نصوص أدبية

لابوهيم لجاكو مو بوتشيني / سعود الأسدي

من تلحين الموسيقار الإيطالي:

جاكومو بوتشيني  1858 ـ 1924 

 

تمهيد:

ألبوهيميّ أساساً هو أحد مواطني منطقة بوهيميا التشيكيّة، ولكنّ البوهيميّة  بدأت في الظهور لوصف حياة أولئك المهاجرين الغجر الذين جاءوا من رومانيا ماريّن بمنطقة بوهيميا،  ثم ما لبث أن بلغ ذروته كمصطلح أدبي في منتصف القرن التاسع عشر، ويدلّ على أيّ كاتب أو فنان يميل إلى اتخاذ أسلوب من التصرّفات أو العيش الحرّ بنمط حياتي  مغاير غير مألوف غايته التحرر من سطوة التقاليد الأسرية، وهيمنة المؤسسات الرسمية، وغير الرسمية، وهي حرّية اشتقّها الفرد ليتنفّس ما يريد مختارًا من فلسفة وأفكار ورؤى حياتية وقناعات شخصية، وهذا السلوك كان مقدّمة للمطالبة بحرية أدّت بالأخير إلى الديمقراطية والمساواة بين الرجل والمرأة في المجتمعات المدنية التي آلت إلى البرجوازية ثم العمالية بعد انهيار نظام الإقطاع. وهكذا كان نمو الحرية والسير الحثيث إلى الديمقراطية والمساواة بمواكبة التغيّرات الاجتماعية والعلاقات الاقتصادية والتأثيرات الفكرية  في أوروبا وليس بمرسوم من سلطة عليا، وإنّما بعبقرية فرديّة جماعية اختمر بها الوجدان الشعبي وتجاوب معها.

ومن الكتاب المرموقين الذين نفخوا في بوق البوهيمية لإيقاظ روح الشبيبة الفرنسية الكاتبان: هنري موجر في مجموعته القصصية (مشاهد من حياة البوهيمية) وفيكتور هوجو في روايته (البؤساء).

هذا الاتجاه في الأدب والفن ارتبط بباريس، منبثقاً من مقاهي (الحي اللاتيني) ونواديه على الضفة اليسرى من نهر السين، ولكن سرعان ما وصل تأثيره إلى لندن وميونخ وفينا وسائر حواضر أوروبا وأمريكا في نيويورك وسواها، كما وصل بعض رذاذه إلى شرقنا العربيّ في رواية (الخبز الحافي) لمحمد شكري.

وأمّا في إيطاليا أمّ  فنّ الأوبرا فقد رسم لها الموسيقار بوتشيني (1858 – 1924)  صورة فنيّة رائعة تحت عنوان لابوهيم Laboheme عام 1896 وهي أوبرا عالمية شهيرة، صاغ نصّها الشعري جوسبي جياكوزا  Giuscppe Giacosa ولويجي إيليكا  Luigi Illica، ومنذ ذلك الوقت وإلى يومنا هذا وهي تُعرض على أشهر مسارح العالم في الغرب والشرق، وقد ارتأيت لجمالها وجاذبيّتها أن أدخلها إلى حمى اللغة العربية ـ ما أمكنني ـ  شعراً، وقد توسّعت في نصوصها بحريّة كم أريد وبمحافظة دقيقة على رسم الشخصيات كما هي في الأصل، وتكفيني متعة هذه التجربة ليس غير.

 

الشخصيات:

مارتشيلُّو: رسّام.

رودولفو: شاعر.

كولين: فيلسوف.

شونار: موسيقي.

ميمي: فتاة تشتغل بتطريز الزهور.

موزيتّا: سيّدة لعوب خلوب.

بينْوَا: مالك صاحب عمارة.

التِشندورو: أحد المعجبين بموزيتّا.

بِربِنيول: بائع لعب للأطفال ومُضحك.

ضابط جمرك.

مجموعات من سكان الحي اللاتيني:

طلاب وطالبات، وفتيات عاملات، وأولاد وبنات،

وأصحاب حوانيت وبسطات، وباعة متجوّلون،

وجنود، وخدم مطاعم. 

