نصوص أدبية

مصيدةُ الوطن وانفلاتُ المنفى ومابينهما

أميلُ برأسي تذلّلاً

قد أسأتُ.. فالسعوني بسياطكم

افتحوا لي سجونكم الطافحة بالنتن

الكريهةَ الجدران

إلاّ من شعاراتِها الثوريّة

وخربشاتها المُحبّة للحريّة

اسلبوا وحدتي ، دواتي ،مخيّلتي

كسّروا قلمي الخالي من الرصاص

إلاّ من كلمات توخزُ رؤوسَكم

قيّدوني كما المعتوه الشّرِّير

ضعوا جسدي في الأحماض الذائبة

أو إن شئتم

افرموا لحمي النيّئ

اسلخوا جِلْدي المعفّر بالْجرب في معتقلاتكم

قدّموهُ أضحية للكواسر

والذِئاب المترعة في مراعيكم

فإن رأفْتم قليلا

خوفاً من العيون الرقيبة

فسوف تكتفون بسمل عينيَّ بالأشواك

وربما تفقؤوهما بأيديكم

فأنا اعترفتُ بما اقترفت

وبما لم اقترف

أخذتم بصمة عينيّ في خزائنكم

ضممْتموها في حواسيبكم

بصمتُ بالعشرة في سجلاتكم

رجَجتْم رأسي بالصعقات

علّقتموني في سقوفِ آثامكم

لَعقْتمْ دمائي

أوقدْتم قلبي

أريتموني نجيمات الظهيرة

وسط هجير الصحاري

طمرْتم جسدي وأنا أتنفسُ الغبراء

وأنتم تتنفسون الصعداء تَشفِّيا بي

أشعلْتم نسلي في محرقتِكم

نهبْتم مدّخراتي ، نفائسي

وما ملكتْ يدي

اغتصبتمْ حليلتي أمام مرآي

أيّ جنجويدٍ أنتم ؟؟!!

تَمتطون جِيادَ وجِمالَ إبليس

أيّ غوستابو طلعتمْ منها

أثقلْتم كاهلي أحمالاً لاتطاق

كثُقْلِ شرورِكم

أيّ نَجَسٍ طفحتْ عقولُكم !!

أيّ عقاربٍ وأفاعٍ

طلعتْ من جِرابِكم

ماطينتُكم ؟!

أهي من فضلاتِ نيرون ؟!

وخراء "كاليغولا"

مانُطْفتكمْ؟؟

أهي من مبْوَلةِ " سادوم "

وعهْرِ "بومباي "

علامَ تستخنثون رعاياكم ؟

وسعْتمْ أرضي مقابرَ جماعيّة

عوضا عن فرشِها مزاهر جماعيّة

أقولُها وأنا بكلّ قواي الشعرية

والتي- وحدها- لم يُصبْها الهزال

أقولها بلا وجَلٍ أو إكراه

أو إن شئتم بكلِّ وجلٍ وإكراه

فالأمرُ سيّان عندكم

فأنا أرتجفُ هلَعا منكم

صدقتم أنتم حتى بأكاذيبكم

يوم أذلّني مفتشوكم

وضاق بي الاستجواب

حتى خنق الحناجر

وصُمّتْ مسامعي

طاردني الدرَكُ مرارا

تَخفّيتُ في الحواري الضيّقة

تقافزتُ بين سطوح المنازل هربا

افترشت الشوارع

عركَني الطوى

لسعني القرُّ والصّرُّ

جرّدني الخريف من أستاري

أظهرتمْ عورتي أمام الملأِ العريض

حتى ورقة التوت سلبتْ منّي

غدوت عاريا

تقذفني السابلة أحجارا

بصقاتٍ

شتائمَ عاهرةً

طماطمَ فاسدة

خزعبلاتٍ مرميّة

وكلَّ ما تنوشه الأيادي الغاضبة

ترجمني بحصىً ينقر رأسي

تصدم خطواتي

تشلُّ أقدامي

الصغارُ يطاردونني

الصبيةُ يهزؤون بي

يرمون أسمالَهم على جسدي

يلقمون فمي بنفاياتهم

وفوق هذا وذاك

يلاحقني الصبرُ أينما اتجهت

وحيثما أزفت

يُذيقني مرارتَه

يفطمُني من الهياج

يُهدّئ من روعي

غير أني رفعتُ سيفي

في لحظة جأشٍ فاضتْ بجسدي

هادرا دم الإذلال

صارخا بوجه الصبر

حتى فرّ سريعا مني

نشرتُ العيونَ بحثا عنه

آليتُ على نفسي

أن أقطعَه إربا  إربا

وأقتصُّ منه

وأثأرُ من أعدائي البغاة

لكنه يجيئني طائعاً باكيا

ذليلاَ طالباً الصفح

يُشعلُ في أنفاسي البخور

يُقدّمُ لي النذور والحنّاء

إيذاناً بالتوبة

نادماً على مافعلهُ بي

وبالرعايا الضعفاء

وحالما أرفعُ سيفي بوجهه...

أراه ينسلّ كخائفٍ مذعور

يدسّ نفسَه في شروخٍ لاأطالُها

يضيعُ في أماكنَ موحشةٍ

في ثقوب الذاكرة

يدبُّ مع الوحشة

يتمرّغُ مع شِباكِ العناكب

يأنسُ الزوايا البعيدةَ المنال

يلتوي كبهلوانٍ مراوغ

ويسترقُ النظرَ خلسةً

خوفاً من أن أنالَه بسيفي

وأخدشَه بمبضعي

ضقتُ ذرعا به

أيها الصبرُ ماأثقلك

حين تهجعُ بعروقي

وتذيقني الإذلال

وتلبسني الاستكانة

توطئ رقبتي خنوعا

يا لخيبتي  باصطيادك

ليتني أجزُّ رأسك الحاني

الذليلَ ، الضعيف

وأنزعُ جلدَك المتلوِّن كالحرباء

لكنّ قواي خائرة

منذ أن نهشَها الجلادون

وأرهقتْها السياط

وجدرانُ السجون

ومناحات المنافي القصيّة

وعصف الذكريات المُرّة

تؤرجحُني بين نفْيٍّ وسجْنٍ

بين عشْقٍ وصبْرٍ

تثقلُني بأحزانِها كثيراً

وتؤنسُني لِماماً

وتطيرُ بي خفافا كريشةٍ هائمة

حين أمرحُ مع ملاعب صباي

وأنثر قبلاتي في مهبّ العشق

وعلى مرمى رشفةٍ من شفاه حبيبتي

آهٍ ، ماأرحبَ الحبّ

وما أضيقَ خناقَهُ

بين عناقٍ يُهيظُ العظمَ

وحنينٍ يُذيبُ الشحمَ واللحم

فما أعذبَ الشوق

وما أمرَّ الاشتياق

 

جواد كاظم غلوم

  

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2178 الاربعاء 11/ 07 / 2012)

في نصوص اليوم