نصوص أدبية

مذكرات متشافٍ (3) / مسلم السرداح

وها انا ذا استبدله فتحية لهما.

كنت سابقا متهورا تجاه الحياة وتجاه الموت وكنت اتعامل مع الموت كشيء هين وبسيط. ان يموت الانسان فيذهب الى العدم وهذه النهاية التي هي الموت لم اكن افكر في كيفية الوصول اليها وكنت اعتبر الموت واجبا يجب الوصول اليه ان اجلا ام عاجلا ولم اكن انظر للموتى الا على اساس انهم عدم زائل حتى اني كنت عندما اقف على قبر من قبور اعزائي واقاربي واصدقائي كنت اتذكر فقط تلك المواقف التي جمعتني بهم وهم احياء ولايعنيني بشيء ما كانوا قد وصلوا اليه بعد الموت وذلك نابع من فلسفتي اللادينية ولم اكن اهتم من قريب اوبعيد بما سيتركه الاحياء بعدهم من من تركات ثقيلة من ابناء اوبنات اوالم سيحز في نفس اقاربهم اواصدقائهم لسبب بسيط انني كنت اعتبر انهم سيموتون وكنت اقول لنفسي اننا كلنا سنموت ان عاجلا اواجلا ولم اكن اعتبر الموت الا فرض واجب التحقق على الجميع ولم يكن يهمني الموت كفلسفة. واتذكر اني بكيت جدا على فراق احبتي بسبب رحلة الموت اكثر من أي فرد اخر. ولكن لم يدر بخلدي ان هناك روح وجسد وان الروح تبقى بعد ان يفنى الجسد ويمضي.

ولقد كنت اوطن نفسي انني عندما تفعل بي الحياة فعلتها ، فانني سالقم مسدسي الشخصي طلقة اسددها الى راسي وينتهي كل شيء !!

هكذا وبسهولة ينتهي كل شيء

ينتهي كل شيء

ولكني حين اصابتني الجلطة واوقفت فمي ويدي ، كانت البندقية محشوة وواقفة قرب سريري لم افكر حتى في الاقتراب منها. فلماذا ؟

ربما كنت جبانا وربما  صرت احب الحياة ولكن لا ليس هذه ولا تلك كانت السبب في عدم الانتحار ربما استطيع ان ابين وجهة نظري من خلال القصة التالية :.

كانت عندي صديقة قبل الزواج صادقتها (لاعبث معها ) ويبدوانها كانت تحبني حبا جما ولكن لم اكن اعرف مقدار حبها لي. وفي احد الايام كنت جالسا معها في الحديقة العامة واستغلت الموقف وقبلتها على خدها فانبتني واستشاطت غيضا عند ذلك. ولاني كنت ارغب منها العبث فقد فارقتها. بعثت لي برسائل تتوسلني فيها العودة لها لانها تحبني وهي على استعداد لمنحي أي شيء مقابل رضاي عنها وعودتي اليها ولا يهم ان كنت لا احبها اوفيما اذا كنت ساقضي وطرا معها لانها وجسدها سيكونان ملكي انا وراحت تبعث الرسائل تلوالرسائل لي واناامزق الرسائل لسبب بسيط هواني اردت الحفاظ على عفافها ولا ارغب لنفسي ان ادنس شرفها واعبث مع انسانة شريفة نبيلة تحبني ولا احبها. وكانت اثناء علاقتي معها طالبة تسكن في بيت داخلي مع باقي الطالبات ومع ابنة عم لها وكانت البنت محط سرها.

كان ذلك قد حدث قبيل بداية الحرب عندما كنت ذاهبا للدوام في مدرستي عند اطراف محافظة مجاورة وكنت احمل بيدي بعض الحاجيات الصغيرة ومنها ديوان الزا وعيون الزا للشاعر الفرنسي الخالد اراغون حين وضعتها على مقعد من مقاعد السيارة الكبيرة صناعة النجف لحجزه لحين اكتمال عدد الركاب. ولكن وقبل نزولي من السيارة شاهدت فتاة جميلة ومعها ابن اختها الصغير وكان طفلا ملائكي الجمال طلبت هي منه بالحرف الواحد ان يجلب حاجيات عموأي كتابي مع مفاتيح غرفة بائسة في سكني في المدرسة وحين اكتمل عدد الركاب وصعدت الى السيارة وجدت الكتاب مع المفاتيح لصق مقعد الفتاة ومنذ تلك اللحظة توطدت علاقتي بالفتاة الجميلة.

كنا نخرج للجلوس في المتنزه دون ان يحدث بيننا أي امر وكنا نتبادل الاحاديث حول الوضع الراهن انذاك بعد صعود صدام حسين دكتاتور العراق الى السلطة.

وحين قلت لها ان امر نقلي قد صدر الى محافظتي وجدتها في اليوم التالي واقفة مع اختها ام الطفل قرب موقف السيارات باتتظاري ورايت اختها التي لم تكن تعرفني من قبل تركض خلف السيارة لتسالني

-     انت فلان المدرس ؟

-     نعم هوانا. ما الامر ؟

-     هذه لك.

