نصوص أدبية

ماي العروس / حميد الحريزي

تعلو الفراش (كله)"2"[2] ناموسية تقي النائم من لسعات البعوض  المتواجد بكثافة في قرية (العزاميه) المطلة على هور (النبي احمد)[3]:- صاحب القبة الخضراء التي تطاول  ذؤابات القصب والبردي داخل الهور، يقصده  الزوار عن طريق الزوارق من القرى ألمجاوره فهو ملاذ المرضى وانين النساء المضطهدات ومحط أحلام العشاق والعاشقات وحسراتهم ينذرون له النذور ويحضرون الحناء والبخور كل حسب قدرته، لا يرد أ لقيمون عليه (الگَوام)[4] أي شيء :- بيضة،دجاجه،سمكه،كيس تمن،خروف...الخ.

استيقظت كالعادة مستنشقا هواء الصباح الندي قاصدا شرفة النهر لأغسل وجهي نافضا علامات النعاس والكسل مستمتعا   بزرافات (أبو زريده)[5] وهي تشق طريقها عكس مجرى النهر، خلعت (دشداشتي) لأسبح في النهر ملتهما عدد من  (أبو الدبيس)[6] ،لأني وأبناء قريتي نظن إن من يبتلعها سوف  يكون مثلها  ماهرا خفيفا في السباحة مهما كان الموج عاتيا ،خرجت من النهر منتشيا ببرودة  الماء، لأنضم إلى والدتي ووالدي وأشقائي وشقيقاتي وأبناء أشقائي  الصغار جالسين  على شكل دائرة تحيط (قوري)[7] الشاي و(قوري) الحليب المدسوسين في الجمر المتبقي من  (جانون)[8] خبز(الطابق المحرش)[9] اللذيذ ونحن نتناوله مع أقداح الشاي والحليب.

-            يمه سعيّد بوزك ملغم طين،كَوم غسل  وتعال أتريگ.

هذا ما أمرتني به والدتي لان طين الشط (الدهله الحميّره)[10] يترسب حول شفاهنا وعيوننا لتصطبغ باللون البني الكالح حين يجف حول أفواهنا بعد  خروجنا من النهر.

التهمت خبز الطابق (المحرش) والشاي حليب اللذيذ خرجت كعادتي لأطارد أفراخ العصافير والفخاتي وانصب  المصائد  للبلابل  في بساتين النخيل الممتد خلف دارنا، لفت نظري(بلبل) وهو يحوم حول عذق (ألخضراوي)[11]، يغرد  جذلا فرحا وهي إشارة نستلمها من الطيور تدل على بداية نضوج الرطب (نكگد الرطب)[12]  فالبلبل أول من يذوق الرطب  كما يقول أهل القرية(مثل العصفور يضوگك الرطب  گَبل أهله)[13].

قررت إن اعتلي (الخضراويه)[14] التي تظلل طريق ضيق يمتد على كتف نهير صغير تمتد على جانبيه شجيرات من الرمان والصفصاف وأمهات النخيل المتنوعة وهي تباهي الشمس بأقراطها الذهبية المتهدلة على رقابها الفارعة الطول.

 وما إن استقر جسدي  على الجريد ليحملني تحت (العثگ)"[15] فعثرت على  عدة حبات من  الرطب (المنگَد) الحلو المذاق.،وأنا امضغ حبة ألخضراوي سرح نظري ممتدا على طول  النهير اليابس  متتبعا طيران  بلبل جميل  فر من على شجرة التين المجاورة،كدت اسقط من على النخلة لهول ما رأيت!!!!

-مالح ابن  ذاك الصوب يمسك بين يديه رأس(سكنه) (مفرعه)[16] وهم  يذوبان في قبلة لم اشهد مثلها من قبل فيبدوان  كجسد  واحد لولا إن بياض رقبة (سكنه) كأنها حليب  طازج وجديلتها الطويلة  السوداء التي  تشاكس مرتفعات  قباب وركيها البارزين مقابل وجه مالح

الذي بلون الطين،سكنه..التي تقول عنها والدتي بيرغ فرح لطولها الفارع وجمالها الأخاذ الذي سحر كل  شباب وشيب القرية وقصة حبها مع (مالح) ألمعروفه في قريتنا والقرى المجاورة، إصر شقيقها (محمد) عدم تزويجها لمالح على الرغم من تكرار(مشياته)[17] وتوسلاته العديدة فقد كان شرط (محمد) أن  لا يزوجها ألا لمن يزوجه شقيقته (گَصه بگصه)[18] لتكون زوجته الثالثة وهذا شرط عجز عن تنفيذه (مالح) لأنه الابن الوحيد لعائلته وليس له شقيقات.

