نصوص أدبية

رغيف مر .. رغيف أمر / سردار محمد سعيد

هي تعبر القنطرة فوق نهيرالقرية كالظبي الغرير، القنطرة جذع نخلة .

ويحي .... ويح هذا الجذع حمّال سقوف بيوت طينية، إستثمروه أعمدة، سفناً،

وعلّقوا عليه أرجلا ً قطعت من خلاف ويهز ُّ ليساقط رطبا ً جنيّا ً .

خلطوا فتيت كربه مع الطحين ليعلف َالبشر .

كلما اجتاحت وجهه ورقبته شقوق كشقوق القلف تطوّق سيقان الأشجار المعمّرة ازداد جمرالشبق في تنور رغباته .

 يلذ برؤية حصان يشم رقبة فرس والحمامات تتبادل القبل بمناقيرها تعبد لحواصلها سبيلا ً لنضوح إفرازاتها  .

عكرٌ ماء النهير، والأقدام البريئة لا تدرك ما تحت السراط، حميم يشوي الجلود .

ماء النهيرعكر ذاب فيه نقي الطين، يحيي جلودا ً كُتب عليها اليباس، تتقشر عند السحج فوق فراش مهما كان ولو من خيش أوتبن .

أشك أن جلودهن خلقت خشنة، بل اخشوشنت .زغب الصبيّة بدأ يخشن، ثم تحدّر ماء الأنوثة الأحمر .

سال كخيط وردي مع تيار النهير عندما سقطت فيه متعثرة بكربة ناتئة .

يتبع خطوها فاندفع قافزا ً في الماء وتلّها من ضفيرتها بقوة .

تسللت لذة غريبة بين فخذيها، وحصدت الأم صولة عارمة ثمن البشرى .

مناجل تحش أسفل البطن، وأخرى تحش العقول، وأخرى رسمت على رايات حمر.

الخرقة الخلقة تمتص روح حياة تنتحر بعد عمر لا يتجاوز الشهر .

بضع قطرات مزجته الأم مع الشاي فاختلط بسواده .

ظنت أنه سيزداد ولعا ً بها فكان سمّا ً قتله .

الضرب الذي تلقاه في أقبية الأمن لاشتراكه في التظاهره المطالبة بخبز الشعير لم تستطع ارغامه على ترك الحياة، الجهل أماته .

تعبر القنطرة حاملة رغيفي شعير وبضع تميرات .

منذ انبلاج خيط الفجريفلح ليقتات غيره .

الماسكون بعروات عجلة الشمس تعبوا .

لا شك أنه سيجتاز السراط برشاقة كرشاقة رصاصة الطغاة التي اخترقت صدغه .

كان يهتف فقط . يالجبن هؤلاء الطغاة يخشون من كلمات .

لم يعد لهم مكان عند الضفة التي ضاجع  (انكيدو) البغي عندها سبع ليال حسوما ً .

 ***************************

 

دسّ رأسه بين فخذي ّ وراح يبكي حتى بلـّلت دموعه ثوبي الشفاف وحسبت البنفسج سيزهر بين فخذي .

حينها عرفت غباء هذه الحياة وشعرت أنه ضعيف أمامي كضعفه أمام شهواته مع بائعات الهوى اللواتي كان يضاجعهن في هذا السرير بالذات، وربما كان يكذب إذ يقول لإحداهن أحبك، لكنه كرّرها لي ألف مرة بحرارة وصدق .

- أحبك أيتها الصبية، لاتعرفين كم مؤلم فراقك أسبوع برفقة زوجة أقفرت روابيها .

طوّقني فأغمضت عيني كعادتي لأتخيل صورة أخيه بصدره الكث الشعر الذي خط العرق فيه أخاديد لانهماكه وذوبانه في ّ،طفتُ في سرابها ولم تستقر فكانت تفلت من مرآة عقلي .

 كنت غافلة، سقى وابله الهطل مراعي عشب أنوثة أصحرت،وشممت رحيق زهر كان قد رقد .

تعلقت بنخله وقطفت زيتونه وعنبه .

كم ضعيفة أنا الأخرى .

كلنا ضعفاء أمام صولات الرغبة .

قضى لباناته وسار برجله ليعانق الرقاد في الهباء الأزلي .

***********************

الرائحة تفوح من الطبق القصبي على دكة التنور.

