نصوص أدبية

احتضار الصبيّة العاشقة / سعود الأسدي

فهي تعيش في غرفتها لوحدها ولذا نرى صديقتها موزيتّا تسعى بها لتكون نهايتها عند حبيبها الشاعر رودولفو ورفقاء غرفته مارتشيلْلو الرسّام، وكولين الفيلسوف، وشونار الموسيقي وهكذا كان:


ميمي (على سرير الموت): أراهُمْ مضَوْا عَنّا بعيداً وإنّني

تناوَمْتُ يا حُبّي الكبيرَ لكي يَمْضُوا

ونبقَى معاً في ذا اللقاءِ وكيفَ لي

وأنتَ بِقُربي أنْ يُراودَني الغَمْضُ؟!

رودلفو: لديَّ كلامٌ كنتُ أرجو أقولُهُ

فإنْ لم أقلْ كُلَّ الكلامِ كَفَى البَعْضُ

أُحِبُّكِ حبّاً قد مَحَا البُغْضَ كلَّهُ

من القلبِ حتى صارَ يُبغِضُني البُغْضُ

وحبّي كبيرٌ والبحارُ كبيرةٌ

وحبّي كحقلِ العشقِ زَيَّنَهُ الرّوْضُ

وأنتِ حياتي والحياةُ عزيزةٌ

وإنْ مُتُّ حُبّاً عَنِّيَ الموتُ يَرْفَضُّ

وإنّي إذا قلبي تَوَقّفَ نَبْضُهُ

ولامَسْتِني لَمْساً يُعاودُهُ النّبْضُ

وأشعرُ أني قد مَلَكْتُ عوالماً

كِباراً وأدناها السّماواتُ والأرضُ

ولكنَّني من بعدِ لُقياكِ لم أعُدْ

أبالي بموتي حينَ مَوْتِيَ يَنْقَضُّ

رودولفو (يصمت قليلاً أمام الموت ثمّ يشطح به مسترسلاً ):

