نصوص أدبية

من حكايات صاحب الجلالة (3) / رياض خليل

وتتضامن معه بالضحك، وكان رئيس حرسه الشخصي " طرخون " يحدثه ويخبره عما يقوله الناس عنه، ولاسيما النساء:

-  مولاي.. لاحديث بين نساء المملكة إلى عنك

-  عني؟

-  يتحدثون عن شبوبيتك، ووسامتك، وفحولتك، ويحلمون بلمسك، أو حتى لمس ثيابك، أو حتى لمس من يلمسك، أو يشممن رائحتك، أو يسمعن صوتك، أو...

- حسبك.. وماذا يقول العلماء والشعراء عني؟

-  العلماء يعترفون أنك أستاذهم، والشعراء يقولون: إنك أشعرهم

-  " الشعراء يتبعهم الغاوون "

-  لذلك نحن بحاجة لهم، إنهم أبواقنا يامولاي،

-  قل إنهم شياطيننا الموسوسون الخناسون المغوون للجهلاء من الرعية. ومع هذا لاأثق بهم، ولايؤمن جانبهم، إنهم خونة.. بل أغلبهم خونة ومرتزقة.. بل وبعضهم أكثر حماقة من الدهماء والسوقة والغوغاء..

-  يقولون: إنك تنطق الشعر في كل كلمة تخرج من.. من....

-  من أين؟ من فمي؟ أم من مكان آخر؟

-  مولاي..

-  لايهم من أين؟ أكمل

-  مولاي.. يشبهون جلالتكم ب" دون جوان " العصر

-  لم أفهم؟ " دونجوان "؟

-  ياصاحب الجلالة، إنه.. إنه..

-  لاأسمح أن أشبه بأحد، هذه جريمة

-  إنه ميت..

-  ولكن حدثني عن المملكة، هل لازالت بخير؟ هل من مشاكل؟ وهل هي كبيرة؟ وقوية؟

-  مولاي مملكتك أكبر من كل الممالك؟

-  ممالك؟ هل من خطر على مملكتي؟

-  بعضها يتآمر علينا، يطمعون بنا، يستهدفوننا، يدعمون أعداءنا يامولاي

-  أعداؤنا؟

-  أقصد الصعاليك يامولاي.. إنهم عملاء وخونة، ولهم جواسيس داخل المملكة

-  ألم تقل إنهم قلة من الطامعين والمندسين والمهلوسين والمجرمين؟ ألم تقل إنكم ستقضون عليهم؟

-  مولاي أغلبهم غرباء عن المملكة

-  وكيف دخلوا المملكة؟

-  مولاي.. بصراحة نحن...

-  نعم.. من تقصد ب" نحن "؟

-  أقصد جلالتكم.. مملكتكم تتعرض لمؤامرة كونية مجهولة، لها أجندات وخطط وأهداف مجهولة، هي مؤامرة خارجية مجهولة المصادر، تعتمد المؤامرة على مسلحين قتلة مأجورين ومجهولي الهوية، تسللوا إلى داخل المملكة من أماكن وجهات مجهولة، وعبروا الحدود، ودخلو ا المملكة، وأخذوا يعيثون فتكا وقتلا وتدميرا برعيتك المسكينة من المدنيين الأبرياء من أطفال ونساء وشيوخ وشباب. إنهم يفرخون ويتكاثرون كالجراد، ويعشعشون خلف الإسمنت المسلح والشوارع والأزقة والعشوائيات والبساتين والبراري، إنهم يستهدفون المملكة و.... و......

-  أكمل.. وإلا سجنتك واستبدلتك

-  و.. والملك يامولاي

-  يستهدفونني؟... أنا؟ ولماذا؟ ماذا يريدون مني؟

-  يريدون استبدالك أنت ووزرائك وحاشيتك، يريدون يامولاي اغتصاب عرشك والتهام مملكتك

-  ألايمكن التفاهم معهم؟ ألا يمكن شراءهم؟

-  حاورناهم، وأكثرهم رفض الحوار، ورفض الهبات والمكافآت والهدايا،

-  أي نوع من الهبات عرضتم عليهم؟

-  الرصاص والقنابل والصواريخ، والاعتقال على أبو موزة، والفلقة، وفنون التعذيب والإهانات، واغتصاب نسوتهم واغتصابهم هم أيضا،وحتى موتاهم نقتلهم بعد الموت، والجرحى نجهز عليهم لكي لايفرخوا، ويعودوا إلى ساحة المعركة يامولاي