 

الفصل الأول    

في غرفة "عِليّة " تحت السقف العلوي من عمارة في الحي اللاتيني بباريس يسكن بالإيجار أربعة شبّان هم: رودولفو وهو شاعر، ومارتشيلْلو وهو رسّام، وشونار وهو موسيقي،  وكولين وهو فيلسوف.

وتسكن في إحدى الغرف من نفس العمارة في طابق سفليَ  فتاة تدعي لوسيا (ميمي). شباك العليّة من الجهة اليمنى يطلّ على قسم كبير من أحياء المدينة الساحرة، والطقس في ليلة عيد الميلاد بارد جدًا، ومصحوب بتساقط ثلوج تغطّي السطوح، وسقوف القرميد، وغصون الأشجار، ومنحنيات الكثبان والوديان، وسحب الدخان هنا وهناك تتعالى من مداخن المدافئ الباريسية وتنشر أثواباً شهباء اللون.

في داخل العليّة مقعدان ملزوزان إلى الحائط، وكرسي مهترئ بلا ظهر أمام مدفأة باردة تشكو من جوعها إلى الحطب.

الرسّام مارتشيللو يرسم لوحة  تحكي عن غرق فرعون وجنوده في البحر الأحمر، يضرب بالفرشاة ويتراجع قليلاً لينظر لوحته ويتأمّلها مليّاً.

مارتشيللو:   ها بحرُ القُلْزُمِ أعياني   وعنائي قَطّعَ أنفاسي

               والبردُ القارسُ أوهاني   ويكادُ يُخَدِّرُ إحساسي

 (وهو يميل يمينا وشمالاً وينظر لوحته)

               يا رودولفو ماذا تعملْ ؟    أتُرَى في عَدَمٍ تتأمّلْ !

              ولماذا تصفِنُ يا هذا ؟!    وهلِ الصَّفنةُ شيءٌ يُعقلْ؟

رودولفو:     أتأمّلُ في حالِ الطقسِ      وحالِ المِدْفَأةِ النّحْسِ

              والطقسُ الباردُ يُحْبِطُنا     وأرَى ذا اليومَ كما أمسِ

مارتشللو:    يا رودلفو ! ماذا قلتْ ؟  وعن الطقسِ ألا أخبَرْتْ !

رودلفو (يُطِلُ من الشباك ليتأكّد من حالة الطقس):

               آخِرُ أخباري عنه:    ألجوّ عبوسٌ ورمادي

               والثلج يَكُتُّ على الدُّنيا  نَدْفاً في كلّ الأبعادِ

               ومداخنُ باريسَ أراها  قد لبستْ أثوابَ حِدادِ

            والريحُ الصَّرْصَرُ لا تألو تصفعُ صفعاً كالجلاّدِ      

مارتشيللو:   ولدينا مدفأةُ ثكلى   جائعةٌ  مثلي للزادِ              

               وأراهُمْ لم يُلقَوا فيها حَطَباً من عهد الأجداد

               ويدايَ  صقيعٌ  وبقلبي  حُبٌّ كالجمر الوقّادِ

               وأرى "موزيتّا" سيّدتي  بهواها تحتلُّ فؤادي

               في عينيها غَزَلٌ يحكي وفؤادي كالطيرِ الشادي

              قد صادتني أمسِ الأولْ إذ كنّا نرقصُ في النادي

               قلبي نارٌ ولها قلبٌ    ثلجٌ قد ضَنَّ بإسعادي

 رودولفو:   والحُبُّ كحَطَبٍ مُشتَعِلٍ  ويَؤولُ أخيراً لرمادِ

              والمرأةُ جمرٌ في مِنْقلْ   من نارٍ للأُخرَى يُنْقَلْ

               والبردُ القارسُ يَلْحَسُنا   يا مارتشيلْلو ماذا نفعلْ؟

مارتشيللو:   لا تنسَ ! الجوعُ يُهاجمُنا  يا ليتَ لنا شيئاً يُؤْكَلْ!

