نصوص أدبية

الة الزمن / مسلم السرداح

المتوسط الحجم، شكلا ، واكبر منه قليلا. وتحتوي على قبضتين دوارتين كما في جهاز الراديو. إلاولى تتحرك بثلاثة مواضع. يمينا وشمالا لتقديم الزمن وتأخيره وموضع ثالث في الوسط هو وضع ايقاف والقبضة الثانية تدور لغاية 270 درجة للتحكم بمقدار السرعة ويحتوي على الة معقدة جدا رصينة في داخل غلافها. يبدو ذلك من خلال وزنها الثقيل الزائد عن الحد. وفيها غطاء لست بطاريات الكتروليتية من الحجم الكبير، قابلة للشحن (ملاحظة: حين تم العثور على الجهاز، لم يكن معه لا الغطاء ولا البطاريات) كان الجهاز ملقى مع مخلفات الأمريكان بمعية الازبال اليومية و الخردة التي تلقيها القواعد العسكرية. وقد عثر عليها صاحبنا المثقف (الذي لم يكن يدرك ان نهايته ستكون على يديه)، في يد شاب امّي كان يفترشها مع اشياء أخرى مختلفة في سوق الجمعة، أو كما يسمونه فيما بعد الغزو الأمريكي " سوق الحرامية "، دون أن يعرف الشاب العاطل عن العمل ماهية الجهاز ولا كيف يعمل ولكنه أثار فضول الرجل الواعي فاشتراه لغرابته وثقل وزنه بثمن بسيط، وكما يقول المثل العراقي البدوي " الما يعرف الصكَر(الصقر)، يشويه ".

هذا فيما يخص المظهر الخارجي للجهاز. أما ما يخص عمل الجهاز فقد وجد صاحبنا بعد طول البحث والتنقيب في المواقع الالكترونية، نبذة مقتضبة عنه في الانترنيت مفادها انه جهاز للتحكم بالزمن أي انه آلة حديثة للزمن يختلف في تركيبه ومبدأ عمله عن الأجهزة السابقة المعقدة نوعيا والتي تشبه المركبات الفضائية التي يربط بها صاروخ ذري يسير بها بسرعة كبيرة تتجاوز سرعة الضوء. أي انها اجهزة ميكانيكية العمل. ولكن هذا الجهاز كهربائي الكتروني، متطور جدا.

ويتم التحكم في هذا الجهاز بالزمن من خلال إشعاعات كهرومغناطيسية. وهو وبمجرد أن يضعه المسافر عبر الزمن، في غرفة منفردة ويقوم بتشغيله وإدارته حتى يبتدئ بالأزيز ويبتدئ الزمن بالتحرك حركة غير اعتيادية نحو الأمام أو نحو الخلف.

وقال الانترنيت انه واحد من ثلاثة أجهزة فقدت في العراق كانت موضوعة في القواعد الأمريكية وبحسب الموقع الجغرافي وكان القصد منها – كما يقول الانترنيت – إحداث قفزات نوعية في الوضع السياسي والاقتصادي والبشري في البلدان التي يتم احتلالها، لكي تتمتع تلك البلاد، في حال خروج الأمريكان منها بوضع سياسي واقتصادي وبشري خاص ، عن طريق التاثير في اذهان من يتعرض لاشعاعات الجهاز الكهرومغناطيسية ذات المدى الذي لايزيد عن دائرة نصف قطرها 20 مترا على اكثر تقدير..

ويضيف الانترنيت: إن هذه الأجهزة من هذا النوع تجريبية، كان يفكر المخترع العظيم، باستقدام أجهزة أخرى معه إلى حيث يمضي جيشهم الأمريكي.

وراح يقرا في الانترنيت كيف ان الأجهزة القديمة كانت تعمل على أساس معادلات ماكسويل التي تفسر التغير في الزمن من خلال التغير في السرع الكبيرة للاجسام وكيف ان الزمن يتوقف في حالة السير بسرعة الضوء ليتم التحكم في المستقبل أو الماضي كلما تغير التحكم في السرعة. اما الجهاز المفقود فهو يعمل على أساس نظرية ميكانيكا الكم عن طريق تحويل الفكر لدى الإنسان إلى كمات موجية يتم التحكم بها عن طريق الجهاز المذكور وهو جهاز ابسط من سابقاته لانه يوفر الطاقة اولا ويعمل استنادا الى النظرية الفلسفية التي تقول " ان التحكم بالفكر هو اساس التحكم بالشعور بحركة الزمن ".

