نصوص أدبية

ميمي والشاعر / سعود الأسدي

       

للموسيقار الإيطالي بوتشيني(1858ـ1924)

ميمي فتاة باريسة تعمل بتطريز الزهور على ألبسة الحرير وصدور فساتين العرائس وأردانها وشراشر ذيولها, تسكن غرفة مستأجرة في عمارة يسكن في علّيتها أربعة أصدقاء من روَاد الحي اللاتيني ومقهى موموس منهم شاعر هو رودولفو ورسّام وموسيقى وآخر .    

تدخل ميمي لإشعال شمعتها من جيرانها, فتجد الشاعر رودولفو لوحده, وكان الطقس باردًا جدًا, وباريس يسقط عليها الثلج, والريح شديدة, فرجعت تشعل شمعتها بعد انطفائها فأضاعت مفتاح غرفتها في غرفة الشاعر, وكانت الغرفة معتمة سوى من ضوء القمر, وأثناء البحث عن المفتاح على أرض الغرفة تتشابك أيديهما تحت الطاولة فيجذب رودولفو الفتاة ميمي إليه تحت ستار الظلمة.

رودولفو : اقتربي نفتشْ

ميمي : آه ها أنتَ! أخاف !

رودلفو: ألا لا تخافي إنّما نحنُ وحدَنا

أمانٌ فلا داعٍ لديكِ إلى الذُّعْرِ

يداكِ وهذا الليلُ والبَرْدُ قارسٌ

فهاتيهما إنْ شئتِ للدفءِ في صدري

نفتّشُ عن مفتاحِ غرفتِكِ الذي

أضَعْتِ كمثلي فوقَ أجنحةِ السّرِّ

ميمي (تحاول أنْ تسحب يدها من يده)

فيمنعها ويضع يديها على قلبه)

أيا حلوتي هاتي يديكِ إلى هُنا

لكي تسبُري جُرْحَ الهوى أيَّما سَبْرِ

فيا ألفَ مرحى للقوامِ ولينِهِ

ورقّةُ ديني مثلما رقّةِ الخَصْرِ

أتيتِ على وعدٍ من الحبِّ صادقٍ

فأنتِ فتاةُ العُمرِ أفديكِ يا عُمْري

سأحكي لك عنّي ببضعةِ أسطرٍ

وقد أُوجَزُ التعريفَ عنّيَ في سطرِ

أنا شاعرٌ والشعرُ لي صنعتي التي

تدرّ على فقري سيولاً من الفقرِ

أعيشُ بفقرٍ مُدْقعٍ غير أنني

أميرٌ رَماني الدّهرُ بالعُسر واليُسرِ

قصورُ خيالي عالياتٌ ظِلالُها

فإن طِرْتُ من قصرٍ سقطتُ على قصرِ

خزنتُ كنوزي من ثراءِ تَخَيُّلي

وقد سُرِقتْ مني وعدتُ إلى عُسْري

لقد جاءني لِصّانِ : عيناكِ فيهما

مواسمُ أحلامي وما صرتُ للخُسْرِ

وكمْ منكِ حاولتُ الفِرارَ لشِقوتي

فأوقعَني سِحْرُ التلفّتِ في الأسرِ

وعيناكِ لا أحلى تُعيدانِ ثروتي

غنيتُ بأحلامي وحبّي مدى الدهرِ

فإن قلتِ لي مَنْ أنتِ أغْرَقْ بنشوةٍ

تُجَهِّلُني ما كان من نشوةِ الخمرِ

وأنتِ إذا ما البدرُ ضاع شعاعُهُ

تُعيدين ضوءَ البدرِ في الأفقِ للبدرِ

فيا حُبُّ ألهمْني البيانَ فإنني

رأيتُ فتاةً شِبْهَ حوريةِ البحرِ

ولو كان بحرٌ بيننا لقطعْتُهُ

وكان اتّساعُ البحرِ عنديَ كالنّهرِ

ميمي:

