نصوص أدبية

خبط عشواء / سنية عبد عون رشو

ما حدث لم يكن بالحسبان ....كانت تبتسم للفجر وتشم رائحة ربيع عمرها القادم.... تغازل أحلام صباها .... وبقايا حنين لإشراقة شمس جديدة تحيل صحراء سنينها جنة دافئة ...لعل شمسها تشرق كما كانت تشرق على وديان أوروك ....يباركها عشق عشتار وملائكة, يحملون أقداح الشراب المقدس .... هدية السماء للفرات في عالم عليه ان يبدأ من جديد بقراءة أبجدية معنى الخلق و حب الخالق وحب الانسان لشقيقه الإنسان والإنغمار في وحدة الوجود..والتماهي مع الكون في نسق هارموني فتتحقق سمفونية الوجود..... كانت تلك بنود وصايا الرب للرسل. وللناس كافة ....

تلك الرمانة الملتاعة بوردها الاحمر تخاف عليه من شحة الماء والضوء

واهمال الزارعين..

 تخاف ان ينفد الحب في هذه الأرض ويتوج مسليمة آخر فتسجل خسارات أخرى جديدة .... ويعطل النماء..

.........

........................

....................

يحتلان ركنا هادئا في مطعم توحي أجوائه براحة للنفس يطل على شواطئ الفرات..... يتهامسان في حالة من الاندماج الروحي في أمسية نيسانية عذبة ....تتقاذف نسمات الهواء أطراف شالها البنفسجي المتلائم لونه مع لون قميصها وحقيبتها ....تحمل ريح الشاطئ برودتها المنعشة لروحيهما .... فاللقاء يضفي جماله على المكان والزمان ....

كان الشاب هو من يدير دفة الحديث بينما تخفض الفتاة رأسها وتشعر بخفقان قلبها ......فرحتها تحنّي أنجما تتراقص في رحاب مخيلتها الفتية .... فكل شيء يوحي بالهدوء والجمال.....يتسامى حبهما رغم التيار

يحسدان عصفورين يبنيان عشهما وسط شجرة توت عملاقة تتدلى أغصانها على نوافذ المطعم .....

لكن الشاب وجد نفسه يتطرق لموضوع يدعوهما للقلق والحيرة في مصير علاقتهما وموقف أهلها المتزمت ....أخذت الفتاة تهز قدمها اليمنى بانفعال دون ان تتلفظ بكلمة واحدة... تمسح وجهها بمنديلها الابيض وكأنها تتمنى ان تستدعي زورقا لتبحر فيه مع من تحب بعيدا عن أعين المتسلطين ....كانت تقلب صفحات كتاب التأريخ دون ان تقرأ منه شيئا حتى عن حروبنا الخاسرة ........ حفظته مسبقا عن ظهر قلب ....

الفتاة بنبرة حزن عميق: علينا ان نبذل أقصى جهدنا لنجعلهم يعدلون عن أفكارهم الخاطئة ومحاولتهم لانفصالنا ....ففي كتاب التأريخ هذا لا توجد فترة زمنية تشبه ما نمر به اليوم ..... ولم أقرأ ان الانسان كان يقتل أبناء جلدته ....!!!!!

بلهجة حادة قال الشاب:....أتمنى ان أعرف سببا واحدا مقنعا لرفض أسرتك .... إتمام مراسيم زواجنا .... ومن المدهش حقا انهم أعلنوا موافقتهم على اتمام عقد القران ونحن ما زلنا طلابا في الجامعة .....واليوم أعلنوا قرارهم الجائر بمنع زيارتي لك .....وتأجيل الموضوع لأسباب لا أعرفها

بماذا يفكرون اذن .....؟؟ أشعر بوحشة الدرب ...!!!

 

الفتاة:....تتأوه ثم تأخذ نفسا عميقا بحسرة وألم .....وقد لاحظ الشاب ترقرق دمعها ومحاولتها ان تجعل ملامح وجهها أكثر تفاؤلا ....

أجابت بشيء من الارباك والتردد......

لا أخفيك سرا ....انها الطائفية التي حمى وطيسها في الآونة الاخيرة ..... ونحن أصبحنا قرابينها بلا ثمن...... شئنا أم أبينا لا ذنب لنا سوى وحشية الزمن الذي نعيش ....!!!

 

الشاب:....بصوت خفيض وهو يهز رأسه ....أستغفر الله ....!!!

الفتاة:.....أرى بحرا من الجهل يجرف سنابل القمح ...انها محاولة رخيصة لقتل الجمال والمحبة في قلوب متطلعة لنبذ الخوف والتفرقة....

التأريخ: دعوا اليمامات تبني أعشاشها بأمان ...

الشاب: لا تفقدي الامل ..... علينا ان نتحلى بالصبر ....

الفتاة: لكني لم أفكر يوما ان الأوضاع ستزداد سوء على هذا النحو

التأريخ: ذاكرتي لا تخطيء ....وجوه يومئذ ناضرة ....ووجوه .......

