نصوص أدبية

مذكرات متشافٍ .. تحية للاصدقاء (4) / مسلم السرداح

اعطى الفلاسفة اللادينيين الشك بوجود الله ويعود السبب في ذلك كله الى وجود الغرائز فراحت الديانات تحاول تهذيب تلك الغرائز. ولما كانت غير قادرة على ذلك قدرة تامة راحت تستعمل اسلوب الثواب والعقاب  بالجنة والنار ودرجات الجنة والنار. وانا بالنسبة لي كنت دائما ما احدث نفسي بان هذه المخترعات الحديثة ومنجزات الطاقة والحاجة ام الاختراع أي ان الانسان بمجرد حاجته لشيء فانه يدير ماكنة عقله وسرعان ما يعثر على الحل الناجع. أي ان كل شيء مرتب ومنظم ومترابط والمواد الاولية لما يريد الانسان خلقه وصناعته تراها موجودة ومتوفرة  ان هذا يدل على ذكاء مسبق اعد هذا البناء وصممه.

الكون باجمعه متناسق بديع مترابط يشبه علم الرياضيات التي حار فيها الفلاسفة ان كانت هي موجودة ليكتشفها الانسان ام انها من اختراع عقل الانسان نفسه.

ولو اننا عكسنا الترتيب الكوني على اجساد المخلوقات الحية فهي مترابطة ايضا ولا تقبل الخلل وان هناك وحدة غريبة في النظام الكوني فقوانين الفيزياء هي واحدة في الكون المرئي وغير المرئي. والتركيبة الذرية هي نفسها للكون كله وكلها تدعوك الى التمعن في صورة هذا الكون البديع المتماسك الصنعة والخلق لتدعوك في الاخير الى اعتناق فكرة الخالق الواحد والصانع الذي هو نفسه. ذلك ما توصلت اليه من تاثير الجلطة......

ولاغير الموضوع فيبدو انني قلت اشياء اكبر من مستوى مذكرات بسيطة ذلك اني وابتداء من الان سوف اتحول الى موحد لله الخالق الواحد

ولاكمل الموضوع الرئيسي:

اذ راح الاصدقاء والاقارب يزوروني في المشفى وفي البيت. ورحت اهتم جدا بالزيارة لاني كما قلت اشبه ميتا تم ايداعه في قبره ومضى عنه الناس. ورغم اني مرضت سابقا ونمت في المستشفى عدة مرات بسبب حصى الكلية الاانني لم اكن احسب حسابا كبيرا لمن ياتي اولا ياتي ولكن هذه المرة صرت اشبه الغريق الذي يحتاج الهواء وصارت عندي حساسية شديدة تجاه الناس وصرت اهتم كثيرا بمقابلة الناس وسؤالهم عني حتى انني صرت انتظر مكالمات الاصدقاء ومهاتفاتهم وزياراتهم وصرت اعتبر ان من هو مطلوب لزيارتي او مواساتي ولم يواسيني مذنبا بحقي وعدائيا تجاهي واعتبر اصدقائي الذين ادوا واجب الزيارة تجاهي ملائكة طهرا يجب الوقوف لتقديسهم ولازلت اشعر بذلك وللان وسابقى شاكرا لهم ممتنا ما بقي بي من نفس وحياة. وهذا المقال يري القارئ الكريم بعضا من وجهة نظري  اثناء مرضي :

 

الغَبَر (بفتحتين فسكون )

هي كلمة من الكلمات الاصيلة العميقة جدا في اللهجة البصراوية الاصيلة التي لم  تتداخل مع لهجة اخرى أي اللغة التي لايعرفها الا من دُبغ جلده دبغا في ملح وحر البصرة – حبيبة القلب – وهي لهجة عجيبة غريبة تصفع الشيطان صفعا في وجهه القبيح فهذه الكلمة بصراوية بامتياز ولا رديف لها في كل لغات العالم ولهجاته فهي كلمة لها الف معنى ومعنى  فالغبر والمكَرود لاتفهم الا بمترادفاتها فسكان  البصرة المهاجرون القادمو ن من المحافظات المجاورة يستبدلون كلمة الغبر بكلمة الاغم التي لاتستطيع في اقصى حالاتها الا ان تمسح الجلد اما كلمة الغبر فهي تغوص حتى تجتاز مجرى الدم. هل مر بخاطرك انسان يجبن في ظلمة الليل في غابات النخيل ؟ انه الغبر ام هل مر ببالك من يغازل امراة جاره او اقاربه او صديقه ويحاول ان ينال منها حراما ؟ انه الغبر ومن يقبل راس ابيه في العيد بدلا من يده انه غبر وان من يجلس مجلسا لايعرف كيف يتحدث فيه الناس فهو غبر.

