نصوص أدبية

زيارة غامضة / سنية عبد عون رشو

 ... أحسست أن قدمي قد شلتا عن   الحركة ....حاولت جاهدة ان أسير ببطء  مستعينة بذراعي اللتين  توكأت بهما على الارض لمسافة ثم حاولت النهوض بظهر محدودب .. يا ترى من يطرق بابي في مثل هذا الوقت....ولماذا ..؟؟؟

حين فتحت الباب طالعني  وجه  أمي ..... مبتسمة مستبشرة .... اندفعتْ بكامل جسدها من خلال فتحة الباب  الضيقة .....عجبت لتصرفها وعدم مبالاتها  وفهمت انها شعرت بخوفي وتحرجي لمجيئها (أفي هذه الساعة المتأخرة من الليل؟؟.....بادرتني قائلة ..... لا تفكري بأولادك  فهم لا يسمعون حديثنا ولا تقلقي بشأن راحتهم ونومهم ..... قلت ....أتعتقدين اني كنت أغط بنوم مريح .؟؟.....

قالت ....سمعت انك تشكين من  قلق وكآبة أو مرض ..... وانك تشعرين برتابة وملل ....وهذا ما يقلق راحتي ايضا .....!!

نعم هذا صحيح .....ولكن من أخبرك .....؟ انا لم اخبر بشرا..!؟

قالت ....ليس مهما.... .ولكن ما سبب حزنك أو مرضك  ...؟.. ان قلبي معك   .....؟؟

جملتها ضاعفت حزني وكآبتي. و مرضي ....شهقت  بنفس عميق وشعرت بحاجتي ان أصرخ بأعلى صوتي .....لكنها وضعت يدها فوق رأسي وتحسست جبهتي  التي  تتفصد عرقا .....يدها منحتني راحة وسكينة

بهدوء وصوت خفيض قلت ....رأسي يؤلمني ....فقرات ظهري  غير متجانسة .....كل فقرة تحتاج لجهود مكثفة...... أوربما لإجراء عملية جراحية والأدهى من ذلك ان روحي مثقلة بالهموم ...كل ايامي متشابهة....  معاناتي  تتفاقم  وليس هناك بارقة امل تمنحني الراحة والشعور بالأمان .....اما الاطباء الذين راجعتهم  ..... فوعود كاذبة لتغيير حالتي الجسدية والنفسية .ليس إلا......حتى شل تفكيري ....هناك تناقض كبير بين ما يقوله الشعراء والكتاب ...... وما ينسج خيالهم من عوالم جميلة ودنيا مليئة بأحلام  وردية ... ومابين واقع صلد قاس... ..

تبا لهم ولما يكتبون .....أشعر ان الناس كلهم يجتمعون حولي محاولين

حبس أنفاسي حتى يكاد هذا الهاجس ان  يقتلني ....

لا أدري  أثمة  أرواح  شريرة تحرك هذا العالم من حولي .؟؟...أشعر ان أكثر  صديقاتي بدأن يبتعدن عني وما زال صدى تحذيرهن في ذاكرتي.... جلست أمي  قبالتي واضعة   يديها فوق حافتي الاريكة ....  منتصبة  بجلستها كأنها هي  الشابة وأنا المرأة المسنة ...... بحركة مستمرة تومئ برأسها .....دون ان تنطق بجملة واحدة ......حتى سمعنا تكبيرة اذان الفجر تصدح في الافق  .....عندها ودعتني .....ما تزال ابتسامتها تؤذيني    ..... اغلقت الباب خلفها ....وحاولت ان اعود الى فراشي .... ربما أفوز  بإغفاءة مريحة  ......

لكني نهضت صارخة مذعورة خائفة...  فقد  تذكرت ......ان أمي  قد ماتت قبل عشرة أعوام .....فما الذي أتى بها .....؟؟؟.... وكيف ....؟؟...لم أكن  نائمة .....وهذه ليست رؤيا  ....بل حقيقة ... أمي  كانت هنا تماما حضورها الطاغي ما زالت آثاره في وجداني.....!!

تقرن لساني ....وجف فمي ولم أقو على الوقوف فهوى  جسدي الى الارض .....وغبت عن الوعي

في اليوم الثاني وجدت نفسي في عيادة للطب النفسي ... الطبيب. يدعي انه يصدقني بكل ما أقوله ....ربما أطفئوا  الحاسة السادسة عندي  .....ولا أمتلك سوى ناصية الهذيان.......!!.. اعرف ان ما اقوله خارج السياقات. وان الطبيب يتصنع التصديق..

أصدقك .. ولكن بم تنصحين؟؟....يسألني الطبيب

أنصح ان تعلنوا  للملأ شفائي من كافة  أمراضي وان تعيدوا أحلامي وكل أماني المضاعة  .....اطلب  ان تعيدوا قوتي المانحة للحياة .....ان تشيروا بأصابعكم لسارقيها ....

حسنا ....حسنا ....

بحركة من رأسه انصاع  رجلان .. فأخذا بيدي الى ساحة فسيحة تصطف فيها الأشجار بطريقة منتظمة  وفي وسطها تجري ساقية كتلك التي كانت في قريتنا أيام طفولتي ....تحت كل شجرة  هناك مجموعة من النساء والرجال يتفوهون  بهذيان أفهمه...هو عين الحقيقة .....أدركت حقيقة أخرى ان هناك شبه كبير بيني وبينهم  في حيرتهم وتقلب أفكارهم .....أو ربما جنونهم   . أحسست اني افهم رواد المشفى الصحي اكثر من فهمي لمن هم في خارجه.. هذه الحقيقة هي التي تشغلني الان. وابحث عن تفسير مقنع بالنسبة لي على الأقل .

عالم ملتبس..والأحلام تركض بعيدا...والأيام . أيضا تنفلت من بين ايدينا .. كأنها تسرق

 

قصة قصيرة

  

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2153 السبت 16/ 06 / 2012)

في نصوص اليوم