هو الموتُ يُنْهي كلَّ شئٍ وليتَهُ

إذا رَفَضَتْهُ الرُّوْحُ ينفعُها الرَّفْضُ

وما الرّوحُ إلاّ كالبِسَاط بحاجةٍ

لِنَفْضٍ، وإنَّ الرّوحَ يَلْزَمُها نَفْضُ

إذا كُتَّ عنها الجِسْمُ آضَتْ نَقِيّةً

كما وُلِدَتْ والرّوحَ يَصْقلُها الأيْضُ

وتليَسُ ثوباً من دِمَقْسٍ بياضُهُ

كثلجٍ، وإنَّ السيفَ بالصَّقْلٍ يَبْيَضُّ

فلا تجزَعوا فالموتَ صِنْوُ وِلادةٌ

وما العيشُ إلا النّوْمُ يتبعُهُ النَّهْضُ

وإنْ فاضَتِ الرّوحُ استراحتْ لفترةٍ

ولا بُدَّ من فَيْضٍ ويَتْبَعُهُ الغَيْضُ

وإنْ هي غاضَتِ كالسّجينةُ أمْرَعَتْ

كحقلٍ فسيحٍ حينَ يُدْرَكَهُ الفَيْضُ

وإنْ قُبِضَتْ فالبَسْطُ يَتْبَعُ قَبْضَها

وإنْ بُسِطتْ فالبَسْطُ يتبَعُهُ القَبْضُ

وإمّا خَبَتْ فالوَمْضُ لا بدَّ حادِتٌ

إليها كبَرْقِ الليلِ يُحْدِثُهُ الوَمْضُ

فيلمعُ في طولِ السّماء وعَرْضِها

وما صَدَّهُ طُوْلٌ وما رَدَّهُ عَرْضً

أرى الرُّوْحَ تمضي كالشعاعِ ومَحْضُهُ

جديدٌ به تزهو ويزهو بها المَحْضُ

ونحنُ نباتٌ ثمَّ نَذْوي ومثلُُنا

نباتُ البراري المُرُّ والحُلْوُ والحَمْضُ

أرَى الموتَ فَظّاً والفظاظةُ طَبْعُهُ

فيا ليتَهُ مُهْراً يُذَلِّلُهُ الرّوْضُ

فلا تجزَعوا إنْ حَلَّ فهو مَسِيرةٌ

بِحُكْمٍ من المولى وليس له نَقْضُ

ولا بدَّ نمضي في السِّراطِ وكُلُّنا

عِطاشٌ من الأهوالِ مَوْرِدُنا الحَوْضُ

ونُعْرَضُ كالأنعامِ سَوْقاً تَسُوقنُا

زبانيةٌ والكلُّ يَفْضَحُهُ العَرْضُ

يُزاحِمُ بعضٌ بعضَنا بشراسةٍ

وترتفعُ الأصواتُ ليس لها خَفْضُ

نخوضُ كم كُنّا فيهتفُ زاجرٌ

ألا فاخْرَسوا كُلاًّ فينقطِعُ الخَوْضُ

وسِيروا بخفضٍ للرؤوسِ أذِلَّةً

فليسَ تَرَى مَنْ لا يُذلّلُهُ الخَفْضُ

ومن هَوْلِ ما يَلْقَى النُّحَاةُ تراهُمُ

لديهمْ يضيعُ الرّفْعُ والنَّصْبُ والخَفْضُ

ومن هَوْلِ ما يلقى القُضاةُ تراهمُ

بعَظْمٍ هشيشٍ عنه يُنْتَزَعُ النَّحْضُ

ومن هَوْلِ ما يلقَى الزُّناةُ تراهُمُ

وقد أجْرَضوا حتى أناخَهُمُ الجَرْضُ

ومن هَوْل ما يلقى التِّجارُ تراهمُ

لديهم يضيعُ الكنز والجيبُ والحَفْضُ

ومن هول ما يلقَى الرُّواةُ تراهمُ

بكُتْبٍ من التزييفِ يأرَضُها الأرْضُ

ومن قَرضُوا الأشعارَ قَرْضاً وقَرْزَمُوا

تراهُمْ قِماءً ليس يُسعِفُهُمْ قَرْضُ

ومن أقرَضُوا الأموال للكسبِ بالرِّبا

إليهمْ أتى المِقْراضُ يتبعُهُ القَرْضُ

وأمّا ذواتُ البَيْضِ والحَيْضِ خِشْيَةً

فلا بَيْضَ من خوفِ السّراطِ ولا حَيْضُ

ومن سَلِموا من أيِّ مَرْضٍ وعاهةٍ

تجدْهُمْ بعاهاتٍ وحَلَّ بهمْ مَرْضُ

منْ هاضَ عَظْماً فهو لا بدّ آيِلٌ

مَهيضاً وإنّ الهَيْضَ يتبعُهُ الهَيْضُ

ومن سَلَّ سيفاً ثُمّ جَضَّ بسيفِهِ

على أمّةٍ فالجَضُّ يدفعُهُ الجَضُّ

ومن فضَّ أُنثى باعتداءٍ فإنّهُ

يكونُ جزاءَ الفِّ من أهلِه الفَضُّ

ومن هولِ ما يلقى الجميعُ تراهُمُ

لكلٍّ له شُغلٌ عن الكلِّ يَنْفَضُّ

تَمَلَّكَهُمْ نيْضُ العروقِ وأُرْهِقُوا

ولم يُرْهَقِ الإرهاقُ فيهم ولا النَّيْضُ

قد ارْتَحَضُوا بالمُوبقاتِ وأَرْحَضُوا

فما انتفعوا بالرَّحْضِ بل نُجِّسَ الرَّحْضُ

وكَمْ أوْفَضْوا وَفْضاً فصارَ وفاضُهُم

خَلِيّاً فلا الإيفاضُ أغني ولا الوَفْضُ

وكمْ أحْفَظْوا حِفْظاً فكانَ حِفاظُهُمْ

ضَياعاً وكم حِفْظٍ نهايتُه الحَفْضُ

وقد أفرَطُوا في المالِ حُبّاً وَفَرَّطُوا

وما أطعموا المسكين يوماً ولا حَضُّوا

فلا سُنَةٌ أغنَتْ وكانتْ فروضُكمْ

رياءً فويلٌ حينَ لم يُخْلَصُ الفَرْضُ

وعاثُوا فساداً في البلادِ وأوغَلُوا

ولم يحفظوا فَرْجاً ولم يَسْلَمِ العِرْضُ

وعاشوا بخَفْضٍ وأرْتَقَوا بِمساكنٍ

وكلّ عُلُوّ في نهايتِهُ خَفْضُ

يُقالُ لهمُ: عُضُّوا الأياديَ عَضّة

تُدَمِّيكُمُ، بِئْس النَّدامةُ والعَضُّ

وإنْ تكسِرُوا سيقانَكُمْ لندامةٍ

فما شافعٌ كَسْرُ ولا نافعٌ رَّضُّ

نَقَضْتُم نواميسَ الحياةِ بِنَقْصِكُمْ

وإلاّ لماذا قد تَوَلاّكمُ النَّقْضُ؟!

