نصوص أدبية

أوبرا عايدة (4) / سعود الأسدي

 

 

المنظر الأول : قاعة في قصر ملك مصر

أمنريس: عايدةْ غريمتي قد هَرَبَتْ

وأنا أكرهُها!

ورادميسُ قيلَ عنه :  إنّه قد خانَ

حين اعتبرَ الكُهّانُ

أنّ من يكشفُ سِراً عسكرياً

لعدوّ الأمسِ واليومِ خيانة

لكنْ أنا لستُ أراه خائنًا

وإنّما قد ضَيّعَ الأمانة

فلقد خطّطَ مع تلك التي أكرهُها

ليهربا

لهما الموتُ جزاءٌ

وجنوني أنني لا زلتُ أهواهُ

فلا أبغي له موتاً

ولا أيَّ إساءَةْ

أتمنّى مثلَما أهواهْ يهواني

فقد أسعَى إلى تخليصِهِ

من ورطةِ السّرِ فيحظَى بالبراءَةْ

تلتفت و(تنادي الحرس) :

يا جنودْ ! يا جنودْ ! ا

أحْضِروا لي رادميسَ ها هنا !

(إلى رادميس)

ها همُ الكهّانُ والقضاةُ

الحاكمونَ اجتمعوا

لينظروا في تهمةٍ : خيانةٍ عُظمَى

عقابُها الإعدامُ

وأنت تسطيعُ إذا أردتَ التبرئة

بأنَّ تقولَ : إنّ ما ارتكبتَهُ قد كان عَفْواً

أو تناهَى منكَ سَهْواً

ثمُّ تُظهرُ النّدَمْ

وأنا إنْ كنتَ تبغي من غدي

أسعَى لرَبِّ الصولجانِ والدي

كي يُخَفِّفَ العِقابْ

من قرارِ الموتِ للمُؤَبَّدِ

ثُمَّ يأتي منحُكَ العَفْوَ

وتحيا مثلَما قد كنتَ مرفوعَ الجنابْ

رادميس: حاشا وكلاّ

أطلبُ الصفحَ باظهارِ النّدَمْ

فأنا كما تعرفُني الناسُ وكلُّ الآلهةْ

أني برئٌ قد نطقتُ بما نطقت ُ

بحسنِ نيّةْ

ولم أدنِّسْ شرفي بين البريّةْ

أمنريس : إذنْ فبرِّئْ ساحتَكْ

رادميس: كلاّ

أمنريس : أذنْ تموت !

رادميس :إنّ موتي هو خيرٌ

لي من العيشِ كئيبْ

دونَ آمالي وإني

دونَها أحيا غريبْ

أمنريس:إليكَ رجائي أن تعيشَ وإنني

سأنعمُ يا هذا بقربِكَ بالحبِّ

ولا زلتَ في شَرخِ الشبابِ نضارةً

تفيضُ جمالاً مثلَما الغُصُنِ الرَّطْبِ

أحبّكِ حبّاً ليس يبغي زيادةً

ولا أحدٌ إلاّكَ يسكنُ في قلبي

سلِ الليلَ عن سُهدي عليكَ وشقوتي

ودمعي كأنّي أستقيهِ من السُّحْبِ

لك العَرْشُ والمُلْكُ العظيمُ وصيّةٌ

بذا والدي أوصَى بمُحْتَفَلِ الشَّعْبِ

لك الحُبُّ منّي ما حَيِتْتَ بجانبي

 