           لو أنّ الفأرَ يُساكِنُنا  والجوعُ يُهاجِمُهُ يَرْحَلْ            

رودولفو:     النارُ لها حَلٌّ عندي      في أمرٍ طال له سُهْدي

               وأنا لا أبغي من عمري   شيئاً أبداً يبقَى بعدي

مارتشيللو (حاملاً الكرسي): 

               أترَى أنْ تحرقَ ذا الكرسي؟!

رودولفو(ينتزع منه الكرسي):

               بلْ شئٌ آخرُ في نفسي

مارتشيللو:   تعني حَرْقَ " البحرِ الأحمرْ "؟

رودولفو:     كلاّ مارتشيللو! لا تسخَرْ ! 

               فقماشُ اللوحةِ إنْ يُحْرَقْ    ينفُثْ رائحةً تُغثيني

               وأرى أنْ نَحْرِقَ كي نَدْفا   شيئاً آخرَ لا يَعنيني

مارتشيللو:   ماذا تعني يا رودولفو  شيئاَ آخرَ لا يَعنيني"؟ !

رودولفو:   أعني حَرْقَ فُصولِ كتابي   لإزالتِها من آثاري             

              وأنا إذْ أحرِقُ أشعاري    تعلو مثلَ الغيمِ الساري

               وَتَصُبُّ على " روما " ناري

مارتشيللو:   يا لَلرَّوعةِ ! يا رودولفو !  تفكيركَ داعٍ لفَخَاري

               والناسُ إذا سمعوا هذا         تحظَى منهم بالإكبارِ

               كمْ من أسفارٍ تافهةِ            قيمتُها دونَ الأصْفارِ

               لا شئَ يُجازيها عنّي        إلاّ أنْ تُلقَى في النارِ !!

رودولفو (ينزع الفصل الأول من روايته ويدفع به إلى مارتشيللو):

              مَزِّقْ حَرِّقْ ! يا مارتيشللو   فالعارُ ببعضِ الأشعار

               وثلاثةُ أرباعِ الكُتُبِ          شعرٌ لا يقرأهُ القاري

               أشعِلْ ! هذا الفصلُ الأوّلْ  إشعالُ النارِ به أفْضَلْ

               أحْرِقْ ! لا أجملَ من لهبٍ  يأتي من كُتُبٍ إذْ تُشعلْ

               والأحْرُفُ إذْ تُقتَلُ عَمْداً     أحرَى من قَمْلٍ إذْ يُقْتَلْ

يدخل كولين ويلقي بكمية من الكتب على الطاولة:

               سيماءُ الرّؤيا ظاهرةٌ      في ليلةِ عيدِ الميلادِ

               لا شيءَ لذُخْرٍ نُبقيهِ       إلاّ في النار سنُلقيهِ

               يا ربّي ! نارٌ فاكهةٌ !   لا أفضلَ من دفءِ النارِ

               إلاّ دِفءٌ من غانيةٍ   تغفو في الصّقعةِ بجواري

               من تحتِ لحافي تُدفئني  والحبُّ يُعَشِّشُ في داري

               وتنفّسُها يملأُ صدري     عطرًا من نَفْحِ الأزهارِ

رودولفو:     أُسكتْ كولينُ ألأ تدري؟    أنِّي أحرقْتُ كتاباتي

               فروايةُ عمري أحرَقُها   كي أُخفيَ عن غيري ذاتي

كولين:       حَسَنٌ جدّاً ما تفعلُهُ      ما أحسنَ حَرْقَ الأسرارِ

رودولفو:    وأنا أسراري لا تَعْني   بلدي أو أهلي أو جاري

كولين (واللهب يخبو يتناول كرسي رودولفو):

               أللهبُ الخابي يُحزنُني    رمزٌ لفناءِ الأعمارِ

               والمقعدُ يُغري بالحَرْقِ    في غيبةِ خشبِ الأشجارِ

رودولفو (يمنع كولين من حرق الكرسي وينزع فصلاً آخر من روايته):

              إحْرِقْ ! هذا الفصلُ الثاني   لا حاجةَ فيه لإنسانِ

كولين (وهو يضحك):