-  إنها الحرب إذن

-  تقريبا، هم أرادوها حربا، وكنت جلالتكم قد أنذرتموهم حين قلتم: أما إذا أرادوها حربا فنحن جاهزون

-  يتحدونني إذن

-  خسؤوا يامولاي

-  لماذا تحاورونهم بالقتل والرصاص، ألا يمكن محاورتهم بغير هذا الأسلوب الراقي

-  أغريناهم ببعض المناصب التافهة، لكنهم طامعون جشعون، لايرضون بأقل من الاستيلاء على العرش والكرسي العظيم، يريدون رأسك ورأس عائلتك يامولاي

-  رأسي؟ وماذا يفعلون برأسي؟ ماذا يفيدهم رأسي؟ لماذا لايأخذون أعضاء أخرى من جسدي؟ لماذا يختارون رأسي بالذات؟ ليتهم فكروا بعضو أفضل وأهم، رأسي أقل عضو شأنا في جسمي، ليكن أعطهم رأسي بشرط أن يكفوا عن الشغب والزعرنة والزعبرة

-  مولاي

-  حسنا.. هل يرضون بمؤخرتي؟

-  مولاي...

-  حسنا.. اقضوا عليهم بأسرع وقت. كم تحتاجون من الوقت للقضاء عليهم؟

-  مولاي.. أخبرتك أن الممالك المجاورة من الأشقاء والأصدقاء قد خانوا العهد والرحم والقرابة والنسب والحسب والعصب والدم، واختاروا الانحياز والتحالف مع الغرباء القريبين والبعيدين في الممالك الأجنبية الاستعمارية الطامعة

-  طامعة؟ بماذا؟

-  جلالتكم.. هم طامعون بعرضنا وشرفنا ونسائنا وصبياننا وأرزاقنا و...

-  أليس لديهم مايكفيهم؟

-  طماعون، حسودون، إنهم يكرهوننا يامولاي، يشتموننا ليل نهار في إذاعاتهم وتلفزيوناتهم وصحفهم.. تصور يامولاي يتجنون عليك، يقولون: إنك ديكتاتور فظ، وأن شعبك.. أعني قطيعك يكرهونك ويريدون التخلص منك يامولاي

-  ألم تقل إن رعيتي.. شعبي.. يحبونني.. يعبدونني؟

-  نعم، أكيد، إنهم يكذبون، لاأحد يكرهك، ومن يكرهك هم عصابات مسلحة مأجورة من الخارج، معظمهم أجانب أو من الممالك المجاورة التي تناصبنا العداء وتكيد لنا في الخفاء وتتآمر علينا، وتتحالف مع الغرباء من الممالك الأخرى حول العالم. تخيل يامولاي هذه النكتة الطريفة: إنهم يطالبون بالحرية والديمقراطية، يعني يطالبون بالانحلال الأخلاقي والفوضى، وبالتالي بالتحرر من ولايتك ووصايتك وسلطانك عليهم. يريدون أن يتمردوا عليك، ويعصون أوامرك، ويشاركونك الرأي والقرار والتصرف

-  لا.. هكذا زوّدوها كثيرا

-  لاتهتم يامولاي، نحن تصرفنا، ولازلنا نتصرف لنوقفهم عند حدهم، الأوباش، الزعران

-  والممالك التي تدعمهم؟ ماذا سنفعل بهم؟

-  الرأي رأيك يامولاي

-  حسنا أخبر العالم كله أننا قررنا أن نمحو الممالك المعادية لنا والداعمة للعصابات من الغرباء والخونة من رعيتنا، أخبرهم أننا قررنا أن نمحو تلك الممالك عن الخريطة

-  أمرك مولاي، ولكن ذلك يحتاج إلى محايات من قياس كبير جدا

-  ماذا تقصد؟

-  أقصد أننا سنضطر إلى استيراد تلك المحايات من إحدى تلك الممالك المتخصصة والمشهورة بصناعة المحايات العملاقة القادرة على محو الممالك الأخرى عن الخرائط، وإذا لم نتمكن من استيرادها، فلا بد من تغيير الخرائط، ورسم خرائط جديدة للمملكة

-  أحسنت.. فكرة صائبة، ولاتنس أن تضم الممالك الأ خرى إلى مملكتي؟

-  مولاي.. أقترح عدم ضمها، ستسبب لنا المشاكل، إنها ممالك متآمرة، يجب أن تبقى خارج المملكة، فهذا أضمن وأكثر حماية لنا..