ولي منكَ أسنى الحبِّ إذْ أنتَ في جنبي

فإن مُتَّ أحلامي تَمُتْ فَرْدَ مَرَّةٍ

وأهلاً بموتي إنْ تَمُتْ وعلى الرَّحْبِ

رادميس:سلامٌ على حُبٍّ أضعتُ مع التي

أضعتُ وكانتْ لي كما النبضِ من قلبي

لقد خنتُها فلأُسْقَ كأسَ خيانتي

جزاءً وَفاقًا شُرْبُ كأسِ الرَّدَى العَذْبِ

أمنريس :أراكَ تناجيها ألا فانْسَ ذِكْرَها

فذِكْرُ التي قد عُفْتُ أصَعْبُ من صَعْبِ

رادميس : أسيرُ على دربٍ أرَى العارَ كامناً

بجانبه قد خنتُ والذنبُ ذا ذنبي

وعايدةٌ راحتْ بعيداً وإنّها

قضتْ واستراحتْ حينَ ماتتْ من الكَرْبِ

وما سَبَبٌ إلاكِ والعيشُ بعدَها

بغيضٌ وإنّي سوف أقضي لها نحبي

وأُدْفَنُ في بَرٍّ قَصِيٍّ فما دَرَى

بموتي عدوٌّ أجتويه لا صحبي

أمنريس : تقول بأنّي كنتُ سَبَّبْتُ موتَها

وهذا كلامٌ دونَهُ ألَمُ السَّبِّ

ألا إنها تحيا وتُرزقُ بينَما

أبوها قضى بالقتلِ في ساحةِ الحربِ

ولكنَّها قد قيلَ لي : إنها أختفتْ

ولا عِلْمَ لي للشرقِ راحتْ أو الغربِ

رادميس: أريدُ لها دربَ النجاةِ ورجعةً

لموطنِها والأمنُ والسلمُ في الدّرْبِ

أمنريس :وأنتَ ألا ترجو سبيلَ سلامةٍ

إليكَ ؟!

أنا أهواكَ كالحُلْمِ في الهُدْبِ

أتوعدُني تنسَى هواها فإنني

أُنجيّك من دونِ اعترافِكَ بالذّنبِ

رادميس : إذا قلتُ أنساها فإنّيْ لكاذبٌ

على أنّ صدقَ الحبِّ خيرٌ من الكِذْبِ

وما أنا ممّن قد يغيّرُ ثوبَهُ

إذا كانَ ثوبُ الغيرِ ما هُوَ من ثوبي

أمنريس : نصحتُكَ تنساها

رادميس :أنا غيرُ قادرٍ

أمنريس :إذن أنتَ في سعيٍ إلى الموتِ عن قُرْبِ

أمنريس : غدا سوف تلقَى الحُكْمَ بالموتِ

رادميس :إنّني

أُفَضِّلُهُ لا أنْ أعيشَ بلا حُبِّ

أمنريس: ها إنّ موتَكَ يقترِبْ

وأنا عليكَ سأنتحِبْ

رادميس: لستُ اخشى الموتَ إني

ألبَسُ الثوبَ الجديدْ

وإذا متّ بحبي

فهو لي الموتُ السعيدْ

أمنريس :موتُك الآنَ سيأتي

عاجلاً يقرُبُ منكا

سبّبتْهُ لكَ تلكَا

وهي لا تُسألُ عَنْكَا

رادميس :إنّ موتي سوف يأتي

وهواها السّبَبُ

ولذا لستُ بخاشٍ

منه إذْ يقتربُ

أمنريس : أنتَ يا هذا تُكابرْ

في غرورِ الكبرياءْ

ولقد أصبحَ حبّي

غَضَباً فاخْشَ الجَفاءْ !

ودموعي سوف تأتيكَ

بأصنافِ الشقاءْ

رادميس: قدري أرضاه إنّي

عشتُ لا أرضى سواهْ

غَضَبُ الإنسانِ لا أخشاه

بلْ أخشَى رِضاهْ !!

أمنريس: أحسُّ بموتي لا أرى لي راحماً

وإنّ الذي أهواهُ ليس براحمِ

وإني أنا أسلمتُهُ بئسَ فعلتي

لوجهٍ كحظيْ أسودِ اللونِ فاحمِ

وزاحمتُها في الحبِّ مالي ومالهَا ؟

وما يُنْتَفَى في الحبِّ غيرُ المزاحِمِ

رامفيس والكهنة: أتينا برَوْحِ العَدْلِ نرجو إلهَنا

يسيرُ بنا الدربَ القويمَ إلى العدلِ

وما نحن الاّ للإلهِ أداتُهُ

لنُخرجَ منه قوةَ العدلِ للفعلِ

أمنريس : ألا إن حبي ليس في الناسِ مثلُه

كذلك فيهم إنَّ حزني بلا مِثْلِ

إذا الحُكْمُ فيه كان موتاً فموتُهُ

بتنفيذه فيه يؤدّي إلى قتلي

رامفيس والكهنة : أيا رادميسُ احضُرْ بشأنِ قضيةٍ :