               إنّي أرجو ألاّ تغلطْ !     بل حاجتُهُ للفئرانِ

               إن جاءَ الفأرُ لغرفتِنا    هَرَبًا من قطّ الجيرانِ

               فسيلقَى ما سَيُقَرْقِطُهُ     قَرْطاً عَذْباً بالأسنانِ

 مارتشيللو:  أللهبُ الضاحِكُ يُدهِشُني     كالموسيقى بالألوانِ

               واللهبُ الراقصُ لا أحلى   يُشبهُهُ رَقْصُ النِّسْوانِ

              وهو المطلوبُ ولا أكثرْ   يُغني عن بعضِ الألحان

كولين (وهو الموسيقي يفهم التلميح فيقول مفاخراً):   

              وأنا لا يُستغنَى عنِّي    أوعنْ ألحاني في الحانِ؟!

            وأنا ألحاني رِقّتُها     تحنو مثل القلب الحاني        

              وأنا إذ أبني الحاني     تستهوي أغصانَ البانِ

           وعليها إنْ مَرَّتْ كَفّي  فاحَتْ بأريجِ الرّيْحانِ           

رودولفو:   واللهبُ الأزرقُ أعشقُه عشقاً يَخْفُقُ في شرياني

              والصفحةُ هذي ضِحْكَتُها   كانتْ قُبَلاً من سكرانِ

كولين:       إقذفْ في النارِ فلن تبقَى!  قُبَلٌ تنبعُ من حرمانِ

رودولفو:     ألقبلُ المأخوّذة غَصْباً     شَرٌّ من سُمِّ الثعبانِ

               والغَصْبُ كفعلٍ يتأتّى    من وحشٍ لا من إنسانِ

كولين (يلقي في الموقدة بقية فصول روايته):

             إني أقولُ الآنَ يا صَحابي   ليلتُنا من أجملِ الليالي

               أمامَنا محرقةُ الكتابِ          دليلُ إبداعٍ بلا مثالِ

مارتشيللو: وصاحبُ الإبداع ذا جَرِئٌ  طوبى إلى خيالِهُ الوَثّابِ

            وهو إذْ يُعفي الناسَ من هُرائِهِ من حقّه جائزةُ الآدابِ

رودولفو ومارتشيلْلو وكولين (يصفّقون بحماسة..

              ثمّ يعتريهم الوجوم لخفوت اللهب):

              ها كلُّ كتابٍ لا يَسْوَى      لا بأس إذا لاقى الحَرْقا

              وروايةُ رودولفو سِفْر       تَفِهٌ نبغي منه الأرْقَى

مارتشيللو وكولين:

               فليسقطْ من قد ألّفهُ         إنْ يأتِ بأفكارٍ حَمْقَى

               والفكرُ الباردُ مكتبةٌ         تُودي بالعقلِ فلا يبقَى

               ولربّ كتابٍ مُنفردٍ         يُعْتُقُنا من خَبَلٍ عَِتقا

(يدخل غلامان يحمل أحدهما بعض أطعمة وزجاجة نبيذ وسيجار،والثاني حزمة من حطب فينطلق الثلاثة في صيحات فرح، ويندفعون إلى الغلامين فينتزعون منهما الطعام والشراب والسيجار والحطب ويضعونها على الطاولة).

رودولفو:     في موقد النار لا أحلى من الحَطَبِ    

               يجلوهُ أكثرَ توشيحٌ من اللهَبِ

مارتشيللو:   ألنارُ والدفءُ والسيجارُ يطربنُي      

               في حينَ أجْرَعُهُ من مَبْسَمِ الذّهَبِ

كولين:       و"خمرُ بوردو" لذيذٌ حينَ أكرَعُهُ     

               فهل تكافئُ روحي كرمةَ العنبِ ؟!