وأفْضَى إليكم ناهِبو الرّزْقِ جُمْلةً

ولولا شياطينُ الضلالةِ لم يُفْضُوا

ولولا ائتمار الأقربين لما مَضَتْ

سيوفٌ لحربٍ لا ولم تُلْبَسِ البَيْضُ

وقد خُنْنتُمُ كُلَّ الأماناتِ فاقبِضُوا

جزاءً وَفاقاً والعذابُ هو القَبْضُ

سوى من قَضَى منكم شهيداً فإنّه

سَيَلْبَسُ ثوبَ الخُلْدِ، والثوبَ لا ينضو رودولفو ( يعود إلى حالته الأولى مع ميمي):

حبيبةَ قلبي كمْ أراكِ جميلةً

أغارُ وأخشَي أنْ يُنافسَني البَعْضُ

إذا نافَسُوني فيكِ أدعو لشَقوتي

لتنشقَّ بي شَقّاً وتبلعَني الأرضُ

ميمي: بربِّكَ هل ما زلتُ حقّاً جميلةً

رودولفو: إذا العينُ تقفو الشمسَ أدركَها الغَمْضُ

وإنّي لأرْضَى أنْ أجيئَكِ راكضاً

إليكِ إلى أنْ فيكِ يَحْرِقُني الرّكْضُ

ميمي: أراكَ استعرتَ الشمسَ قد كنتَ مخطئاَ

فليتكَ قلتَ: الشمسُ عندَ غروبِها

عُرِفْتُ بميمي هل أنا بعدُ ذاتُها

وأنَّ الهوى ما زال بعضَ نصيبِها

رودولفو: أجلْ أنتِ شمسي والسُّنونو لقد أَتَتْ

لتُوقفَ شمسي عن جنوحِ مغيبِها

أرَى الشمسَ لا زالتْ ولا زِلْتِ زهرةً

إلى الشمسِ ترنو أغرقَتْني بطيبِها

خطيبة ُروحي أنتِ والأفقُ مُزْهِرٌ

وها هي ميمي تلتقي بخطيبِها

(يُري ميمي القبعة التي اشتراها لها ليلة عيد الميلاد

من الحي اللاتيني وكانت قد أبقتها لديه كي يتذكّرها.)

ميمي: ولا أنا أنسى يومَ جئتُكَ ليلةً

ولا شمعتي عندَ انطفاءِ لهيبِها

ولا قصّةَ المفتاحِ إذْ ضاعَ في الدُّجَى

ولا حُزْنَ ذاتي عند فيضِ شحوبِها

رودولفو: لقد كنتِ في موج اضطراب ونَوْبَةٍ

رَمَتْ نفسَكِ الحَرَّى ببئرِ لُغوبِها

وضِعْتُ أنا فيكِ امتثالاً وغرفتيَ

رماني شماليْها بحِضْنِ جنوبِها

ميمي: تلمَّسْتُ كي ألقاكِ حينَ وَجَدْتِني

وخبّأتُ عن روحي عناءَ لهيبِها

وراحت يداكَ تُمسكانِ بمعصمي

وإنَّ يدي ارتاحت لِلَمْسِ طبيبِها

وَدِدْتُ لو المفتاحَ لم نَلْقَهْ ولمْ

تُطِلَّ علينا الشمسُ بعدَ غروبِها

وأجملُ ما تلقاهُ نفسٌ بعيشِها

إذا هي راحتْ تلتقي بحبيبها

وأروعُ حُبٍّ ما يكونُ بنظرةٍ

يشبُّ كنارِ الغابِ عند شُبوبِها

رودولفو: وفتّشتُ عنكِ في يديك بعتمةٍ

وجاءَكِ قلبي طائراً بوُثوبِ

وثُبْتُ إلى زَهْرٍ يفوحُ بطِيبِهِ

وما كلُّ زَهْرٍ قد يفوحُ بطيبِ

إلى اليومِ لم ألقَ النصيبَ ولم أكُنْ

لأُشْرِبَ نفسي منك يأسَ نصيبي

ميمي: تورّدَ خَدّي يومَها وسْطَ ظُلْمةٍ

وأشعلتَ قلبي فى لظىً ووجيبِ

وصارَ ظلامُ الليلِ ناراً وبَهْجَةً

ولمسُكَ لي قد كان لَمْسَ حَبيبِ

ولكنَّ بَرْدَ الليل قد كان قارسًا

وتلدَغُني أفعى الأسَى بنيوبِ

( السعال يُلقي بثقله على صدر ميمي الهزيل،

وتكاد تلفظ أنفاسها فترتجف وتعرق،

وتغرق في شبه غيبوبة.)