رميتهما  من على  النخلة  بعدة حبات من ألخضراوي الأصفر مشاكسا فجفلا  مذعورين وانفض اشتباكهما  ليتكأ كل منهما  على  الجهة المقابلة لجهة مشبوكه من (الطبر) بعد إن تفاجأ بمشاهدتي ارقبهما ضاحكا  وأنا معلق  في أعلى النخلة.

لفت سكنه فوطتها حول رأسها ورقبتها بارتباك ظاهر وشدت خصرها بعباءتها وأسرعت الخطى متعثرة وهي تحمل  حزمة (الحشيش) متوارية بين ضفتي (الطبر)[19] صوب دار أخيها كعادتها فجر كل يوم لجلب الحشيش إلى الأبقار.

بعد إن شيعها مالح بنظراته متألما توجه نحوي بعد إن نزلت من النخلة تملقني ضاحكا ومتوددا وهو يحمل (هندالة)[20] صيده من السمك قائلا:-

انه كان يخرج (گشايه)[21] من عين (سكنه) المسكينة حيث استعانت به لأنها ما عادت ترى طريقها من شدة الم هذه (الگشايه) اللعينة التي دخلت عينها وهي تقطف الحشيش ثم مسح على راسي وقبلني  وأعطاني (سمكه بنيه  تلبط من هندالته قائلا إن والدي يحب السمك البني طالبا مني أن لا اذكر له  ولغيره مشهد إخراجه للقشة من عين سكنه لأنه لا يريد أن تعرف الناس بقدرته على إخراج القش وخصوصا من عيون الفتيات فيشغلونه عن عمله  لكثرة حدوث مثل هذا الأمر في القرية .

 إن سماحته ولطفه وتودده لي سمح لي أن أساله السؤال التالي:-

(مالح) هل لك أن تعلمني كيف يستطيع أحدنا إخراج القش من العيون؟؟؟.

- (سعّيد) وان كنت لم تزل صغيرا ولكني سوف أفشي لك بسرٍ هذه المهنة نظرا لمعزتك عندي، يمكنك أن تتعلم هذا العمل عندما تشرب من (ماي العروس)[22] وهذا سر يجب أن لا تعلمه  ولا تفشيه لأقرب الناس إليك لأنه سر المهنة يا (سعيّد) ولا يعرفه غير أنا وأنت في القرية ثم قبلني مؤكدا علي وصيته بكتمان السر العظيم!!! حاملا هندالته على ظهره قاصدا داره في الجانب الآخر من النهر. بعد إن حل رباط زورقه  من جرف النهر  ليسرح مع مجرى النهر مطلقا صوتا   شجيا متهدجا كموج النهر يتكسر بعبراته وحنينه منشدا (آنه أرد ألوگ  لحمد ما لوَن لغيره جفلني برد الصبح وتلجلج الليره) ملوحا لي بيده السمراء.

وعملا  بنصيحة (مالح) انصرفت عن شرب الماء كعادة أهلي من الحب بل كنت أقصد ماء  بركة كبيرة متصلة بالنهر داخل البستان  تظللها شجرة تين كبيره في ظهاري تموز الساخنة لأغوص في عمق البركة تحت ظلال شجرة التين حتى ابلغ القاع لأرتوي من (ماي العروس) البارد المنعش في برودته ولذلك سمي بماء العروس، وعندها أخذت أشعر كأني اكبر من عمري  عشرات السنين واني أتحفظ على كنز ثمين لا يستطيع أن يراه غيري على الرغم من انه أمام عينيه، أخذت أعيد الغوص والشراب عدة مرات في اليوم بحيث زهدت الأكل  وانتفخ بطني ظنا مني، إني كلما شربت  من ماء العروس  أكثر كلما  برعت في  إخراج القشة أكثر كما فعلت في ابتلاع  أعداد كبيرة من (أبو الدبيس)[23] لأكون ماهرا في السباحة.

أخذت أفتش وأترصد أخبار سكان القرية  باحثا عمن أصابت عينه (گَشايه)[24] وخصوصا  من الفتيات لاستخرجها بقوة  ما امتلكت من سر  لا يعرفه غيري  ولكثرة ما شربت من ماي العروس.

-عمه سكينه ..إلا صارت بعينچ َشايه مره ثانيه آني أطلعه ألچ ، لأني اشرب كل يوم من ماي العروس كان هذا عندما استقبلتها  أمام باب دارنا لأهش عنها كلابنا خشية إن تعضها.

مسكتني وقبلتني ضاحكة وهي تقول:-

-  أي  يبعد عيون عمتك عفي ابن خوي،بس يعمه لا تسولف لحد غيري  لا تحسدك النسوان يبعد روحي...وتمتمت _عفيه  (امويلح) هاي شلون دبرته

- ها عمه اشو تسولفين ويه روحج.