لاجد انها قامت بتسليمي رسالة صغيرة تقول فيها :

-     من اجل ان اكون قريبة منك قررت التسجيل في المعهد هناك في مركز المحافظة بدلا من البقاء هنا عند اطراف المحافظة في هذا القضاء الذي يفصل بين محافظتين وقد حددت لي موعدا للقاء.

-     ورحنا نلتقي وبشكل دوري متقارب في ربيع ذلك العام المشؤوم وهوعام الحرب. ولم يكن حديثنا يدور سوى عن مسائل يومية من مثل طموحات كل منا ووضعي الجديد في مدرستي الجديدة ووضعها الدراسي في الاقسام الداخلية وانها تنزل ايام العطل الرسمية عند بيت اختها ام الطفل الساكنة في البصرة لان زوجها ابن عم لهما من سكنة المحافظة.

كانت اختها المحروقة ذات هبئة جميلة وراحت تحدثني عن الطريقة التي احرقت بها جسدها في ان احدا من افراد العائلة قد صب البنزين في الفانوس بدلا من النفط الابيض وعندما اشعلته عند المساء حدثت الكارثة التي ادت الى احتراق وجهها ويديها والتصاق اصابع يدها اليمنى ببعضهم مع تشويه نصف جسدها.

وفي احدى المرات ومن هنا تبتدئ القصة قلت للفتاة انني اريد الهرب خارج العراق وما علي سوى ترتيب بعض الاجراءات فقالت لي بلهجة ممانعة :

انا سوف اخبر جهاز الامن لاخذ الاحتياطات اللازمة ضد هروبك لذلك ارجوك ان تبقى هنا ففي العراق كل شيء.

كانت مصرة على بقائي وكان الامن الصدامي في اوج شراسته وذلك حين كان يعد العدة للحرب مع ايران في اعقاب تفجبرات المدرسة المستنصرية.وكانت مجرد ايماءة كاذبة من اب تجاه ابنه اوزوجة تجاه زوجها فا ن ذلك يعني النهاية ليمد الطاغية راسه من التلفزيون ويزعق بذلك متفاخرا متباهيا بشعبه واخلاصه للوطن. وكنت خفت من الفتاة وتهديدها لان النظام كان ياخذ الناس بالنوايا والظنون حتى ان الناس كانوا يخافون من الحيطان ان تسمع وتشي ، حتى اذا كانت القبلة وممانعة الفتاة ، وجدتها ذريعة لكي ابتعد عنها .

وفي يوم وقد وجدت بندقية ابيها المقاتل في الجيش الشعبي كما يحلولاعلام النظام تسميتهم وكانت مركونة على الحائط وصوبتها الى راسها لتفارق الحياة رحمها الله

حدثني بذلك مدرسوا المعهد الذي كانت تدرس فيه بعد سبع سنوات من بداية الحرب وكنا سوية في قواطع حركة الجيش الشعبي بعد ان ذكّرتهم باسمها.

كنت اخذ الامور على غير ماخذها الصحيح فان انتحار الفتاة من اجلي لم يكن يعنيني بشيء فهي ان لم تمضي البارحة فاليوم اوالغد فهذا هوحال الاحياء دون ان اجري أي طقوس تليق بفتاة رائعة ماتت كحادث عابر اوانتحرت ربما بسببي ولن يكون الامران سيان.

كان هذا طبعي قبل الجلطة. وفي البداية بعد ان صرت اسيرا للجلطة كنت اخاف الا اموت بل ان اشل اوان اجن اوان يحدث لي امر يبقيني بين الحياة والموت وفي مراحل اخرى من الجلطة رحت افكر في العار الذي سيجلبه موتي منتحرا لاولادي ولجميع افراد عائلتي واخيرا رحت افكر في مابعد الموت وما سالاقيه من مجهول بعد ان وجدتها صعبة وانا اقدم على الموت وعزلة الموت بنفسي.

ان الطقوس الدينية التي يمارسها الشيعة في جنوب العراق تجاه الميت وتابين اهله عبارة عن طقوس عشوائية صارمة دينيا وطقوس منافقة جتماعيا. ودون موقف ديني اواجتماعي حقيقي وجاد مثل أي شيء في العراق. وهذا الموقف ربما تعلمناه من حكام العراق اوان هؤلاء الحكام تعلموا الطابع العام لبيئة هذا الشعب. فلوان الف بوعزيزي مثلا احرق نفسه فلن يغير من وضع هؤلاء الساسة في شئ.ونعود الان اذ يجلس الناس لمدة ثلاثة ايام يعددون فيها مناقب الميت بالطريقة التي تحلولهم والويل لمن يجدون في سيرة حياته ما يثير الاستفهام اوالجدل والويل كل الويل لمن تشوب حياته اوموته شائبة رغم ان الكل خطاؤون.