بكشفِكَ سِرَّا كشفُهُ ليس بالسهل

وأعطيتَهُ الأحباشَ تلك خيانةٌ

تضرُّ لعمري بالبلاد وبالأهلِ

وبالجيشِ ، إنّ الجيشَ أقسَمْتَ صونَهُ

فكيف بسرِّ الجيش آلَ إلى النقلِ

أمنريس : ألا فارحموهُ لا تشطّوا بحكمِكُمْ

فإنّ التأنّي في القضاء من العقلِ

ولا تُصْدِروا التنفيذَ حكماً بموته

فقد تَصدرُ الأحكامُ في الناسِ عن جهلِ

فكم مسرعٍ في الحكمِ أخطأَ حُكْمُهُ

ويأتي صوابٌ في القضاءِ على مَهْلِ

رامفيس والكهنه: سمعتَ اتهاماً رادميسُ فهلْ نرى

تُقِرُّ بهِ أم تنكرُ الفرْعَ بالأصلِ ؟

رادميس : أرَى أنَّ قولي لا يمرُّ بخاطري

وإنَّ كلامي ها هنا ليس بالسهلِ

رامفيس والكهنة : عجيبٌ نراهُ ليس ينطِقُ كِلْمةً

خيانتُهُ العظمى تؤدّي الى الذَّهْل

أمنريس : الا رحمةٌ منكم تردُّ مضاءَهُ

كردِّ مضاءِ السيفِ بالشّحْذِ والصّقلِ ؟

رامفيس والكهنة :نرى حكمَهُ بالموت حَتْماً لأنّه

أضرَّ بأمن الجيشِ بالغَدْرِ والخَتْلِ

أمنريس : ألا وَيْحَكُمْ أمجادُهُ كيفَ أُهْدِرَتْ

فخرّت كصَرْحٍ من عُلُوٍّ ألى سَفْلِ

رادميس والكهنة: خيانتُهُ العظمى أطاحَتْ برأسِهِ

وإنَّ اجتثاثَ الراس يُتْبَعُ بالذيلِ

فأموالُهُ أيضًا تُصَفّى وإنّهُ

كما كان ذا قِلٍّ سيرجعُ       ذا قِلِّ

أمنريس: لذا الحكمِ قد ضَجّ الإلهُ وعرشُهُ

عزيزٌ أناسٍ كيفَ يُضْرَبُ بالذُّلِّ؟!

رامفيس والكهنة : خيانتُهُ قد أوقعَتْهُ بموتِهِ

وإنّ إلهَ العدلِ يأمرُ بالعدلِ

وأنتِ لقد دافعتِ عنه توسُّلاً

ولم يعترضْ بالدَّحْضِ قولاً ولم يُدْلِ

أمنريس : ألا لعنةُ المولى عليكم يَصُبُّها

عذاباً شديداً تُتبعُ البعضَ بالكلِّ

وذئبٌ عوى كلُّ الذئابِ تجمّعَتْ

على حَمَلٍ يُغريهُمُ الجوعُ بالأكلِ

لبستم ثياباً ناصعاتٍ وانتمُ

بلا شَرَفٍ لطّخْتُمُ العدلَ بالوَحْل

ظَمِئْنا إلى عدلٍ يصونُ بلادَنا

كما يظمأُ النبتُ المصوِّحُ للطَّلِّ

وكنّا نُرَجّيكم لحفظِ كرامةٍ

ولكنْ رشقتُمْ ذروةَ النُّبْلِ بالنَّبْلِ

(امنريس تصفق الباب وتخرج غاضبة)

رامفيس : سيُدْفَنُ حيّا ذاكِ مِنّا جزاؤُهُ

وما حُكْمُنا إصدارُ حِقْدٍ ولا غُلِّ

ولكنْ هو العدلُ الذي نحنُ نرتجي

ولسنا نُحابي الفردَ أو مركزَ الأهلِ

 