رودولفو (بينما مارتشيللو وكولين يلتهمان الطعام بشراهة):

               هذي الوليمةُ قد جاءَتْ لنا قَدَراً       

               كالغيثِ يأتي إلى صحراءَ للعربِ

               شكراً جزيلاً وما مِنّا فِداؤُكما

               فَحَسْبُ بلْ جاءَ من أمٍّ لنا وأبِ

(ينصرف الغلامان، ويدخل شونار مبتهجاً وينثر

قبضة من قطع نقدية معدنية على أرض الغرفة):

               بنكُ فرنسا قد فَتَحْ    إلى الأهالي بابَهُ

               وأنْ قَرَعْتُمْ بابَهُ      يُسْمِعْكُمُ جوابَهُ

كولين (يسارع إلى التقاط قطع النقود،

فيسبقه إلى ذلك مارتشيللو ورودولفو):

               رُدُّوا الأموالَ لصاحبِها    فبِها أنتمْ لستمْ أولَى

               من يأخذْ مالَكَ خُذْ  روحَهْ  فالروحُ إذنْ ليستْ أغلى

مارتشيللو:   خذْ هذي القطعةُ من تَنَكٍ !   

               لكنْ قد رُشَّتْ بالذّهبِ !

شونار (يُري مارتشيللو قطعة مثلها):

               يا أعمى يا أحمق من ذا ؟    يبدو في شكلٍ مكتئبِ

               تزييفُ العملةِ يقتُلني      إذْ يُشْعِلُ بي نارَ الغضبِ

رودولفو(ينحني لصاحب الصورة على القطعة النقدية):

               لويسُ فيليبُ وذا مَلِكٌ      يملكُ قلبي يملكٌ رُوحي

               صورتُهُ ذَهَبٌ لا تَنَكٌ    يا رُوْحي لمليكي رُوْحي!

 كولين:      ما زال الفقر يلاحقني     ويَجِدُّ ورائي في طلبي

       وأنا إذْ أفقرُ في وطني  فشعوري غُرْبةُ مغترِبِ                      

 مارتشيللو وشونارد وكولين يلقون بالنقود ويدوسونها:

               لويسُ  من تحتِ القَدَمْ    وُجُودُه مثلُ العَدَمْ

               لا من مليكٍ يُرتجَى      تبجيلُهُ  منذُ القِدَمْ

               أفٍّ له من يَرَهُ      لا يخلُ من وَخْزِ النّدمْ

               وهو مليكٌ فارغٌ     كقولِنا: شُرَمْ بُرَمْ !!

شونار (يعرض قطعة عملة):

هذه من فضّةٍ أمْ من ذَهَبْ ؟  قِصّةُ العُملة من ماضي الحِقَبْ!

كولين: 

كدتُ من شدّة بَرْدي انتحِب ودموعي فوق خدي تنسكِبْ

مارتشيللو:  هذه القطعة من عشَرة !  أهيَ النقشةْ أمِ الطرّة ؟

(يقذف قطعة نقد في الهواء ويتلقفها بيده ويسترها بكفّه على الطاولة): 

شونار:       ماذا قلتم ؟ منْ ذا يحزِرْ    أهيَ الطرّةْ أمِ النقشَةْ

كولين:       يا مارتشيللوأعدِ الكرّةَ       فالحَظُّ تُغَطّيه قشَّة

شونار:       والآن سأخبرُكُمْ خبري       ما بين الفضةِ والذهب

               عن لوردٍ أو ما يشْبِهُهُ        مشغوفٍ جدّاً بالطَرَبِ

      ويريدُ دروساً يأخذُها   في الموسيقى حَسْبَ الطّلَبِ                        

مارتشيللو:(يلقي بالكتب التي كدّسها كولين على الطاولة أرضاً ومقاطعًا شونار)

          هيّا بنا نُوَضِّب الطعاما   نأكلُ شيئا نكسِرُ "الصياما"

شونار:      هيّا بنا يا صُحبتي هيّا !   فالزادُ تا الليلةَ قد تهيّا

رودولفو:     هيّا بنا يا صحبتي هيّا إن لم نجدْ طَبْخاً أكَلْنا نَيّا

 كولين:      ذي لحمةُ بَقَرٍ مشوية      لكنْ باردةٌ كالثلجِ

مارتشيللو:   وفطائرُ حلوَى مقلِيَّة   في حَلقي تُسرعُ في الكَرْجِ

شونار: (يمضغ كسرة خبز ويتابع عن اللورد عاشق الموسيقى..)

