نصوص أدبية

ترجمة شعرية لمعزوفة موسيقيّة/ سعود الأسدي

وقد كان معاصراً لبيتهوفن العظيم (1770 - 1827)حتى جاوره في ضريحه،وكان يعيش حياة بوهيميّة قبل شيوع استخدام هذه اللفظة  في الفن الأوربي والفكر والسلوك في المجتمع . لقد عاش من أجل الحافز الإلهي الكامن في أعماقه الذي كان يسوقه للخلق، ويشوقه إلى الإبداع في جميع أشكال الموسيقى الغربية من موسيقى ارتجالية وهليّة بنت لحظتها على آلة البيانو، أو موسيقى وترية ورباعيات وصوناتا وسيمفونية وأوبرائيّة وقداديس، وهو عند الألمان " أبو الليدر"، وهي مجموعة الأغاني والقصائد التي لحّنها لشعراء ألمانيا مثل جوته وشيللر من المشهورين ولكثير من المغمورين، وقد زادت عن ستمائة أغنية تجمع الكلاسيكي إلى الرومانتيكي ومنها قصيدة جوتة "الوردة البرية" وقصيدة موار "عند النافورة أمام الباب" من مجموعة أغانيه "رحلة الشتاء" تمييزا لها عن مجموعته الأولى "الطحّانة الحسناء" . ومن روائعه أغنية " جرتشن أمام المغزل" و "إليّ بالوسادة الناعمة " وأغنية "المساء " و"الراعي على الصخرة " و"ملك الغاب" وهذي ذات شهرة كبيرة تحكي عن موت طفل بأسلوب قصصي وتصعيد درامي، وكذلك "الموت والصبية".

أطلق شوبرت على الرباعية الوترية لآلتي الكمان والفيولا والتشيللو رقم 14  اسم "الموت والصبية" وقد أنشأها من الحركة الثانية من النصف الثاني من أغنية "الموت والصبية" كلمات لشاعر مغمور يُدعى Matthias Claudius  وكلمات الأغنية حوار بين الموت والصبية منها كما أتخيّلها:

الصبية:   

مُرْعِبٌ يا موتُ تأتي مُفْزِعاً        وأنا مازلتُ في فجرِ الشبــابْ

لم أعشْ بعدُ حياتي والمنىَ         قابَ قوسين ولي منها اقترابْ

وجمالي كيفَ تمحوهُ بلا           رحمةٍ حتى يُوارَى بالتـرابْ؟!

الموت: 

لا تخافي يا ابنتي من عابرٍ           فأنا في رحلةٍ أبغي الإيــابْ

فاطمَئِنّي واغرقي في غفوةٍ... فوقَ صدري حيثُ تنسينَ العذابْ

وإذا شئتِ سلامًا دائمًا           فادخُلي ما بين جسمي والثيابْ!!

ثم يمضي بها بعيداً قبل أن تلبس ثوب الزفاف!

أما أنا سعود الأسدي فإنني تحت وطأة  تجربة صعقة الموت لفتاة عرفتها فقد ثارت كوامن أحزاني بعد خمسين عاماً، وحزني لا يفنى على تلك الصبية المفترضة، وأنا أسمع وأعيد سماع أسطوانة "الموت والصبية " وبقطرات من الدموع كتبت:


لموتِكِ في روحي صَدًى  ليس ينتهي

تَجاوبَ في صدري،

وَقَرَّ  بمسمعي

 

فإنْ لم تكوني في الحياةِ فإنّني

أرَى منكِ ذكرَى ما حَييتُ تُرَى معي

 

كتبتُ لكِ الشِّعْرَ المُغَنَّى وعندَما

فقدتُكِ خَطَّ الحزنُ شعري بأدمعي

 

فيا موتُ كم تقسو!

وما بكَ رحمةٌ !!

أما لكَ قلبٌ للأسَى والتَّفَجُّعِ ؟!

 

تجئُ إلى الشيخِ الوقورِ ولم يُسِئْ

وتأخذُ قَسْرا من رضيعٍ ومُرضِعِ

 

أما كان في الإمكانِ حتمٌ مغايرٌ

ولم تكُ بالمرصادِ في كلِّ موقعِ

 

كَسَرْتَ لي الغصنَ الرّهيفَ ألَمْ يكنْ

لديكَ خَيارٌ أنْ تُكَسِّرَ أضْلُعي ؟!

 

فتاةٌ مُحيّاها جمالٌ وروعةٌ

وغمّازةٌ في الخَدِّ تأتي بأرْوَعِ

 

ومبسمُها كالأقحوانِ وإنْ بَدَا

إلى الشمسِ كالدُّرِّ المُنَضَّدِ يلمعِ

 

تُزَغْلِلُ عَيْنَيْ من يراها بِخَطْفَةٍ

كما البَرْقِ إذْ يأتي إليه بمطمعِ

 

وشَعْرٌ كأنّ الليلَ ألقَى وشاحَهُ

عليه،

على جِيْدٍ من النُّورِ أتلَعِ

 

ولستُ بناسٍ يومَ جاءَتْ تزورُني

وخوفَ الغيارَى بادَرَتْ بالتسرُّعِ

 

ومنديلُها يهفو علي رَحْب صدرِها

كخفقِ شراعٍ للنسائم مُشْرَعِ

 

تَضَوَّعَ منها العطرُ،

قلتُ:أيا هَلا !

بها،

بابتسامِ النجمِ،

بالمتضَوِّعِ

 

ولمّا مَضَتْ عنّي بقيتَ مُشيَّعًا

وإنّي لهذا اليومِ كالمتشيِّعِ

 

أتَتْ ثم غابتَ مثلَ نجمٍ قد اختفَى

ونجمُ الدُّجَى يزهو لدى كلِّ مطلعِ

 

فيا ليتني ودّعتُ شمساً ولم تَعُدْ

وليتَ التي وَدَّعْتُها لم تُوَدَّع

 

وشمسُ الضّحَى في كلَّ يومٍ أرّى لها

طلوعاً،

وشمسي ما لها أيُّ مطلعِ

 

وحزني عليها سوفَ يبقَى مُخَلَّداً

ولو حانَ في يومٍ إلى التُّرْبِ مَرْجِعي

 

إذا عَبَرْتْ بي ساعةٌ من تَصَوّري

لصورتِها في العُدْمِ ضيّعتُ موضعي

 

وراجعتُ وَعْيي في ذهولي

وكيفَ لي ؟

أُرَدُّ لوعيي دونَ وَعْيٍ لما أعي !

 

فليتَ أتاني في المنامِ خيالُها

فإنَّ خيالاً غيرَهُ غيرُ مُقْنعِ

 

وفائي لها باقٍ وإنَّ شبابَها

يُشِبُّ بقلبي لوعتي وتفجُّعي

 

فيا ليتني قد مُتُّ من قبلِ موتِها

وكانَ ببطنِ الأرضِ قد حانَ مهجعي

 

فكلُّ نعيمٍ بعدَها مثلُ لعنةٍ

وأهونُ منه لو أواجِهُ مصرعي !

  

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2270 الجمعة 09 / 11 / 2012)


في نصوص اليوم