واتذكر مرة اني وقعت انا كاتب السطور في موقف عشائري كان علي ان احله وحدي مع كثرة اعمامي واولادهم لاني اكره العشائرية ولكن الشيخ وكان خريجا من كلية الزراعة قال لي سوف اجمع اولاد عمك معك  عندها سكتّ راضيا بالفكرة ومرحبا بها. ويبدو ان الوليمة اقيمت وحضرها من حضرها.وبعد فترة التقيت مع الشيخ الذي قال لي معاتبا :

-     لماذا لم تحضر في الوجبة الغدائية التي اقامها عمكم الكبير ؟ من اجلك

-     من اجلي ؟ ولكن لاالعم ولاغيره دعاني لها.

-     فقال الشيخ:

-     ان عمكم هذا غبر وراح يضحك من فعلته العجيبة.

ان الغبر هذا هو عبارة عن مدرسة كاملة من الكلمات ولا توجد كلمة باللغة الفصحى تستطيع ان تترجمها.

مرة عندما كنا في الكلية مرت علينا كلمة coherent    فبقينا حائرين امامها لعدم وجود ترجمة لها في قواميس التحويل من اللغة الانكليزية الى اللغة العربية وعلى راسها قاموس المورد الكبير لمنير بعلبكي الشائع انذاك. ولكن قيل لنا فيما بعد انها ترجمت الى كلمة متشاكهة من قبل العالم الفيزياوي العراقي العظيم الدكتور عبد الجبار عبدالله  ومتشاكهة هذه تركيبية تعني عدة صفات متشابهة بين موجة واخرى منها طور الموجة والتردد. وتم تفسير الماء بالماء لاننا لم نفهم لا   coherentولا المتشاكهة.

وعلى هذا الاساس فعلى من يريد ان يفهم ماهو الغبر عليه ان يعيش في البصرة بين اهلها من الناس القدماء ليعرف ان الغبر تعني الكثير الكثير فحتى الشخص غير الوسيم هو غبر والسيء الاخلاق هو غبر ايضا.

واليكم هذه الحكاية التالية :

 كنت كتبت مرة قصة اهديتها الى الشاعر والقاص الكبير الرائع عمار المطلبي لانه ادمى قلبي بحالته النفسية بمصاب اختنا العزيزة زوجته  فماذا رد لي اقام الدنيا واقعدها امام حالتي المرضية واهداني قصة من اجمل ماكتبه الادباء.

ولقد فعل الشاعرالكبيرالسومري الغني عن التعريف المتعدد الفنون زاحم جهاد مطر فقد سخر نفسه ومنظمته الانسانية التي يقودها لاجلي وكاني المريض الوحيد في العالم حيث قلب الدنيا ولم يقعدها واهداني قصيدة جميلة رائعة. وكذا فعل السماوي هذا الفارع الكبير الذي لايضاهى بسعة قامة شعره وصوته الذي يقرا ويدرس في مدارس العراق اذ راح يهاتفني من استراليا ويكتب عني وهو الذي كان بامكانه ان لايقول ( للفلك ولك ) لكبره وامتداده حتى في اذهان اطفال بلادي قبلاتي على يديه الكريمتين احتراما وتعظيما له. وكذا فعل احباب قلبي الكبار روحي افديها امام اخلاقهم العظيمة لالشيء الا لان روحي تتحرك بينهم وتحبهم فانبرو لمهاتفتي بصورة متكررة و مستمرة ومنهم من كتب الايميلات ومنهم من كتب التعليقات المستمرة لي.

صحيح ان المرض مقدس ولكن لصاحب ا لمرض(المريض ) وليس لغيره ولكن اقسم بمقدساتي ان لولا مواساة هؤلاء الكبار لنمت ولم اقم ولضاعت مني فرصة الحياة.