وتسألني ما اسمي ؟ وتسألُ من أنا ؟

ولا بدَّ من أنْ أُسْلِمَ السرَّ للجهرِ

عُرفتُ بميمي لكنِ اسميَ لوسِيا

وشغليَ تطريزٌ إذا كنتَ لا تدري

أطرّزُ أثوابَ الصّبايا أزاهراً

وإنّ ثيابَ الغيدِ تجمُلُ بالزهر

وكلُّ عروسٍ قد أطرّزُ ثوبَها

تصيرُ كما الطاووسِ في الحسن والكِبْرِ

وأحيا كما يبغي زماني وحيدةً

أدبّرُ أمري باليسير من الأمرِ

وأهوَى هدوئي والسعادةُ رائدي

ويغمرُني حُبُّ الطبيعةِ بالسحرِ

ولستُ أصلّي في الكنيسة إنّني

أصلّي ببيتي ذاكَ أقربُ للطُّهْر

وإنّ إلهي بي يُعينُ توحُّدي

وإنّ صفاءَ الروحِ داعٍ إلى الفكرِ

ولا ينفعُ المرءَ التديّنُ وحدَهُ

إذا لم يكنْ منه التعاملُ بالخيرِ

وإنّي لوحدي مثلُ ربي وحيدةٌ

على أنّ بعضَ الشفعِ خيرٌ من الوترِ

وإنَّ انشغالي قد يُعينُ توَحُّدي

وشُغليَ من بَدْءِ الصباحِ إلى العصرِ

أحَضِّرُ في بيتي طعامي ومشربي

وأكلي زهيدٌ مثلما الأكل للطير

ويأسرُني حُبُّ الجمالِ وإنني

إذا قمتُ من أسْرٍ رحلتُ إلى أسرِ

أحبُّ شعاعَ الفَجرِ والفَجرُ طالعٌ

ويغلبُ في يومي حنيني إلى الفَجرِ

كذلك أفراحُ الربيعِ تهزّني

ونيسانُ يا لِله ! أنْعِمْ بذا الشهرِ!

به الطيرُ يغدو عاشقاً ومُرَنِّمًا

فيا ليتني كالطيرِ أنعَمُ بالطّيرِ

أروحُ وأغدو حُرّةً وطليقةً

ولا عيشةُ أحلى من العيشِ للحُرِّ

وأحسدُ وحشَ البَرِّ للعيشةِ التي

يمارسُها في البَرِّ طوبَى إلى البَرِّ

وقد يتّقي البردَ الشديدَ بفَرْوةٍ

ويأوي إلى الظلِّ الظليلِ لدَى الحَرِّ

وللشمسِ حُبٌّ في فؤادي كقُبلةٍ

مضمّخةٍ كالزهر بالطلّ والنّشر

وأهوى نجومَ الليلِ في غمرةِ الدجّى

وطلعةَ وجهِ الحسنِ في البدرِ إذْ يسري

وأهوى قواويرَ النباتِ وزهرَها

وأنسجُ ما يبدو جميلاً من الزهر

ولكنْ زهورٌ رُحْتُ أُبْدِعُ شكلَها

لها فتنةٌ لكنْ بلا نفحةِ العطرِ

وأنشقُ أوراقَ النباتِ محبّةً

وأخلُصُ من سُكْرٍ بهِنَّ إلى سُكْر

فيا ليتني في الصّخْرِ زهرةُ نرجسٍ

أنُثُ شذَى عطري الحنونِ على الصّخْرِ

وأشربُ من ريقِ النّدَى قطرةَ المُنَى

ويَغْسِلُني دمعُ الغمامةِ بالقطْرِ

أحِنُّ إلى حِضْنٍ دفيئٍ وهمسةٍ

حنينَ القطا عند الغروبِ إلى الوكْرِ

وإنّكَ جاري ما لجارٍ وجارةٍ

سوى الوُدِّ مثلَ النهرِ بينهما يجري

وشكري لما أوليتَ لي متواصلٌ

جزيلٌ وما يجزيكَ عني سوى شكري

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2209   الجمعة  24/ 08 / 2012)

في نصوص اليوم