              وأنا قد جئتُ إلى اللوردِ   وعَرَضْتُ له ما في نفسي

               ماذا عندي من موسيقي      تتركُ أفراحاً كاُلعُرْسِ

               وسألت بلطفٍ يا لوردي!    أيّانَ سنبدأُ بالدرْس ؟

               فأجابَ الآنَ وقد أوْما    لببّغاءَ  تُقلّدُنا

              في طابق ذا البيت السُّفلي  وقال: ستعزفُ لي حتى

 (مشيراً إلى الببغاء ومقلّدا اللورد)

            هذا الثرثارُ يموتُ أسىً!  ويدفَنُ في أعمقِ رَمْسِ     

رودولفو:     يا عيني !  ما هذا الإشراقْ       

               كالبدرِ الساري في الآفاقْ !!

شونار:       وعزفتُ روائعَ أنغامي  في بَحْرِ ثلاثةِ أيامِ

               وقبضْتُ المالَ بإكرامِ  ذَهَباً كعيونِ الأبوامِ

مارتشيللو:(يُشعل شمعتين ويضعهما على الطاولة) 

               الشمعتان ها هنا !   ونحنُ قد نلنا المنى

                         هيّا ونأكلْ بالهنا

كوليين:      أنا أكونُ الخادمةْ       أوزّعُ الفطائرَا

               والخبزَ والشطائرا      وقد أكونُ الشاطرَا

               هاتوا أريدُ شرشفا      لكي يكونَ أنظفا

رودولفو: (وهو يحضر صحيفة  ويفردها على الطاولة)

               هاتِ افردِ الجريدةْ !    لصيدِ عصفورينْ

                 بحجرٍ لا اثنينِ         فنأكلُ القصيدة

                         ونقرأ العصيدةْ !

كولين (أبدعتَ والله):

               بلْ نقرأُ العصيدَة   ونأكلُ القصيدَة !

               ونحن بعدَ هذا     نبقَى على الحديدَة*!

.........

*على الحديدة: كناية عن الفقر والحاجة.

(الجميع يضجّون بالضحك والتصفيق ويلتهمون الطعام كأنّهم في سباق).

شونار: (يمسح الطاولة بالجريدة ويلقيها في المدفأة بعد أن تناولوا الطعام، ويتمايل راقصًا بسخرية)

               طاولةٌ بطُولِها        من الطعامِ خاوية

               وكلّ ما أكلتُهُ         ما سَدَّ عندي زاوية

               يا ليتَ لي كِماجةً    ممّاَ حَوَتْه الحاوية !!

كولين(يستلقي على ظهره من شدّة الضحك):       

             ما المعنى في أنْ "نتعشّى"  في البيت بليلِ الميلادِ؟!

              والحيُّ اللاتيني يزهو      بالناس الرائحِ والغادي!

               يفوحُ بالنقانقِ        والغيد والشقائقِ

               والعطرِ والنساءْ        ونكهةِالشّواءْ

               وسائرِ الحلواءْ          تُعَطِّرُ الأجواءْ

               والصبايا الغيدْ ؟        رؤيتُهنّ  عيدْ

               طوبى لمن يشاءْ        هيّا بلا إبطاءْ !

رودولفو مارتشيللو شونار:

               حقّا ما قلت أيا كولين    ليلُ الميلادِ يُخلّصُنا

               وسؤالي ماذا ينقصُنا ؟  إلاّ غيدٌ  فتُرااقصُنا !

               وكلُّ فتاةٍ عشّاقةْ     كحمامةِ بيتٍ في الطاقة

               ونحن هوانا قد يُرْثى    ما دامت أفئدةٌ غَرْثى

               ونجومُ الليلِ تقول لنا:   ألليلُ جميلٌ كالأنثى

               فلنسرعْ  ! هيا فلنسرعْ ! ولنبحثْ عن أنثى بحثا

رودولفو (يسكر الباب بالمفتاح ويجلس الجميع الى الطاولة لاحتساء كأس من النبيذ يشيع في صدورهم الدفءَ والفرح.. تُسمع نقرة على الباب فلا يُجيبون).

 

 

تابعنا على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2300   الاثنين   10/ 12 / 2012)

في نصوص اليوم