 اللون لوحدة يثير لعاب الجياع،أنصاف الكرات البنية على سطح أقراص الرغيف تذكر بنهود السمراوات وخلاسيات الخصور اللواتي رسمهن (غوغان).

الصبيّة النحاسيّة الجلد تجلس على كرسي متهرىء قرب التنور في الفسحة التي يقبع فيها كوخهم الطيني،سقفه الواطىء مثبت بأغصان الشجر،تقرأ المناشير التي تزودها بها صديقتها في تواليت المدرسة بعد أن تدسها في حمالة صدرها البالية، وتبقى الحلمة ناتئة خوفا ًإلى أن تصل كوخهم.

اليوم تلبس أرقاها نهارا ً متخيلة فاه حبيب استقر في لين أمنهما وليلا ً ليس لها من داع  .

هنا كان أبوها يقرأ، في ظل النخلة ذات العراجين المكتضة بالتمر، يقول تشبه حلمات ثدي منتضدة، ويؤكد أنه يعرف سر وجود ثديين للأنثى.

 الأبناء والآباء شركة في رضاعته .

برغم فقره، كان قنوعا ً،يرفع بصلة سمينة بين أصابعه ذات الأظافر المحشوة بالطين .

- تفاح الفقراء  .

متبرّمة من مديرتها التي تفرض على الطالبات الحجاب ومن الكرّاث كغذاء يومي .

 قررت الإنتقال إلى العاصمة إلى بيت خالتها التي تخدم في بيوت الأغنياء .

**********************************

الثمن ليس كبيرا ً كما كانت تعتقد .

اللحم مقابل اللحم، والحليب بالحليب .

الحليب أبيض وجلدها أسمر .

 ندوب وخطوط جرّاء سوء التغذية، اليوم زالت بالدهونات والزيوت المخصصة للأثرياء .

جلدها اليوم متجانس أملس .

خدوش أخرى وخمش أظافر وآثار أسنان واضحة على أردافها وأفخاذها .

- على مهلك تكاد تقضم حلمة ثديي .

شره كأنه لم يعاشر من قبل أنثى، ماذا كان يفعل مع زوجته أو مع بائعات الهوى؟

-  أحبك يا فتاة، والله أحبك، أحسستني بطعم الأنثى، ذقت العسل لتوي، لولا خوفي من ضياعك لكنت التهمتك .

يحاول إرضائي بقلبه قبل فمه .

كنت عصيّة على قلبه، وساقطت نخلته رطبا ً جنيّا ً وما أكلت ولم تقرّ عيني به، وكنت في ضلال مبين  .

********************************

العجوز الشمطاء التي تتصيد البراءة تقول:

- أكتمي أنفاسك، واغمضي عينيك .

كم واحدة غيرك مكانها المقعد الخلفي لسيارة في أزقة العاصمة المظلمة .

المبلغ الذي ستربحيه خلال دقائق لا تجنيه لو عملت طوال عمرك .

صعبة ... صعبة جدا ً..همّت ورفعت ساقا ً وقوست الأخرى بخوف،ولولا رؤية وجه أبيها مضيئا ًلما انتفضت وعادت لوعيها .

عادت باكية، وخجلت الأم .

خالتها تعمل في بيت ثري والثري لا يحضر إلآ ليلة الجمعة تعقبه بائعة هوى تاركا ً زوجته التي يسميها (الساتر الترابي)، بطنها متهدلة كبطيخة ذابلة ووركها كالقرع العفن وتنطلق من فمها رشقات بصاق أصفر  .

رأي أمها مختلف

- فيه ماترجوه أي زوجة أنسيت تأففك من الطماطم والكرّاث؟

- كبير السن يا أمي.

- هل قصّر أو ضعُف .

- تنبعث منه رائحة نتنة تصرع حتى الذباب .

- تحمّليه بنيتي،شيء مقابل شيء .

- كجارية ؟

- ما الفرق؟ أنا كنت جارية عند أبيك،يمارس معي ما يشاء بشغف، رغبت به أو رغبت عنه،وبعد ولادتك قلّ شغفه، ولم تجد ِ فنون النساء، إستعملت الشب وشربت أنواع من عصائر العشب بلا فائدة .

- هل كان يحبك؟

- قبل ولادتك .

-  أيخمش جلدك؟

- ويعضني بلا وعي .

- وأنت ماذا تفعلين؟

- إصمتي يابنت  .... كفى ...

