نصوص أدبية

عيون على الشيخوخة / هشام ناجح

والتي يمكنني أن أقيسها إلا بما تثيره في

من انفعالات، فأعبر عنها بأكثر الطرق لفا ودورانا

في ما أكتبه "

ج. دولوز

 

تطوق الفراغ.. تسير بخطى وئيدة.. تبغي نشوة مبهمة على سواحل منسية أشبه بالخطيئة التي ارتكبها آدم عندما قضم تفاحة الخلاص:

"إني أكره التفاح لدرجة لاتتصور ".

هكذا يردف الجد بيدرو بعدما انكب على وجهه ليتأكد من رأس حيوان ميت صقلته الأمواج والرمال معا.

يجمع العجوز فرغاس رجله اليسرى بصعوبة بالغة من فرط حرارة الرمال.. ينقشع جلده ببقع حمراء وهو يلعن ويسب منسأته التي لم يصل إليها رغم محاولاته العديدة:

ـ ومع ذلك فالتفاح العفن يطلعنا على جاذبية لم تكن في الحسبان.

ـ عن أي جاذبية تتحدث أيها المخرف؟ هناك جاذبية واحدة حقيقية هي التي تجذبك إلى جوف التراب.

ـ بالفعل إن هذه الرمال والحرارة والبهجة تسعف بيوم موت جميل.

مد يده إلى جرابه.. هكذا تستبد به الرغبة إلى معانقة زجاجة "نيجريتا" بدون ملطف.. يصب جام حنقه عليها متجرعا نشوتها وبعدها سيحدث نفسه بصوت هامس مسلوب بالتعتعة:

"المنفى هي الوطن الحقيقي الذي يحتسي آمال العابرين.. المعطف الأسود المتآكل على حافة المحطات.. الحزب الشيوعي الذي خان الأمانة.. الخطب والأنخاب والعاهرات.. هي الصيرورة والمعاشرة الروحية التي أربكت أحراش وغابات فالي غراندي ".

يحرك رأسه يمينا وشمالا.. يطبق على شفته السفلى.. يصله دبيب الصوت الواهن للجد بيدرو وهو يرش الماء على جسده.. ويبعث به إلى السماء كطفل يرى وجهه أول مرة في المرآة.

السروال الفضفاض المشبع بالماء يلتصق على العظام الناتئة.. تورمات ألم النقرس تزداد احمرارا.

يتمرغ العجوز فرغاس منقلبا ليلحق منسأته.. لولا النبيذ لما قدم على هذه الحركة بطواعية متأخرة:

ـ اللعنة عليك أيها الجد.. تثير حقدي وحنيني إلى سواحل جزيرة خوان فرنانديز.

ـ تلك أيام جميلة قضيناها صحبة با تريسيا ومونيكا.

يحاول الجد بيدرو مباغثته بالماء ليستلذ بقشعريرته.. يفر منه لكنه يسقط في بداية الموج.. يسبه سبا فاحشا.. يتمرغ الجد من الضحك محاولا الفرار من ضربات المنسأة التي يهش بها فرغاس في الهواء :

"إنها قوة شريرة ستهلك الشيوخ.. سأخلص الكون منك أيها القذر ".

الحفيدة ليندا تترقب بكاميرتها جدها بيدرو والعجوز فرغاس لتشارك في المسابقة الوطنية بفلمها :"عيون على الشيخوخة ".

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2247   الاربعاء  17/ 10 / 2012)

في نصوص اليوم