جيكور الرائع حبيب قلبي والشاعر الرائع حميد الحريزي والدكتور الرائع سعد الصالحي والدكتورالرائع زيد الحمداني ( الذي اهداني نصا جميلا رائعا تحياتي له  )  والكبار العمالقة كل من جواد كاظم غلوم وحمودي الكناني ومصطفى الادهم وناظم رشيد السعدي وذكرى لعيبي والاديب سردارمحمد سعيد والدكتورة هناء القاضي والشاعرة   سلوى فرح والشاعرة  وفاء عبد الرزاق والاستاذ  الشاعر عبد الستار نور علي والشاعر  علي مولود الطالبي والاديبة  رفيف الفارس والاستاذ الكبير ماجد الغرباوي والاديب  عبد السلام كاظم فرج  والاستاذ  شوقي العيسى والشاعر  ناهض الخياط والاديب الاستاذ حامد فاضل  والشاعرة  اسيا رحاحلية  والشاعر  سامي العامري والشاعر الأديب عبد الفتاح المطلبي والاديب الشاعر مهدي الشمسي والشاعرة اروى الشريف والشاعر  بو عبد عبد الله فلاح  والشاعرة المبدعة ميادة ابوشنب والاستاذ المفكر صائب خليل والشاعرة  الرائعة جوزيه حلو والاديبة القاصة  سنية عبد عون رشو والشاعر  جمال عباس الكناني والدكتور الاستاذ سامان سوراني والشاعر  علوان حسين والشعراء الادباء الكبار كل من : الاستاذ حسن البصام والاستاذ غسان الكاتب والاستاذ جميل حسين الساعدي والاستاذ صادق العلي والاستاذ جواد كاظم اسماعيل والاستاذ مهدي الخاقاني قبلاتي على اياديهم الكريمة التي مدت لي تحية لهم ولكل من فاتني ذكر اسمه فالعذر من الله ثم منه واقول لهم ان  سؤالهم عني ومواساتهم لي هو الذي انهضني من فراش المرض فالف تحية لهم وشكرا من قلبِ غريق الى من القى له طوق نجاة فانقذه من موت محتم. وشيء واحد لم يفعلوه الا وهو ان يقولوا لي نحن نحمل المرض بديلا عنك اطال الله في اعمارهم ومنحهم صحة وعافية لا احسن منها وذلك من الاشياء التي لاغرابة فيها فالكبير كبير واقل ما يفعله هو ان يقوم باطفاء نار قلب مريض وذلك هو خلق الكريم وطبع النخلة التي تحترق ولاتموت بل انها تعطي  وهي المحترقة  ثمرا.والادب مهمة انسانية. وهنيئا لفاعل الخير.

الذي اريد قوله توميء به الحادثة التالية :

احد الادباء تم تكريمه من قبل احد المواقع الثقافية الرائعة ورغم اني لااعرف هذ الاديب فقد كرمته بقصيدة اهديتها له بالمناسبة..... ذلك ماقمت فيه انا  ولكن اليكم ماقام به هو :

وانا مريض والمريض يحتاج الى من يتحمد له السلامة ويرجو له الشفاء  خصوصا اذا كان ذلك المريض مشلولا ولكن انظروا ماذا حدث :

احد احبابي الكبار كتب قصة رائعة كان اهداها لي ومر هو تحتها وكتب تعليقا تطرق فيه الى كل شئ تقريبا ولم يتطرق فيه للمريض المشلول الذي اهديت له القصة والذي بحاجة الى ايماءة امل علما بانه مدين لي. ولقد تعجبت كثيرا من الامر ورحت اعيد القراءة مرات ومرات لعل الاديب استخدم شيئا من الابهام والتورية وهو يسلم علي ولكن لم اجد شيئا ولكني تذكرت ابي لو كان حيا وسمع الحكاية لقال لي :

- لاتتالم يابني فهذا الشخص وامثاله كثر.

و الحكاية التالية التي سمعتها من ابي مباشرة تثبت ذلك :

الاب الميسور الحكيم يسال ابنه المدلل الذي وجد في ابنه ميلا الى الاعوجاج

-     كم صديقا لديك يابني؟

-     كل الشباب بعمري هم اصدقائي. وانت كم صديق لديك ياابي ؟

-     صديق واحد ونصف صديق.

-     انت لاتعرف كيف تكسب الاصدقاء يا ابي  هههههههههه ؟

-     ربما يابني ولكن لنجرب الان اصدقاءنا. اليوم ليلا بعد الصلاة اذهب لاصدقائك واحدا واحدا واطلب منهم مساعدتك في دفن جنازة الحرامي الذي قتلناه اثناء دخوله البيت للسرقة.

-     ولكننا لم نقتل احدا يا ابي ؟

-     لنفتعل ذلك يابني. لغرض اكمال الحكاية.

-     سمعا وطاعة يا ابي. سوف اتيك بعشرة من اصدقائي وذلك يكفي على ما اظن ؟

-     نعم لتجرب.

ذهب الابن الى من يظنهم اصدقاءا الذين يصرف عليهم المال دون مقابل وببذخ  واحدا واحدا ليعود فاشلا خالي الوفاض. فقال له ابوه :

-     اذهب الان الى صديقي النصف . فذهب وعاد به بعد قليل ليقول للاب انه انما جاء لمساعدتهما في دفن الجثة.

-     الان اذهب الى صديقي الوحيد. امر الاب ابنه الذي ذهب وعاد بعد قليل بصديق الاب الذي طلب منهما مغادرة البيت ليخلصا نفسيهما من المشكلة وتركه مع الجثة وحده ليتدبر الامر بنفسه.

كلما تذكرت الغبر كبرت البصرة الكبيرة عندي.

واقول لمثل هذا الاديب السلام يااخي مجاني وتحية لمن سال عن مريض وواساه بكلمة.

 

كتبت هذا لكي لا انسى.

شهر حزيران 2012

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2208   الاربعاء  22/ 08 / 2012)

في نصوص اليوم