رودولفو: ميمي! ميمي!

يا إلهي رحمةً!

شونار ( من بعيد): ماذا جرى؟

( ميمي تفتح عينيها وتحرّك رأسها يمينا وشمالاً

بوهن شديد، وكأنها تريد أن تطمئنهما.)

ميمي: أتعبتكمْ سامحوني!

أنا من ربّي بخير

( تعود موزيتّا ومعها لعبة الفرو،

ومارتشيلْلُو بقارورة دواء منعش)

موزيتّا ( إلى رودولفو): أتراها نائمة؟

رودولفو: بينَ نومٍ وانتباهْ

مارتشيلْلُو: لقد دعوتُ الطبيبْ!

وسيأتي بعدَ ساعة.

وهذه قارورةٌ من دواءٍ مُنعشِ!

ربّما إنْ شَرِبَتْ منه شيئاً تَنْتَشِ

موزيتّا:( تتقدم وتعطي الفروة لميمي.) تفضّلي!

ميمي: ( تفتّح عينيها وتلمس الفروة:

آه ما أجْمَلَها! وهي حقّاً ناعمة

وأنا من بعد دِفْئي سوف أبقَى نائمة

موزيتّا: كلُّ ما تبغينَهُ حالاً به نأتي إليكِ

نحنُ في خِدْمَتِكِ فاطمَئِنِّي لا عليكِ!

ميمي: إنَّ حالي قد تَحَسَّنْ فلماذا تَجْهَشُون؟!

بينَكُمْ موتي تَأَمَّنْ ما الذي تنتظرون؟!

هنا الحبُّ لا أحلى! وإنّيَ بينَكم

يدايَ بدِفءٍ والمنامُ لذيذُ

كأنَّ نبيذاً قد شربتُ أَعادني

لحالي وقد قيلَ: الشرابُ نبيذُ

وشِعْرٌ وغُصْنٌ بالمحبةِ زاهرٌ

وكوزٌ وخبزٌ قد نَمَاهُ سميذُ

رودولفو( إلى مارتشيللو): يا ترى أين الطبيب؟

مارتشيلْلُو: قال لي لن يتأخّرْ.

رودولفو: ويحَهُ ماذا دهاهُ

مارتشيلْلُو: أغلبُ الظَّن تَبَخّرْ

موزيتّا ( تسخّن الدواء على قنديل السبيرتو،

وتتمتم بصلوات باستمرار ):

يا مريمُ العذراءُ يا ظِئْرَ الحَنانْ

يا أمَّ يسوع!

أسعفي برحمتِكْ واغمري بنعمتِكْ

هذي الفتاةَ الراجيةْ منكِ الهناءْ!

وامنحيها العافيةْ بلمسة من الشِّفاءْ

مارتشيلْلُو (يضع على زجاج الشباك المكسور

كتابًا ليصدّ موجة الريح الباردة.)

موزيتّا (تستأنف الصلاة):

يا مريمُ العَذْرا يا رَبَّةَ القُدْرَة!

إمسحي بيديكِ الكريمتين

جبينَها الزاهرْ

وسامحينا إن أسأنا

لملاكِ قلبِها الطاهرْ!

(موزيتّا تستمرّ في الصلوات والأدعية،

بينما يقترب رودولفو من ميمي):

أنا لديّ أملُ وللشِّفا تَمْتَثِلُ

موزيتّا (بهمس):وأنا أستبعدُ وهي ذي ترتعدُ

شونار (وقد اقترب من سريرها ورجع خلسةً إلى مارتشيلْلُو

وقال له همساً: )

أظنُّها قد سَلَّمَتْ! روحَها واستسلمتْ

( بينما رودولفو كان كان ينظر إلى أشعة الشمس المتسللة إلى وجه ميمي من الشباك، فيحاول أن يضع حاجزًا يحمي عيني ميمي من الأشعة. موزيتّا تلفت انتباهه، بالإشارة إلى عباءتها فيغطّي الشبّاك.