- لا(يأمامي.أغرالك يعمّه صورة ياسين تحفظك من العين، دتعال يعمه عّدني[25]"18"من چلابكم آني چايه أشوف أمك  كَالولي(ماهيطويبه)[26] مالهه خلگ.

 

 

(ماي العروس) -  قصة قصيرة



[1] دكة تعمل من الطين على شكل سرير تقي النائم من  الزواحف الضارة.

[2] ناموسية تقي النائم  من البعوض والحشرات الطائرة.

[3] - بناية لاحد السادة او الاولياء   يسمى بالنبي احمد.

[4] القائمين على أمر الضريح وتلقي النذور وغالبا مايكونون من سلالة الإمام علي (ع) من السادة

[5] احد أنواع الأسماك في العراق،يتميز بصغر حجمه الذي لا يزيد أكبره على الكف ويذكر الفلاحون إن هناك زرده في رقبته تخنقه فيموت إذا أراد تجاوز حجمه المحدد.

[6] حشره صغيرة سوداء اللون ولها لوامس تطفو على الماء وتسبح بخفة ومهارة  وبراعة الحركة

6- ابريق الشاي.

[8] - كوم من (المطال) وهي اقراص معمولة من غائط البقر تجفف لتستعمل كوقود.

[9] نوع من الخبز السياح ألتمن بأنواعه (العنبر،ألنعيمه الحويزاوي) المطعم بصغار السمك المقطع والمخلوط مع البصل والبهارات) والذي  يجري شواءه  على  قرص من الطين بواسطة  إشعال  أقراص  صغيره (مطال)معمولة من  براز الأبقار والجاموس والمواشي وهو مصدر هام من مصادر الطاقة والوقود في الريف العراقي يعمل ويخزن بشكل قباب صغيرة بجوار الدار.بعد إن يكون الطابق محمولا على ثلاثة أثافي طينية صغيره تدعى(منصبه).

[10] الماء الجاري المشبع بالغرين وخصوصا أيام الفيضان في الربيع وهو مفضلا ومطلوبا خصوصا لدى  زراع الشلب  لأنه يزيد الأرض خصوبة.

[11] نوع من أنواع التمور العراقيه الذي يتميز  بالنضوج المبكر قياسا بباقي الأنواع الأخرى.

[12] بمعنى حبة التمربمن يتصرفنضوجه ليتحول إلى رطب حيث تبدو مؤخرة الحبة رخوة  وبلون رمادي في أواسط  حزيران وبداية تموز وحسب المنطقة الو سط أو الجنوب حيث لا يثمر النخيل في المنطقة الشمالية الباردة.

[13] وهو مثل يضرب بمن  يتصرف أو يأكل أو يستعمل الشيء  قبل مالكيه الحقيقيين

[14] - نوع من انواع التمور العراقية تتميز بنضج تمورها  قبل بقية الانواع الاخرى.

[15] عنقود أو حامل شرائط حبات التمر.

[16] - بدون غطاء  حيث تكون  القرويات يسترن رؤؤسهن بما يسمى –الشيله والعصابه- وهي قطع من القماش الاسود

 القرية تذهب لولي امر الفتاة المراد خطبتها لاخذ موافقته.

[18] احد طرق الزواج في الريف العراقي حيث يتبادل العريسان أخواتهم أو بناتهم ليتزوج كل منهما بأخت أو بنت الآخر هذه الطريقة  التي لم تزل قائمة لحد الآن وان بدت تنحسر وفيها ظلم  كبير للمرأة.

[19] النهير الصغير الذي يوصل الماء للأرض ن النهر الرئيسي ويتحكم في جريانه من عدمه صاحب الأرض وحسب الحاجة.

[20] حاويه مصنوعة من  سعف النخيل وتكون لها سفيفه تعلق برأس الصياد لحمل   صيده من الأسماك.

[21] ماء بارد يلامس قعر البركة أو النهر والمظللة  بالأشجار ، يغطس ابن الريف ليرتوي منها في أيام الصيف اللاهبه ليروي ضماه ويطفأ  لهيب حرارته لذلك سمي بماء العروس نظرا لعذوبته وبرودته.

[22] من شعر  الشاعر العراقي المعروف –مظفر النواب-.

[23] حشرة صغيرة تطفو على سطح مياه الانهار وتسبح بخفة ورشاقة.

[24] القشة.

[25]ابعد عني الكلاب أو احرسني منها لحين تجاوزها.

[26] - بمعنى مريضه او متوعكه.

 

تابعنا على الفيس بوك  وفي   تويتر

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2284 السبت 24 / 11 / 2012)


في نصوص اليوم