّوا بأنّي

عبدةٌ سوداءُ من نسلِ العبيدْ

وأنا بنتُ مليكْ

ما له في ساحةِ المُلْكِ شريكْ

ما أنا جارية لكنْ أميرة

وأنا في قصر فرعونٍ أسيرة

ما الذي يُخفيه عني القَدَرُ

أترى جيشُ أبي يندحرُ

وكثيرٌ يُقتلونْ

وكثيرٌ يُؤسرونْ

وأرى فيهم أبي وهو أسيرْ

حافياً بالقيدِ في ذُلٍّ يسيرْ

يا لَحزني ما الذي كنتُ أقول

كيف لي أنسى غرامي ؟

بحبيبي وهيامي ؟

بين نارين أنا :

بين حبي لبلادي

وحبيبٍ رائحٍ بالقلبِ غادٍ

وبحبّي رادميسٌ مُلزَمُ

كيف أرضَى لحبيبي يُهْزَمُ ؟

وأبي قد جَرَّ جيشاً

بخلاصي يَجْزِمُ

وأنا أنتظرُ

ليته ينتصرُ

يا لقلبي المُتعبِ !

بين حبي لحبيبي وأبي

أنا قد ضاعَ صوابي

ضقتُ ذرعاً بعذابي

ليت أنّ الآلهة !

تفعلُ الخير وتَهدي تائهة !

ليتها تطلُ روحي وأموتْ !

عَلّني في ظلمة القبرِ أفوتْ !

 

.................................

الفصل الثاني يتبع في العدد القادم .

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2145 الجمعة  08 / 06 / 2012)


في نصوص اليوم