رودولفو يشكرها بنظراته، ويقف على كرسي ليتمّ وضع الحاجز، ومارتشيللو يقترب من السرير، ويتراجع مذعوراً، يدخل كولين ويضع بعض النقود على الطاولة.)

كولين: موزيتا خذي النقودْ!

موزيتا: ألفَ شكرٍ.. لا أريد.

وإذا احتجتمْ نقودًا

فإنا عندي المزيد

كولين (يذهب لمساعدة رودولفو وهو يعالج

إغلاق منافذ الأشعة والريح من الشباك).

رودولفو: كيف هي الآن؟

كولين: يا رودولفو انظر إليها!

رقدت كطفلة في هدوء وسلامْ.

رودولفو ( يلتفت إلى ميمي بينما موزيتّا تشير إلى أنّ الدواء جاهز.

رودولفو يتقدّم من موزيتا فينتبه إلى النظرات الغريبة في وجهي مارتتشيلْلُو وشونار.):

ما لكم تتدافعونْ؟ وأراكم تهمسونْ؟

ما الذي عنّي أراكمْ تُخْبِئونْ؟

بربّكم قولوا فقد أصبحتُ منكم في جنونْ!!

مارتشيلْلُو ( لم يستطع ضبط نفسه، فركض إلى رودولفو باكياً،

وضمّه إلى صدره وقال بصوت متهدّج: )

تشجّع أخي! فالموتُ للناس رائحٌ!

عليهم كما تبغي الحياةُ وغادِ

أقولُ لقد ماتَتْ فصبراً وحزنُنا

عليها لنا يبقَى بغيرِ نَفادِ

رودولفو( يندفع إلى سريرها صارخاً):

ميمي!.. ميمي!

وبين البكاء والصراخ ينفجر نائحاً:

سلامٌ على ميمي وطوبَى لروحِها

مَضَتْ في الشبابِ الغَضَّ مكبوتةَ الضَّحْكِ

فتاةٌ مُحَيّاها جميلٌ وصوتُها

هديلٌ كما صوتِ اليمامةِ في الأيكِ

تَمَنّتَْ بأنْ تَحْيا ولكنْ لِتَعْسِها

لقد كانَ سَهْمُ الموتِ أسرعَ في الفتكِ

وأينَ هَواها غابَ عنّي وقد مَضَى

نَقِيّاً وفوقَ الظَّنِّ والرَّيبِ والشّكِّ

وَدَاعَتُها كانتْ حكايةَ حُسْنِها

ومن بَعْدِها يا قلبُ عنها لمنْ أَحْكي؟

ويا طالَما عانَتْ وعانيتُ مثلَها

عناءَ الضِّنَى والفقرِ والعِيْشةِ الضّنْكِ

شَكَتْ في الليالي من سُعالٍ يُمِضُّها

ولم تكنِ الشكوى لتقوَى على تَرْكي

لَقد سَفَكَتْ سُوْدُ الليالي دموعَها

وإنّ دموعي سوف تألو إلى السَّفْكِ

وقد أفِكَتْ تلكَ الليالي بقولِها

وإنَّ أحاديثَ الليالي من الإفكِ

وإنّي كملاّحٍ تَجَشّمَ ظُلْمَةً

ولا نجمةٌ في الأفقِ أَهْدِي بها فُلْكي

وإنّي كفلاّحٍ بَذَرْتُ مُؤَمِّلاً

حَصَاداَ ولكنْ ما حَصَدْتُ سوى الشّوكِ

كأنَّ الليالي بينَنا عِطْرَ مَنْشَمٍ

تَدُقُّ وما دَقّتْ لنا حَبَّتَيْ مِسْكِ

لي اللهُ فيما انتابَني غيرَ أَنّني

سأهجرُ ذي الدنيا وآوي إلى النُّسْكِ

وأبكي عليها ما حَيِيْتُ وليتَ لي

من الناسِ من يبكي عليها كما أبكي!

فإنْ أنا لم أهْلِكْ تِباعاً فإنّني

ولو بعدَ حينٍ سوف يُدْرِكُني هُلْكي

ستار

 

تابعنا على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2296   الخميس    06/ 12 / 2012)

في نصوص اليوم