نصوص أدبية

تراب في النّافذة

 منظر الأدوية و الآلات الطبيّة وورقة الكشف المعلقة على سريره الأبيض تحيل على انتشار المرض و تقدّم الدّاء و تغلغل العلّة في الجسد الواهن و لم تعد علامات على طريق العلاج و الشفاء..

رأسه حليق و قد طالت أظافر يديه و رجليه و كذلك شعر حاجبيه، غارت عيناه في محجرهما.. زاغت نظرته.. نما الشعر في أذنيه و فوق أرنبة أنفه..

هجمت عليه وجوه الرّاحلين من أهله: والده، والدته، شقيقه، شقيقته، ولده البكر الذي قضى إثر حادث سير.. كان يحدّث عنهم عوّاده.. تحوّل لونه إلى الصّفرة  وغلب عليه الشحوب و الهزال و زاد اتساع عينيه  وكأنّه يعدّ نفسه لمعاينة عالم لا يراه إلاّ من أدركته السّكتة بأنواعها فألقى السّمع وهو شهيد بعد أن كُشف عنه غطاؤه فبصره اليوم حديد.. سأل عنه صديق قديم فقال لابنه: ليته لا يعودني و ليته يحافظ على صورتي القديمة في ذاكرته!؟..

بعد أن اختلى بابنه الذي يحمل إسم جدّه طلب منه أن يضمّه و يغمره.. غرس رأسه في صدره و مرّغ وجهه  وشمّ شعر رأسه و أطال التقبيل و كأنّه يستعدّ و يتزوّد لسفر طويل.. قائلا له وهو يمسك رأسه بين كفّيه: دعني أتملّى وجهك.. و أملأ صدري من رائحتك يا نور عيني.. يا أغلى الأحباب!؟.. عندما نظر الإبن إلى النّافذة و قد فاضت عيناه رأى من خلال الدّمع فوق العارضة الأفقية لإطارها من الجهة التي تليه مخروطا من التراب كأنّ أحدهم وضعه هناك بعناية.. و كان آخر لقاء هنا..

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1204 الاربعاء 21/10/2009)

 

 

في نصوص اليوم