 

في الجهة المقابلة لهما كان يجلس في المطعم فتى نحيف لم يكتمل نمو شاربه بعد ....معتدل القامة تميل بشرته لصفرة باهتة ...تبرز حبيبات على صفحة وجنتيه .... لا تبدو علية الاناقة التي يتصف بها رواد المطعم .... ملامحه تعلن عن اضطرابه وقلقه ....

بعد مغادرته بناية المطعم انتبه النادل ذو البذلة البيضاء الانيقة...... ان الفتي ..... قد ترك كيسا أسود منتفخا بعد تناوله وجبة طعام الغداء ....أحكمت ثنيات فتحته العليا بطريقة فنية متقنة ....تركه تحت طاولته التي غادرها توا مستغلا انشغال عمال المطعم وكثرة زبائنهم ...

لم يخمن النادل ما بداخل الكيس .....فربما الفتى قد تسوق بعضا من الحاجيات المنزلية ....لكن النادل شعر بتوجس وقلق تجاه هذا الكيس المنتفخ ....همّ ان يلحق به لكن الفتى قد اختفى عن الانظار بطريقة غريبة ومريبة أيضا ....وهذا مما زاد في تخوف النادل وإثارة شكوكه .....ولكن عليه عدم افتعال ضجة تزرع ارباكا وهلعا في نفوس الزبائن دون مبرر مقنع .....

قرر الشاب والفتاة انه من الافضل لهما عدم التفكير بأهلها وتزمتهم وان يتركا ذلك للأيام القادمة .....

 الفتاة مصغية باهتمام لحديث فتاها وعن اصراره وتمسكه بها(مهما كان وماسيكون فأنت خطيبتي وزوجتي ولن اتركك ....لكن علي ان اصبر واحترم ما يفكر به أهلك.. فصبرا جميلا) ....

في ذات الوقت كانا لا يعيران اهتماما لمن يدخل ويخرج الى المطعم ....أو حتى لحركة النادل بين الجالسين .....

 

بهدوء تام توجه النادل نحو صاحب المطعم الجالس خلف منضدة غريبة الطراز مصنوعة من خشب الصاج اللامع وربما يعود صنعها لفترة زمنية قديمة...... تقع قرب مدخل الباب الرئيسي.....

انحنى النادل وهمس بإذنه بشان ذلك الكيس الاسود المنتفخ ....

لم يتفوه صاحب المطعم بكلام محدد ....ولكن غبار الخوف أخذ يتسرب الى روحه وبان واضحا على ملامح وجهه ورعشة يديه وهو يمسك بجهاز الهاتف النقال ليتصل بأقرب مركز للشرطة ....ثم أشار للنادل ان ينصرف الى عمله بصمت تام ..... كل عمال المطعم بحركة دؤوب منتظمة داخل المطعم ....

 

بعثت الشرطة أكفأ رجالها في معالجة ابطال المتفجرات ...وانطلق هؤلاء الخبراء بحذر وسرية يفككون تلك العبوة ....اكتشفوا على الفور أمرا في غاية الخطورة اذ تبين ان الكيس الاسود لا يحتوي على متفجرات فقط بل هناك المواد السامة والمسامير الحديدية القابلة للانفجار والانتشار..... ما زال الامر يحمل السرية التامة بالنسبة لرواد المطعم ....وكذلك الشاب والفتاة ....لم ينتبها لهذا الامر أيضا .....

إلا ان أحد الصحفيين قام بتصوير مكان الحادث.... وكانت الطاولة التي تحتها الكيس الاسود تقع على مسافة قريبة من طاولة الشاب والفتاة لذا احتلا نصيبا طيبا خلال اجراء عملية التصوير .....لكنهما لم ينتبها لكل ذلك اللغط ولحادثة التصوير أيضا التي أثارت اهتمام الجميع ....

في المساء عرضتها احدى القنوات الفضائية على شاشة التلفاز ......

لم يعد للفتاة ما تقدمه من عذر لأسرتها ....فهي مخاطرة جريئة من فتاة قد أصدر اهلها قرارا بعدم موافقتهم لإتمام هذا الزواج .....وربما فكروا بتطليق ابنتهم امام القاضي ....

لم يصدق الاب ان ابنته تحتسي شايا بصحبة الرجل الذي رفض دخوله لبيته ورفض اللقاء بينهما ....وأندهش مستغربا عن عدم انصياع ابنته لرأيه ....

وما ان أصبح الاب أمام انتزاع جزءا من كرامته بين أقاربه ومعارفه حين اجتمعت الاسرة من الاعمام والأخوال لمناقشة ما حدث ومما أثار غيظهم ....

أعلن الاب أمام الجميع ان الشاب الذي كان برفقة ابنته هو زوجها الشرعي .....

 إلا انه هاتفه هذه المرة سرا ليحضر بصحبة والديه وليعلن موافقته لإتمام مراسيم عرسهما أمام الجميع .....

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2273   الاثنين   12/ 11 / 2012)

في نصوص اليوم