بعد مقتله تحملت وتحملت وقلت : ربما بديل يؤنس وحشتي فيبرد غليل جسدي ويطفىء جمر شهوتي ولم يأت، ولذت بالصبر حتى خمدت وطلبت مني جارة لهاشكل شيطان

- لماذا لا تربحين  مبالغ كبيرة بلا جهد ودعي عمل الخبز  .

- وإذا حبلت ووقعت المصيبة وشاع خبري .

دست يدها في السلة التي تحملها 

- يا مجنونة ألم تري مثل هذا ؟ مايقي من الحمل والمرض .

- من المطاط؟

- ورخيص الثمن .

****************************

إنتقلت مع أمها إلى العاصمة، خالتها أغرتهم، العاصمة ملاذ المحرومين حيث يتأملون فرص العمل، هذا ظنهم،  نقود لم يلمسوها البتة .

وظيفة الخالة إعداد المزة التي تعلمتها جيدا ً وجمع القناني الفارغة والمناديل الورقية الملطخة ببقايا سائل لزج   .

مهمات أخرى،غسل الملابس الداخلية والشراشف وإزالة بقع هلامية ووشم أحمر  تقيأته شفاه  كريهة،ولا تتوانى عن تلبية طلبات الثري ولوكانت مضاجعة .

إستصحبتها  معها يوما ً فلمحها .

- من الفتاة؟

- إبنة أختي .

- تخفين عني هذا الجمال؟

- صغيرة .

-  صغيرة؟ أقرانها عندهن كومة من الأطفال .

لاحظته يهمس بأذنها

- ولكنها بكر ياسيدي.

- لا تضيعي المبلغ الكبير فرصة هذه .

- ياسيدي لم تعاشر رجلا ًمن قبل .

- ستعتاد  ذلك، اغماضة عين فقط،تعرفين ذلك قد يخيف أي فتاة أول مرة وبعد مدة هي تسعى له .

قال هذا وهو يلوّح بدفتر الشيكات

- دعني أقنع أمها .

- ستتمكنين بشاطرتك،ستقنعيها، خمسون دينارا ًبالتمام والكمال، أتحسبين أنه مبلع زهيد، أتعرفين ثمن هذه الدار؟ ألف دينار فقط .

- لا لا يا أختي لم تزل عذراء .

- ولكن المبلغ كبير ولن تبقى عذراء طوال عمرها وقد شغفته حبا ً.

- ليتزوجها .

- يوافق ولكن سراً تصبح حليلته وتسكن البيت الصغير .

- في هذه الحال يمكنني اقناعها .

- لديه شرط واحد، أن لا تطلب منه السكن معها بل يتردد عليها وقت شاء وليلة الجمعة .

*********************

- هل أعددت المنضدة ياغزالي .

- كل شيء جاهز المزّة والعرق والأجنحة المقليّة .

- أرقصي لي .

رقصت وكان يهتز طربا ً .

- أرقصي لي عارية  .

 تعرّت، رقصت ومع كل هزة ردف يترع كأسا ًبنزق .

في المرة الأولى طلبت إطفاء النور خجلا ً، ثم صارالأمر اعتيادياً .

 في الفراش تتعرى له وهنا تتعرى .

هو يرقص في الفراش وهي ترقص هنا .

لأجلها طرد بنات الهوى، يترك زوجته كل ليلة جمعة .

فتح قلبه ومحفظته وصار يمكنها الحصول على الكثير دون عناء .

ماذا ستخسر بعد أن سقط الندى وإن لم يعشوشب حقلها .

أسلمته جسدها بخمسين دينارا ً فلماذا لا تسلمه قلبها لعله يهبها مالم يهبه لغيرها .

- أهبك بحرا ً، فهبيني قطرة .

**************************

- لِم َ تبكين، طالما كنت ترغين عن معاشرته ؟

لملمت أغراضها وهمّت بالرحيل إلى بيت خالتها فاستوقفها شقيق زوجها بشعر صدره المتحفز للإنعتاق من قميصه.

- إلى أين ؟ أتتركين دارك؟

- هو ليس داري .

أخرج من جيبه وثيقة

- عقد ٌيثبت أنه ملكك.

ترقرت دموعها، وراحت أمها تقبّل يده .

- كيف أجازيك يا ولدي؟

- سهل جدا ً، رغيف خبز من التنور الذي سيبنى في حديقة الدار الخلفية .

- ما أرخص ما تطلب .

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2151 الخميس  14/ 06 / 2012)


 

 

في نصوص اليوم