-  ومن هي الممالك المعادية

-  كلها يامولاي.. كلها.. معادية

-  غريب ! لما ذا يعادوننا؟ لماذا يكرهوننا إلى هذه الدرجة؟

-  إنها الغيرة والحسد والطمع يامولاي، نحن مستهدفون

-  نحن؟ ماذا تقصد بنحن؟

-  عفوا جلالتكم.. أقصد جلالتكم ومملكتكم ورعيتكم و.. و..... جواريكم.. و... و...

-  و... و... المهم ألا تحصل مؤامرة داخلية

-  أقصد جلالتكم يامولاي، تتعرضون لمؤامرة عالمية خطيرة، تهدد المملكة، ولكن حيوانات المملكة لن تسكت وتستسلم، بل ستقاوم، لأن الشعراء أقنعوهم بأنهم مستهدفون هم ونساؤهم وأرزاقهم وأصنامهم. ومؤخراتهم

-  يعني وزير الأبواق يعمل بشكل جيد حتى الآن؟

-  وزير الأبواق خبير، إنه إكبر دجال في المملكة، ينتقي الأوهام والخرافات بعناية فائقة ويقول: إن نشر الإشاعات من اختصاص الخبراء، والخرافة بلسم، الكل يحب الخرافة، ويستمتع باجترارها، ويتحمسون لها، ومستعدون للموت في سبيلها، يقول الوزير: إننا مملكة مصدرة للأكاذيب والكراهية وسوء النية والفساد في الأرض، ومصدرة للإرهاب، ومشهورة بإشعال الحرائق في كل مكان من حولنا،

-  أحقا؟

-  نعم، معنوياتهم عالية، كلامك يامولاي وخطبك الطنانة الرنانة ترفع معنوياتهم، وترفع أشياء أخرى في.. أقصد تجعل أعضاء أخرى ترتفع، وتهيج غرائزهم، إنهم واثقون من قدراتك الخارقة على اجتراح المعجزات وهزيمة العدو الخارجي بنفخة من فمك الكريه

وغضب الملك من لفظة الكريه، وأحس رئيس الحرس طرخون أن لسانه قد زل، وحاول أن يصلح ماأفسدته زلة لسانه، وقال:

-  عفوا مولاي، أقصد الكريم، لا أعرف كيف سقط حرف الميم.. المهم، غدا سأعقد مؤتمرا صحفيا، أعلن فيه: صدرت إرادة ملكية بمحو الممالك المعادية عن الخريطة، وسنعمل على رسم خرائط جديدة، تتناسب مع قناعاتنا ورؤيتنا وأوهامنا

-  ماذا؟

-  أقصد أحلامنا وطموحاتنا في ابتلاع الممالك المجاورة، والمجاورة للمجاورة

-  أحسنت يا طرخون.. وما أخبار عسكور وزير الهجوم؟

-  مولاي.. عسكور بات كثير الأعطال، وإصلاحه يكلف المملكة الكثير، وأقترح عليكم التخلص منه واستبداله بعسكور قوي ومقدام وطائش ومهرج وسفاح

-  لقد أنسيتني.. كنت أريد أن أسألك عن رئيس الأطباء، ألم أطلب منك مثوله بين يدينا وساقينا؟

-  لقد جئتك به يامولاي، ولكنك رفضت مقابلته، وأجلتها حتى إشعار آخر يامولاي...

-  لقد مللت منك، لينصرف الجميع، اتركوني وحدي

وانفض الجميع من حوله، ودخل الملك القصر، ثم الجناح الخاص، الذي كان يفضله كلما رغب بالانعزال. وهناك عادت ذكرى المنام الذي رآه، وأرعبه المنام، وأثار هواجسه وخوفه وارتيابه من كل من حوله، ولو كانوا من أقرب المقربين. وبسبب المنام.. صار يخاف من خياله، ومن أي همسة أو لمسة أو حركة وسكنة حوله. صار عصبي المزاج، متوترا، وصار مؤذيا حتى لمن حوله من خاصته. وراح يحلم ويفكر بكيفية حماية نفسه ممن حوله، ويبحث عن الوسائل الممكنة، ليراقب ويتجسس على أفراد عائلته وحاشيته وحراسه وكل شيء في القصر

وخلا الملك بنفسه،وراح يفكر في خطط لمواجهة كوابيسه وهواجسه ومرآته وناسه ووسواسه، إلى أن تأخر الليل وغط في النوم على إيقاع الكوابيس التي لاتتوقف

حدث بتاريخه العام 2012

التوقيع: الراوي المتآمر

وإلى الحلقة التالية، والحكاية الرابعة

 

تابعنا على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2301   الثلاثاء   11/ 12 / 2012)

في نصوص اليوم