نصوص أدبية

أرداف الأميرة .. قصص قصيرة جدا / جمال الدين الخضيري

غَشِيَّتْنِي في زقاق مَهْجُور، مُخْتَطِمَةً بِلِثَام، يهتزُّ أَعْلاها كأنّها على ظَهْر سنام، تَعَقَّبْتُها حتى دَلَفْنَا معا في تُرَام.

2-

شَيَّعْتُ صَمْتي في زحام الترام، غَشِيّتني بِأَلْفاظها وألْحاظها، اشْتَرَطَتْ قبل إِلْقَاءِ الإِزار وَفَكِّ الأزْرار درهما يتيما في العَقْدِ، وحِفْظاً لِسِتَّةِ أحْزاب من السِّفْرِ.

3-

لا مَهَبَّ للحفظ، لا شَرْطَها عدَّلَتْهُ حتى أُوَلّي وجهي شَطْرَها، ولا اللِّثام أماطَتْهُ حتى أَمِيزَ فَصَاحَتها من صَبَاحَتها، لم يكن مَهَبٌّ إلا لغاشية في الزّقاق مُهتزّة ماشية.

 

البصير

أَعْمَى يَتَلَمَّسُ طَريقَهُ..

سيّدةٌ تَتَلمّسُ جسدَهَا في الحَمّام.

طرقاتٌ مألوفة على الباب معجونة بغناء وصدى رَشَّات.

عَارِيَّةً فتحتْ للأعمى الجَارِ صديق الأهل والدار. بلا حرج تَخَطَّتْ، تَمَطَّطَتْ قُبَالَتَهُ على الأَرِيكة.

مَرَقَ نحو الباب صائحا:

- جِئْتُ لأخبركم أني استعدتُ نظري.

 

سيجارة بحجم جمل

في غفلة مني، ضاع جملي بما حمل. بحثتُ عنه، سألتُ عنه، لا أثر.

تكوّمتُ مع المتكوّمين في الأطراف. حزينا، مُفْلسا، تَرْقُدُ سيجارة شاردة على شفتي.

من بعيد رمقتُ أمواج السابلة مهرولة، مشيرة نحوي بأصابع مِذْراتية. انتفضتُ فرحا وأنا أصيح:

- وجدوه وجدوه، ليس إبرة حتى تَغْفله العين.

قالوا بصوت موحّد وهم يحيطون بي:

- أأعمى أنت، لقد قلَبْتَ سيجارتك مصْفاة على عقب؟!

 

انفجار

في البدْءِ كان الانفجارُ وأَعْقَبَهُ الكلامُ:

الوقت صقيع مريع، يُمَرِّرُ السَّبَّاك الأنابيب الغازية تحت دثار الحيطان ويوصلها إلى سخّان الماء.

يُجَرِّبُ. يوقدُ السخان. دَوِيٌّ قَوِيّ.. تتداعى الحيطان ، تَهْوِي، تًذْوِي. يَزْحَفُ بِنَهَمٍ الفَنَاءُ.

يَبْرُزُ رَبُّ البيت من خَلَلِ الرّماد والغمام ، يَحْبو جذلا، يعانق بصعوبة السباك الفاغر فاه، يَنْقُدُه بسخاء، ويقول في هدوء مربّتا على ظهره:

- شكرا لأنك لم تقتل أحدا من أبنائي.

 

بُصاق

يُطِلُّ عليه مَلِيّاً، يُحَدِّقُ فيه حَدْقا.

لا يتمالكُ نَفْسَه، يَبْصُقُ على تقاسيمه البرونزية.

فِعْلٌ يَتَوَاتَرُ غَبَّ كل إطلالة. نسأله عن سرّ نَفْثَتِهِ المُتْخَمَة شرّا.

يقول مدمدما: إنه ينظر إلي شَزْرا.

بِأَسَى نتحَسّسُ بطوننا. الضّحية نحن، كنا نبقى دائما دون صحن العدس المُشْبَعِ بَصْقا.

 

صاحب القصعة

وهو مُنْكَفِئٌ على نفسه مُنْكمشٌ كالدّودة، تَسَاقَطَ عليه البُغَاثُ والبُزَاةُ.

على قَصْعَتِه تَجَاسَروا، تَكَالَبوا. أيكون قد وَصَفُوهُ فاسْتَضْعَفُوهُ؟

بَرَزَ شيْخٌ فارِعُ الطّول، يبدو عليه أَثَرُ السَّفَر، يفوح منه شذا عِطْر تَلِيد، مُفَرّقاً الجَمْعَ، ثائرا في وجه صاحب القَصْعة:

تَمَدَّدْ وتَشَدَّدْ يا أخي، وهل أنتَ قِصّة قصيرة جدا حتى تُسْتَسْهَلَ بهذا الشكل؟!

       

أرداف الأميرة

في عُرْس الأميرة تقاطرتْ عليها شتّى الهدايا، ولم تسْتسِغْ إلا فستانا باذخ الثّنايا.

كالهمس الخفيف مَسَّ منها كلّ مَلْمَسٍ دون تَكْليف.

هَبَّ الجُنْدُ مُنَكِّلين بحائِك الفستان، مستغربين كيف وَلَجَتْ جميلة البلاط من سَمِّ ذاك الخيّاط، صارخين في وجهه:

كيف عرفتَ مقاسها صدرا وخِصْرا وأرْدافا؟!  

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2147 الأحد  10/ 06 / 2012)


في نصوص اليوم