نصوص أدبية

إنتظرْ ..لديكَ مُتّـسعٌ للموْت ! / ياسمينة حسيبي

قميصُكَ ملطّخٌ .. بمؤامراتهم !

تتلمض خيبة مركونةً في حَــلْــقـكَ منذ النشأ الأول للقهر.

وتحبسُ أنفاسكَــ في صدركـَ كلّما باغتكَـ خيطُ فجرٍ من النافذة

يتَرَاشَقُـونَ بحلمكـَ الوحيد عــبْر الجدار،

ويتزايدونَ على آخر رعشة موتٍ تجلسُ على شفتيكـَ .

شوارعُ مدينتكـَ أصبحت عاريةٌ،

ليست بها إشاراتٌ للمرور، مقفلة من جهتكَ ومفتوحةٌ على كلّ اللّغْط الكوني.

تتلمس زرّ النور ، فيصعقكـَ ضوء ٌعاهر يزني بالهويّة على مرأى ومسمعٍ من كلّ " الارض".

تحملُ صوتكـَ بين يديكَـ..

تدور به في " مستشفياتهم" كحَمْلٍ كاذب لامرأة غير وَلُود.

وحدكـَ تعرفُ أن صوتكـَ ذاكرةٌ طَـعنها " المكان" .

ولا فرق عندكـَ أن تنام على سرير وثير أو .. في قبر جماعي.

تَـمْـشي في الشّوارع مُـنْدسّا في حذائكَ المُـثقلِ بخطواتِ الترحيل...

وأربعة وستون خيبة تتأبّطُ ذراعكَ ... في خجل !

تبحث في عيون المارّة عن وطن صغير بحجم أحلامٍ طفولية !

هل تطلبُ الكثير؟

تساءلتِ الحمامة وهي تنظر الى غيمة في السماء لم تمطر منذ أن تجمّد الدّم العربي على الأرصفة .

أوراقكـَ التبوثية ما زالتْ على الرّف ... يمسحون عنها الغبار بين العيد .. والعيد ثم يعيدونها فوق الرّف.

سأَلوك مرّةً عن أحوال القلب ؟

فأجبتهم ببساطتك المعهودة :

"لا شيء في جوارير القلب سوى جرحٌ مفتوح على مصراعيه وشعبٌ ينتحبُ في صمت"

تسحبُ وجهكَ من النهار "وتسكبُهُ" في محاجر الأمهات الثكالى ..باستمرار.

تحاول مستميتا ألا تسقط في فخ " السّلام" الموبوء بانفاسهم ،

وعلى صعيد آخر، يستهلكُـ وجهكـ كلّ الطّعنات .. الصديقة منها والعدّوة.

تُلَـمْلِم " بقاياكَ" ثم تَمسحُ بها عَـــرقَ الأرصفة .. وانتَ تُصفّر " بفرحٍ " نِكاية في الخوف..!

وعندما تُقفل "عائدا " الى نفسكـَ، تنسى روحكـَ معلّقة في الهواء بين رصاصتين.

ها انتَ الان تنتبه إلى وجهكَ المنتشر من - حولكَ - فترسمهُ بالطّـبْشور الأحمر على " الجدار".

ترسمهُ على شكل ضميرٍ للمستقبل.. فينتابهم الغضب العارم.

يكذّبون آثار قدميكَـ على الأرض وأنتَ تُشْبهها في الجذور وفي أغصان الزيتون،

تُشْبِـهها حتى في جوعكَ عندما يزأرالحجارة.

رأيْتُكَ مِرارًا تجلسُ القرفصاء، تغمسُ الخبزَ في صحن الـزيت...

وظِلٌّ أمامكَ يضعُ ساقاً على ساقٍ

يراقبكَ ويبتسم في خبثٍ كأنه يقول :

معْـصرة الزيت ما زالت عند "الجيران"

فـتتجمّد أصابعكَ في الصّحن من نظراته، وكأنّه خلعَ عنكَ نفسكَ.

يسخرُ الظلّ من ارتباككـَ ،

فتبدو عاريًا ومتّـهمًا ... بالزيْـت والزّيتون !

يتيم الأرض الوحيد... هكذا ينادونكـَ ،

يعرفونكـَ من الوشم القبيح على معصمكَ،

إنه آثارُ "صفقة الأرض" !

وحدك تعرفُ أن ظلّكَ يتعقّـبكـَ باستمرار .. يتحيّـن الفرصة لكي يطعنكَ في الظهر !

وقد قالت العرّافة : فإما أن تموت برصاص العدوّ

أو تموت ملدوغا بسمّ "أصابعكـَ" ..

فأي ميْتةٍ ستختار ؟

روحكَ تُـهَـدّدُ كل يوم بمغادرتكَ، اذا ما استسلمتَ للـرّصاص !

فتريّثْ...قليلاً ،

أَتُهَـيّجكَـ رائحة الموت إلى هذا الحدّ؟

ألا يكفيكـَ أن جرحكَـ منفجرةٌ أساريرهُ دائمًا للملح ؟

أما عرفتَ أَنّهم يعشقونكَ ميّـتا الى حدّ الجنون ؟؟

تَــلَـكّأْ .. قليلاً أو كثيرًا ،

واضربْ لَـهُـم موعدًا عِـندَ فُـوهَـةِ البُـندقيّـة ،

أو عند نقطِ التّفتيش حيثُ يموتُ الـموالــيد الجُدد ..

واعِـدْهُـم عند أبواب مدينة تاهت على الخريطة ..ما بين تـغْديدٍ وتسْـوِيف.

لا تتساقطْ أمـَامهم .... من جسدِكَ ،

فالأرض تصْـهَـل في دمك وتبحثُ عن رأسك المشجوجةِ باستمرار !

انتظر قليلاً..

أمُّكـَ تخبزُ لكـَ مَـلاتيتَ شهادةٍ محشوّة بالــزّعتر.

وانا أُعدّ قصيدة طويلة في رثائكَ.

إنتظرقليلا، فما زال لـديكَ متّسعٌ ... لِلْـموتِ !

سترحلُ ،

وكالعادة ستعتذَر للعالم بأسره ... عن موتكـَ !

تابع موضوعك على الفيس بوك وفي   تويتر المثقف

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2198 الجمعة 3/ 08 / 2012)

في نصوص اليوم