نصوص أدبية

قصص قصيرة جدا / عبد الفتاح المطلبي

وقد بالغ المحتفلون بمراسيمهم لدرجة أننا هنا في بغداد ظللنا متسمرين طويلا أمام شاشات التلفاز في بيوتنا ذات الألوان الكالحة ، بعضنا كان يعلل هذا الشوق والتلهف و الإقبال على مشاهدة أعياد الميلاد العالمية لما ينتابنا من شعور بالفقر اللوني جراء الرماد المتراكم من الحرائق التي أشعلها المحتفلون في السنين السابقة ولا زال الجمرُ تحت رمادها ينفثُ دخاناً نحو سماء بغداد لكننا نحن المشاهدين من خلال شاشة التلفاز البهيجة والملونة التي صنعها لنا العالم المحتفل ووفرها بأسعار زهيدة وبالرغم من جمال تلك المفرقعات المتسلسلة وبهجتها إلا أننا نهبّ منتفضين قلقين نحو السطوح لنتأكد أن ذلك لم يكن إلا صوت فرقعات احتفالية وليست أصوات تلك القذائف التي تخطف الأرواح وتلون الحياة بالأسود والرمادي الكالح وعندما نتأكد إن ذلك لم يكن إلا صوت الإحتفالات ذاتها منفجرةً من أجهزة ( الدي جي) التي يدمن عليها صاحب المقهى المطلّةِ على ناصية الشارع علق أحدنا قائلاً يالنا من مرتابين وعندما عدنا لمشاهدة الإحتفالات تعطل نظام الألوان في التلفاز فواصلنا النظر الى الإحتفالات بالأسود والأبيض والرمادي.

 

 

الكلابُ لا تأكل بعضها

 

قريتنا تحرسها كلابٌ كثيرةٌ بيضٌ وسودٌ وحمرٌ وقليلٌ منها مُبّقعٌ ، في كلّ ليلةٍ نسمع نباحَها وخلافاتها التي تتخللها زمجرات ٌ وهرٌّ على بعضها، لكن هذه الليلة التي نشطتْ فيها الريح ُ ظنّ البعضُ إنها بدايةُ الربيع العربي اختلف الأمرُ فقد استيقظ الناسُ على جلبةٍ عاليةٍ وعراكٍ شديدٍ وعواءٍ وزمجراتٍ ونباحٍ متواصلٍ وراحت الكلابُ تعاوي بعضَها عواءَ مندحرٍ مغلوبٍ ، كان ذلك في الهزيع الأخير من الليل ، أطلّ الضوء خجولا من خلل غبشٍ غائم فهرع الناس إلى الأزقة، هالهم مارأوا، كلاباً ممزقة إربا وجراءً نصفَ مأكولةٍ وأخرى مبقورةَ البطون وكثيراً من أشلائها مبعثرةً هنا وهناك ومن سلم منها قد انتبذ مكانا قصيا يلعق جراحه و يأن من ألم جراح أخرى، قال أحدهم: ترى ماذا حصل ، هل جُنّت الكلاب فافترست بعضها ، قال أخر: الكلاب لا تأكل بعضها، شيءٌ ما دهمها في ليل بهيم ولما جدوا في البحث وجدوا كلبا قد فقد عينه اليسرى لكنه يعض بقوة على ذيل مخلوق غريب يبدو كذيلِ وحشٍ أكبر كثيرا من كلاب القرية الهزيلة .

 

 

داجـــــــن

 

طالما أزعجني هذا الديك الذي يسرح ويمرح بين دجاجات كثيرة في حديقة جاري التي أطل عليها من نافذتي، لكنني اليوم يأكلني القلق على الفاختةِ وفراخها فوق النخلة ، فمنذ الصباح يتخطفها صقر كبير ولا زال ديك جاري كلما يرى الصقر ينتصب مصفقاً بجناحيه ويزعق بصوت منكر مذكراً أنه لا زال من الطيور، حركت الريح سعفات النخلة ، عسُرَ على الصقر أن يخطف فراخ الفاختةِ فاتجه إلى الديك و أنشب مخالبه به وكان جناحا الديك دائبين على الرفرفة تحت مخالب الصقر حتى اختفيا في عمق السماء ، قلتُ في سري : الآن أنت من الطائرين حقاً أيها الديك ، في هذه الأثناء كانت الحمامة تزق لأفراخها بعض طعام أصابته من بين أرجل الدجاج الذي واصل التقاط حبات الرز المتعفن.

 

 

أقفـــــــــــاص

 

فوق بناية ٍ تطلّ على سوق الغزل قرر الضابط الأمريكي أنها أصلح نقطة للمراقبة فهي تطل على الجهات الأربع، أمر الجنود ببناء قفص حديدي كبير تم تمويهه بشبكة الغش التي تتراوح بين لون صحراوي ولون أخضر غامق ومن جوفه برزت عيون مرقاب من كل جهة قال الضابط: ادخلوا القفص ولا تخرجوا فالقناصةُ ينشطون في هذه الأنحاء ، في الأسفل كانت هناك أقفاص من كل نوع تملأ ساحة سوق الغزل ، أقفاص دجاج وحمام وقرود وعصافير، بينما كان الجندي على المرقاب الآخر يوجه عين مرقابه نحو مقهى الحرية بنوافذها المشبكة الواسعة التي جعلتها تبدو كقفص كبير يضم كثير من الناس غير المبالين .

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2207   الاثنين  20/ 08 / 2012)

في نصوص اليوم