نصوص أدبية
الأبدية .. حبّك .. أو يأتي الطّوفان / سلمى بالحاج مبروك
و أقطع فراسخ رغبة مشتلعة بجسدك المتصحّر المجرّد مثل المثل الأفلاطونيّة
فاصطدمت ببرودة روحك...فهل أنت مفتخر بجليدك الأبيض المرمريّ ؟
ضحك وقال :لا تخشي برودتي وصقيعي هي حرارة للمستقبل .. سأذوب يوما ما مثل الثّلج أو مثل السّكر في لحظة
من زمن ما في ركن من أركان بيت نفسك المتوهجة
...
قلت له : " وكيف سيحدث ما لم يحدث قطّ ولغتك تشتعل صقيعا ؟ وأنت المنكبّ على نفسك منشغل بها عنّي تتناثر
في أحراش روحك زمهرير العزلة وقرّ الصّمت ؟
أجاب : حرّريني من تلعثمي من برودة دمي وغموضي السّائل في شراييني المعلّقة بأهداب الغيب
و أنتظري معجزة تحدث مثل معجزة عيسى وهو يشقّ دروب الماء
...
قلت له : الحرية معجزة أكبر من معجزة إحياء الموتى ولها ثمن باهض مثل الطوفان ...لأنها
لا تتحقّق بتصرّف أو بالوكالة أو بفعل فاعل خارجيّ مبني للمجهول،
إمّا أن تكون أنت الحريّة وإلّا لن تأتي أي قوّة في العالم مهما عظم
شأنها لتحرّرك ...و لو كان الحبّ
...
قال :" أعذريني الحبّ هو الحريّة هو طائر الممكن الغامض الذي يحمل على جناحيه وابل من زبد الحلم . وحتّى عندما
أصاب بعطب الرّيبة والتوحّد والعزلة فإنّك أنت من سيحرّرني من كل أعطابي
...
قلت له وما فائدة اقتحامك إن كنت مصاب بداء الألوهية الواحديّة .. يبدو أنك مثل الله لا يعرف العدّ سوى للعدد واحد
..
ردّ عليّا قائلا :" أشعر أنّي مصاب إلى حدّ الذّهول بعطب الريبية والبروود ... بصورة نار باردة ..
فالصورة جامدة جدّا وأنا أسقط في بئر التّيه "
أجبته : "أنت من تثبّت الصّورة وتعطّل حركتها وأنت من تجعل روحك جامدة أو متحركة ... أو ربما غرق غير مقصود في صقيع المثل تيه عن حرارة الحياة الحقيقية...
نظر للأفق المشحون بالصّمت وقال حدثيني عنك قليلا
...
قلت له : " مجرّد إمرأة حالمة مصقولة مواهبها على غيم العناد متبرجة بروح العصيان المدني مسلّحة بالتمرد إلى حد
الجنون
و أخشى أن أصاب يوما بداء التعقّل
هذي هي أنا
...
قال: وماذا يعني لك أنا ؟"
قلت : " أنت المفهوم وأنا صديقة المفهوم"
قال : أتعرفي أنني أدمنتك حدّ الإنفجار دون أن أراك أو حتّى أعرفك ...
قلت: له ليس المهم أن تراني أو تعرفني فيكفي أن تبصرني بروحك حتّى يتحوّل الصقيع حرارة وتنفجر المسافات الطويلة و
ما إدعاؤك أنّك لا تعرفني سوى دعابة سقراطية تواضعا للمعرفة الإنسانية ...وانقطع التيّار الكهربائي وانقطعت معه
أفكاري وأفكاره ولم نكمل الحديث... شعرت عندها كم تضطهدنا اللغة وكم نحن مقهورون من طرف الأشياء التي
نخلقها ..و كم هي تمارس علينا أنطولوجيا الحجب والإلغاء محاولة اقناعنا بأن كينونتنا لم تعد أصل العالم وأصل
الأشياء..ليست محدّدة بما نكونه بل بما نملكه من صور الأشياء...و رغم كل ذلك لزال فيّا عرق ينبض حلما لأن الحلم
لا الواقع أصل الأشياء ..و إلى الآن وغد وبعده . سأظلّ متفائلة بأنّنا سنكون مدعوّان إلى طاولة عشاء الحريّة مع كأس من النّبيذ الفاخر
و هكذا ستحرّرنا خمرة الحلم إن لم تحرّرنا سلطة الحاجات وضروراتها الملعونة ...
فقط إحتفظ بهذا السرّ المعلن :
الأبديّة ... ...
حبّك ...
أو يأتي الطّوفان ......
الكاتبة التونسية سلمى بالحاج مبروك
تابع موضوعك على الفيس بوك وفي تويتر المثقف
............................
الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2148 الأثنين 11/ 06 / 2012)