نصوص أدبية

سيّدتي الغائبة / جواد كاظم غلوم

تملؤني عشباً نديّاً نَضِراً

واخضراراً ساطعاً في مملكتي القاحلة

أفتحُ خزانة ملابسي

يفاجِئُني عطرُكِ؛ يربكُ أنفاسي

أنا المعتوهُ بشميمِ  رائحتِكِ

أتفقّدُ طاولةَ زينتِكِ

مِرْآتكِ الساكنةَ الحزينة

أحمرَ شفاهِكِ المدمّى بالحنين

مكْحلتَكِ السوداءَ الغارقةَ بالبكاء

وِشاحَكِ الملْتفَّ المزيّن بالزنابق

فأراها توشك على الذبول

أنصتُ لموسيقى المطر

فأقفز مترقباً وقْعَ خطاكِ

أفتحُ نافذتي

فيباغتُني ضوؤكِ

مفترشاً جوانحي .

طلعتُك تتلألأُ أمامي

مثل ماسّةٍ متوهجةٍ بالبريق

أدورُ في أرجاء البيت

يومئ لي خيالُك

ويوقعُني في أحضانهِ

أقرأ شِعْراً

فأسمعُ ضجيجَكِ يتقافزُ بين الكلمات

أجوبُ ركامَ الذكريات

فتنسلّين بِخِفّةٍ تحت فِراشي

دفْئاً عائماً في ليالي الزمهرير

أتذوّقُ زادي فأستشعر نكهتكِ

أظمأ لملامحِ وجهك

فيفيضُ رَيُّك بين عروقي

أغفلُ في غمرة انشغالاتي

فترعدُني  جهشتُك

وأنتِ تبكين على صدري

أنعسُ قليلا

فيضطرم  وِهادي

وأخالُ جسَدَكِ يحرقني

ويدفعُني جانباً

يشاركني سريري

أمدّ كفي لأنالَ أشيائي

فيسبقني كفُّك ويشبكُ أصابعي

أعيد ترتيب لوازمي وكُتُبي

فأرقبُكِ تثبين قبلي توظّبين أوراقي

وتعيدين ماعبثتْ يدي

أنهضُ من النوم فَزِعا

فأرى الصباح حازماً حقائبه

يريد الرحيل الى جواركِ

ويتركني وحدي مُوَدِّعاً

أرتشفُ قهوتي مع الإفطار

فأبزُّها علْقماً مرَّ المذاق

أسدلُ ستائري في الليل

فإذا جدائلُ شَعرِكِ تلاعبُ أناملي

أسْقي ورودَ حديقتي

فتأخذُني ساقيتي الى عذوبتكِ

أتجرّدُ من ملابسي

فإذا جِلْدُكِ يلتفُّ بي متلبِّساً

سيّدتي الغائبةُ تطاردُني

تطارحُني السقام

تلامسني الذهول

في صحوتي، في منامي

في شرودي، في يقظتي

في حِلِّي وترحالي

في جلجلتي وهدْأتي

ماأنتِ أيتها الغانيةُ الساحرة !!

عاشرتُ أجمل النساء

أكثرهنّ سحْراً

لم أعهدهنَّ دافِئات كحرارتك

ذقْتُ أطايبَ الخمور جديدها وعتيقها

لم تكن مُسْكرةً كشفاهكِ

شممتُ النسائمَ؛ بحرَها وبرَّها

لم تكنْ توسعُ صدري كأنفاسِكِ

عركتْني المنافي، بعيدُها وقريبُها

قذفتْني السجونُ في عنابرِها

ضيّقتني بزنزاناتِها الانفرادية

لم تكن مريرةً كفراقِك

غمّاً لك أيها الشوق

أهكذا تمرّغُني في أوحالِكَ ؟؟!

عمْياً لكِ أيتها المآقي الدامعة

تذرفين الدموع الغالية العصيّة

بكْماً لك أيها الشِّعر الصادح

أهكذا تفضحُني أمام الملأ !!؟

سحقاً لكِ أيتها الفحولةُ التي تتملكني

أهكذا كبّلتك الغائبةُ بشرائطِ شَعْرِها الشفيفة ؟!

وتسرّبَ مخملُها في ثنايا هيبتك !

ماأشقاكِ أيتها اللهفةُ وأنتِ تدهسين قلبي

وتحيليهِ ركاماً منثوراً

شُلّتْ يداك أيها الغياب

سُمِلتْ عيونُك أيها النوى

خبلتْ بصيرُتك أيها الشوق

ليتني أقبرُك وأْدَاً

وأهدر حياتَكَ بدمٍ  بارد

بيْدَ أني رعِشُ اليد

أنتفضُ خوفاً منك

ولا أطأُ الأرضَ إلاّ خفافاً

خشية أن ْتسمعَني وتزجرني

لكنَّ عزمي سيجيشُ

وأنحرُكَ يوما ما

وأصرُّ على نحْرِك

ومع ذلك لاأندمُ  أبَداً

 

 

تابعنا على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2301   الثلاثاء   11/ 12 / 2012)

في نصوص اليوم