لقد ندمت جدا على تصرفي تجاه الفتاة وانا في غمرة ماكنت اعانيه من تاثير الجلطة. ورحت اكلم نفسي اقول لها ان كان بامكاني ان اقف بمواجهة الفتاة واصارحها بالحقيقة. ثم اعود واسائل نفسي : ولكن اية حقيقة يمكن الكلام بصددها في زمن صعود الدكتاتورية البشعة تلك ؟

ورحت الوم نفسي مرة اخرى عن الالم الذي سببته لها بعدم الرد عليها ولوبرسالة. لقد كنت اصارع نفسي اغلبها مرة لتغلبني مرة اخرى. كنت اقول لنفسي انه زمن مضى ولا داع لي لحفر الماضي المؤلم فتقول لي نفسي ولكن كان بامكانك القيام بكذا وكذا. وتروح تعذبني بمرارة افعال لافائدة من تذكرها فقد طواها الزمن ومرت عليها قرابة الربع قرن اويزيد. ولكنه فعل الجلطة القاتل وماذا استطيع امامه ؟

كنت طيلة حياتي اخشى الموت اختناقا واخاف من اجل ذلك الاماكن التي يمكن ان ينقطع عنها الهواء فجاة ولا استطيع العودة منها الى الخلف فانا مثلا كنت دائما ما يراودني كابوس احد حلقات مسلسل هيتشكوك لااتذكر اسمه لمضي وقت طويل على ذلك تدور احداث القصة حول سجين بالمؤبد يتفق مع الشخص المسؤول عن دفن جنازات موتى السجن ان يقوم هوأي السجين بالدخول مع الشخص الميت ليقوم المسؤول عن الدفن باخراجه فيما بعد وتتم العملية بالشكل التالي حيث يدخل السجين وبحسب الصفقة في اول تابوت لميت وهناك في القبر ينتظر السجين الدفان لاخراجه ويمر الوقت دون جدوى. واخيرا يقرر ان يشعل ضوء كبريتة وبحذر خوف نضوب الاوكسجين الناضب اصلا حد الاختناق وينظر في وجه الميت فاذا به يكتشف ان ذلك الميت الذي بجواره هوالدفان الذي عقد معه الصفقة.

لاشيء معقول امام مشكلة الموت فكل شيء وارد ومتوقع....

الموت هوالمطلق الوحيد في هذا العالم. واما الحياة فهي مصطلح نسبي فلواخذناه على مستوى العالم الثالث ومنه العراق فكم من الاحياء الذين هم بلا حياة. شعوب كاملة لاتعرف الحرية لافي التصرفات ولافي لقمة العيش. وان طبعهم في الحل النهائي هوطبع الاموات.

اذن الموت مطلق ولكن الحياة نسبية. ان الحياة البشرية هي المثلبة الوحيدة على وجود الاله. ان هذا الظلم الذي يكتنف العالم وما فوق الفقر وماتحته والامراض الفتاكة والظلم الانساني لايبدوان الها يتدخل فيه والا ماهوراي الاله في تلك الكروش المتخمة والتي راحت تسرق من ثروة الله لتحرم الاغلبية الفقيرة من ابسط مستلزماتها في الحياة.؟

لقد وضع الانسان ثغرة في التصور الديني في ذهن اللادينيين.

والاّ هاك انظر في الطبيعة الفيزياوية للكون. قوانين صارمة لاتقبل الجدل ولا النفاق اوالمجاملة.

وكذلك الطبيعة الكيمياوية للمواد. انها كلها من طبيعة واحدة. وكل شيء يخضع لوحدة واحدة الا الانسان.

هل الارض مثلا بحاجة الى جنة ونار لكي تخاف وبالتالي لكي تحافظ على مسارها الدقيق الموضوعة هي فيه ؟ ان الطبيعة الفيزيائية والكيميائية للكون هما مايؤيدان وجود الله.

الانسان هوالكائن الوحيد العاصي لقوانين الطبيعة والمجتمع وهوالكائن الوحيد الذي يحدث خرقا في الايمان. وان كل اللادينيين انما يتعكزون على الفوضى والخرق في وحدة الكون التي يحدثها الانسان.

لعل ذلك يعود الى مسالة الغرائز التي تمتلكها الكائنات الحية والتي تطورت حتى وصلت الى هذا الحد. وهومالم يستطع لاالدين ولا دعاته من الحد من تاثيرها على الانسان صاحب العقل الذي يسمع ويعي ويدرك ولكنه ماض في تحقيق اناه وهولاجل ذلك لايتوانى عن سحق انا الاخرين.

وانا بالنسبة لايماني فانما يتعكز على تلك الخروقات في الحياة البشرية والحيوانية والتي تحدثها الغرائز.

ولكن الجلطة جعلتني افكر في المنجزات العلمية المبهرة للانسان في هذه الحياة وهل تنتهي بالموت ؟

هذا هوالسؤال المحير.....

 

للمذكرات بقية

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2205   الجمعة  17/ 08 / 2012)

في نصوص اليوم