نصوص أدبية

أربعُ أقدامٍ وسطح / وفاء عبد الرزاق

فصاغ لها حلّتها، وددتُ لو أنَّني قادرة على ارتقاء السلّم، سـلّم خشبي صنعه صاحب الدار وتركه يتوسط الفراغ الكبير، بيت فارغ من أي أثاث أو ما يقود الداخل إليه إلى نوعية ساكنيه أو عددهم. وأنا أتخيل سماء صافية قلت: ربَّما من خلال صفائها سأرى العالم أكثر نبلاً ، جاهدتُ طويلاً كي تكون لي ذراع، ذراع واحدة أستند عليها أو ركبة أحركها لأصعد أول السلّم، أقلها خطوة لأعترف أمام ضعف نفسي أنَّني حاولت، كما وددتُ أن تكون لي قدم ثانية، لكنَّها جاءت بشكل عنكبوت، فالعناكب لها قدرتها على القفز، قد تتخطى درجات السّلم وبقفزة واحدة تصل السطح، فصاحب الدار جعله بثلاثين دَرجة.

هل له حكمة في ذلك؟ لا أدري.

أنا "عنكب"؟ ولمَ لا؟ سأتخيل أنِّي هو وأبني شبكتي كي لا يخدشها الآخرون، وسأتغذى على دماء المتطفلين المتسللين وأبصق عليهم. إذاً أنا عنكب، عنكب أنا، ولزوما عليكم أن تعرفوا قدراتي، فأنا أعرف المسلك المؤدي إلى السطح، سأكون لائقاً لعنكب وأتسلق، هي حكمتي في التمرد على عقل الضمير أو ضمير العقل، سيـّان، سأنطلق، وبعقيدة راسخة أبني شبكتي، مَن سيجرؤ بعد ذلك؟ وابن مَن مِن الناس لا يرى الملتوي مستقيما؟

 

قدمٌ ثانية:

أهكذا يكون النباح؟، للنباح إيقاعات ممتنـّة، له ابتسامته، له طنينه. فعلاً يستحق الاعتناء، رغم أنَّه يُنعش أفكاري حين يتعفن الهواء ويذكرني بهيئتي الكلبية إلا أنَّني أحبه، فمنذ طفولتي وأنا أتقمصه، أهز ذيلي فرحاً بما يقدمه لي سيدي من بقايا عظام وليمته.

لن تخيفني ليال حالكة، والأسياد تخيفهم رؤية الأشباح، لهذا قرَّروا تربية الموبوءة بالنباح.

لستُ قدماً مبتورة، بل أحترم البتر وأحب البرص لكون ذيله ينمو وإن بـُتِر، كما أحبه وهو لا يأبه لاشمئزاز الرائي إليه.

بماذا تطمح هذه القدم؟

أزعجتُها بنباحي وأزعجتني أفكارها.

لا يخجلني ما أخفيه عنكِ كي أنظر إليك إشفاقاً، فأنا في الدرجة الثلاثين وأنت مجرد قدم يراودها حلمها الملتهب لرؤية قمر السطح، ستبقى هذه الرغبة تنهش أحشاءك.

لا، لن أسمح أيتها العفنة أن تعكري صفو بهجتي، إن رغبتِ مرافقتي كوني صامتة، لا تنسي، ها.. كوني صامتة، أقدس ما عندكِ الجري، واللهاث.

تفهـّمي حكمة المرض.

 

 

قدمٌ ثالثة:

ملعون مَن تقوده قدم خنزير. لكن لمَ اللعنة؟ هل أحاول إرضاء من يجيد النوم على قفاه؟ كلٌ حرّ بقفاه، رغم متعة هذه الحرية إلا أنه يتوسل الإنسان بداخله أن يفسر له الأشياء، يدرك حكمة الطبيعة، فالحكمة تقول لكل مرؤوس رئيس ولكل عطر رائحة نتنة، وكما لكل دابة مَن يقتادَها، فإنَّ لكل قدم خنزير طريقتها في اقتياد المتوحشين.

ليس من عادتي صعود السطح، بل أشير بإصبعي ينزل مَنْ فيه، أجعل للحمير أجنحة وأطير عليها حيث أقتادها إلى السطح. إنَّكَ، بجدٍ ثقيل على أكتافي، أنت المستعذب رقدتك، سأتكرم عليك وأجعلك وليمةً لمـَن تـُحزنه سعادتك.

 

قدمٌ رابعة:

أرسل نظراتي إليهم فيجرني إعراضي عن الصعود. قدم، قدم ترقص لنقراتها على الأرض، كم سيرقصون فوق؟ كيف؟ مَن سيطبـّل لمن؟

أسمع ضجيج الأقدام وأتخيل الوضع كله حتى احتباس أنفاسهم بإمكاني معرفة لغته.

تعزية، يستحقون أكبر تعزية، أقدمها وأقول في سري: أنا قدم جسور تبحث عمـّن يُطيل الحياة ويستشف أبديتها وهم يزدادون ارتقاء بقصرها.

يا صديقي السلـّم: لمَ لا تهتدي بحكمة الشجر؟ صدقني، سيتركون طفيلياتهم تزحف عليك، ها أنت أمام أربع حِكـَم، اسحب ذراعك من أوحالهم واختر نفسكَ، كن الرابعة وارجع حيث كنتَ، الشجرة التي أسقيتـُها طفولتي، إنِّي أراني أغنى الناس بك، أغنى الناس بك ضع يدك بيدي، كلانا سيتراشق الماء، لنا جادتنا ولهم السطح.

أذهلني الحلمُ، لعلـّـني هذيتُ بعد وليمة عشاء دسمة، وصحوت ُأهذي بافتراضاتي عن وجود جادة وحيدة للجميع.

كم هي مزعجة، جارتي العجوز لا تكف عن مشاجرة زوجها في منتصف الليل.

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2210   السبت  25/ 08 / 2012) 

في نصوص اليوم