 

المنظر الثاني

(قبر في الصخر داخل معبد فولكان

يُدْخَل إليه رادميسُ حيّاً)

رادميس : سلامٌ على أيامِ مجدٍ قد انقضتْ

سلامٌ على قومٍ يُعَزّيهمُ مجدي

أيا عايدة عودي إليَّ لتنظري

حزيناً رزينا قد دخلتُ إلى لحدي

تمنّيتُ أنْ نحيا معاً في حياتنا

يهلّ علينا طالَعُ السَّعدِ بالسعدِ

(يَسمع تأوُّهاً في جانب القبر)

بربّيَ ما هذا سمعتُ تأوّهًا

ومن ذا الذي في القبرِ ؟

لستُ أنا وحدي !

عايدة (وهي في ظلمة القبر)

أنا عايدة !قد عدتُ القاكَ مثلَما

تعوّدت أنا القاكَ في سالفِ العهدِ

عرفتُ بنَصِّ الحُكْمِ قبلَ صدورِهِ

فجئتُ دخلتُ القبرَ سِرًّا على عَمْدِ

هنيئًا لنا جئنا نموتُ سَوِيةً

فبَعْدَكَ لا أحتاجُ للعيشةِ الرّغْدِ

رادميس: تموتين يا أنقى وأطهرَ زهرةٍ

تعالي ونامي بالهناءِِ على زندي

سَهِدْنا وقد آنَ الأوانُ لنومِنا

فيا طولَ ما كنّا نعاني من السّهْدِ

ولا بدّ للمُضْنَى من النومِ إنه

لكالكُحْلِ في العينينِ أو رعشةِ الوَجْدِ

لقد أطبَقُوا من فوقِنا الصخرَ جَلْمَدًا

(يحاول أنْ يرفعَ غطاءَ القبر ولكنْ عبثاً)

بحُكْمٍ أتى أقسَى من الجَلْمَدِ الصَّلْدِ

لكِ اللهُ من دنيا غَدَرْتِ بنا وما

أسأنا ولكنْ كنتِ كالضِّدِّ للضِّدّ

وَثِقْنا بدُنيانا رُكُوناً لأمْنِها

ومن يأمنِ الدنيا فذا الأمنُ لا يُجدي

فلا بدَّ يوما أنْ تجرَّ بساطها

فيسقطَ عنه لا يُعيدُ ولا يُبدي

عايدة ورادميس معاً:

وداعا لدنيا قد حلمنا بحبّها

فلم يشفِنا حُبٌّ ببعدٍ ولا قربِ

وداعاً لأزهارٍ بها العطرُ والنّدَى

تُقَبِّلني بالحُلْمِ من فمكَِ الرَّطْبِ

وداعاً لأنغامٍ عزفنا جمالهَاً

بأيدي أمانينا على وَتَرِ القلبِ

وداعا لأحلامٍ نراها تبدّدَتْ

فكانت كعصف الريح تلعبُ بالسُّحْبِ

وداعاً لأرضٍ قد رَتَعْنا برَحْبِها

فصرنا بقبرٍ ضيّق ليس بالرَّحْبِ

سَعَيْنا إلى الخُلْدِ الذي ضَمَّنا معًا

ولولاه ما كنّا لِنَسْعدَ بالحبّ

أمنريس (وهي مُكبّة على القبر):

إليكَ أصلّي رادميسُ وإنّني

لأطلبُ من إيزيسَ تمسحَ لي ذنبي

على القبرِ هذا قد أموتُ فليتني

أموتُ ونبقَى فيه جنباً إلى جنبِ

ألاّ فاصبلوني فوق ذا القبر إنّني

لأرجو بمن في القبر يجمعُني صلبي

وأحْبَبْتُ من أحببتُ حُبًّا بحبِّهِ

ولا شئَ الا الحبُ أحلى من الحبِّ!

انتهت بتاريخ29/ 6 / 2012

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2168 الأحد 01/ 07 / 2012)


في نصوص اليوم