ولذلك فقد راح صاحبنا يتحكم بالزمن الخاص به. فهو مثلا يحاول تأخير اللحظات السعيدة ليتمتع بها لحد الشعور بالملل، أي انه يجعل من اللحظات السعيدة عمرا، ليغادرها بعد ذلك. واذا ما مرت به اللحظات الحزينة والبائسة فانه يستعجلها بالسير الى الامام سريعا ليتخلص منها.ً وهو لا يدري إنما هو يقضي على عمره المحدود لان الحياة كلها حزينة وماساوية وبائسة هنا في العراق مثل موت وانفجارات وضياع فرص وروتين وبيروقراطية وديكتاتورية ودين سياسي يلغي ماسواه، ولا مجال للسعادة فيها.

والمشكلة التي صادفته والتي تم اكتشافها لغاية الان والتي لم تمر بخاطر احد ان هذا الرجل المثقف قد بدا يشيخ قبل الاوان بسبب ذلك. ولاحظ الناس تراكم السنين على جسده ووجهه وفكره وكيف انه اصبح عجوزا قبل اوانه. ليلاحظ القارئ العزيز ان صاحبنا انما يحاول التخلص من لحظاته الحزينة ليراكمها على قلبه وجسده.

ونتيجة لذلك، راح يشعربمرض غريب اشد فتكا من مرض الزهايمر وهو داء الخرف الذي ان اصاب بشرا فانه يجعله يتكلم بغير ترابط ويبدا يعيش في الماضي العتيق في فكره وفي نظرته الى مجريات الامور. وكان قد قرا في الشبكة العنكبوتية ان الشخص الذي يكتسب بدنه شحنة زائدة من الاشعة الكهرومغناطيسية وهذا هو العرض الثانوي من تاثير الاشعة التي تنبعث من الجهاز فانه يفقد صفاته البشرية وفي مقدمتها الاخلاق، ويمارس الكذب مع نفسه ومع الناس وياتي بالموبقات الأخرى كالسرقة والفساد والقتل. حب للحياة بدون ضوابط الذي يدعو الى تجاهل الاخرين وحقوقهم، وكانما هو كائن في غابة.

ولذلك فقد قال وهو يتمتع بلحظات خرفه السعيدة، انه قرا في موقع سري على النت ان الامريكان قد بيتوا امرا للكثير من السياسيين الذين كانوا يزورون سفاراتهم وقنصلياتهم، بصورة متكررة عن طريق وضع السياسي في الغرفة المعدة لاستقبالهم، ومن ثم يشغلون الجهاز باقصى سرعة له للامام ولمدة لاتزيد على الربع ساعة دون ان يدري ليصيبونهم بالمرض، (وهم يشعرون بلحظاتهم السعيدة الزائلة ).

وراح المقربون من صاحبنا المثقف الذين اطلعوا على السر، يحاولون اعطاء تفسير مقنع لرمي الجهاز مع خردة القاعدة العسكرية مفاده: ان الامريكان قد حققوا مايبغونه من الجهاز مع ال...... الاكثر ترددا على السفارة الامريكية. ولما لم يطالوا الشعب الذي هو خارج مدى الجهاز فقد حققوا الهدف عن طريق تركه تحت رحمتهم تحت مبدا " الناس على دين ملوكهم ".

اما الجهاز فتم اهماله ووضعه في احدى الزوايا المهجورة وتم نسيانه. وذكرت الشبكة العنكبوتية ان الجهاز قد بات قديما لما جاء بعده من اجيال احدث فلم يهتم احد لضياعه.

كل ذلك تمت قراءته في كتابات صاحبنا المثقف بعد رحيله الى العالم الاخر حيث وجد مايلي:

ان الولايات المتحدة الامريكية لم يعد يهمها ان ينكشف امر الجهاز، ذلك ان المسائل الراسمالية متشعبة ويضيّع بعضها ببعض.

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2226   الاربعاء  26/ 09 / 2012)

في نصوص اليوم