نصوص أدبية
إمتاع و مؤانسة (1)
المقبل وهو على أبواب الجامعة. لم أر تلميذا من هذا العصر على قدر ما له من تتبع لأحوال السياسة ومعرفة بالتاريخ والجغرافية وربط الأسباب بمسبباتها غير متأثر بوسائل الإعلام المضللة. مسيحيته مجرد هوية وليست عقيدة. لم يكن مكلفا بالعمل أمام آلة وإنما بجمع الصناديق مستعملا الرافعة (Forklift) وهي مهمة تعطى للمحظوظين العارفين فقط وليس لكل " من هب ودب " بالتعبير الشائع هذا الوقت. لكن الشقي أصر على المؤانسة معي وترك الصناديق تتكاثر كالفطر.
قلت له تمهيدا للاستفسار عن سبب قطع البظر في إثيوبيا:
- هل تعرف البظر؟
- نعم! إذا كان لك الحظ وكان لزوجتك بظر فإنها توحوح.
ثم صاح: Wooow!! أحب ذلك كثيرا !
قلت في نفسي إن التلميذ يبقى دائما تلميذا مهما اتسعت معارفه. لقد تعود على طبائع كندا وبدأ يخلط الجد بالهزل أمام رجل يكبره بسنين. لقد وضعت رأسي في النخالة وسينقرني الدجاج. حاولت الابتعاد عن الموضوع لكن حب الاستطلاع دفعني إلى استكمال الحديث:
- أفهم من كلامك أن هناك من ليس لهن بظر. لماذا يقطعنه؟
- لأن المرأة الإثيوبية حامية جدا والرجال قليل بسبب الحرب والهجرة. إذا لم يقطعوا بظرها فإنها تكتئب وتكسر الأواني وتقتل الدجاج وتدهس كل شيء كالثور الهائج. ثم إنها تجري وراء الرجل مذلولة قد تدخل على رجل في بيته وهو لم يطلبها وغير عابئ بها وفي ذلك مهانة للعائلة.
- قطع البظر خير من تركه في هذه الحالة. لكن هناك جمعيات أمريكية كثيرة تنسق مع عملائها في البلاد العربية للحد من هذه الظاهرة المشينة.
- لو كفوا عن قتل رجالنا بإيقاد الحروب وقامت الحكومة بمشاريع تنمية لِوَقْف نزيف الهجرة لما قطعنه.لا أحد يختار الألم.
ضم يده إلى صدره، رفع رأسه كمن يستهيم. وحوح ثم قال: من يكره اللذة ماي فراند؟
ثم سألني:
- هل رأيت سيكس شوبsex shop بالشارع الرئيسي؟
- نعم! رأيت الذكور والمهابل الاصطناعية وأدوات التعذيب أثناء الجنس. لكن الرواج قليل.
قال مستهزئا:
- إن أمريكا تسعى إلى تحريم قطع البظر عندنا ليفتحوا دكاكين لبيع الذكور الاصطناعية بإثيوبيا فتصبح تجارتهم رائجة. تصور امرأة تعيش مع ذكر من البلاستيك كما يفعلون هنا!
- إن كان في الهم ما يجب اختياره، قطع البظر أحسن.
كثرت الصناديق حولي وكثرت الأواني على الطاولة غير معبأة قذفت بها الماكينة المجنونة. زننننن...طق..زننننن.....طق وفي كل "طق" تقذف لي الماكينة ثمان حاويات حاميات دفعة واحدة. ذهب بوب يجمع صناديق الآخرين حتى لا يحتج أحد ثم عاد إلي فوجد فلبينية مسيحية تتجسس عن سر تراكم الصناديق. مُطلَّقة تعتبر نفسها مودِرنْModern في حين أن الناظر إليها يراها كالقحبة قد طلت الشفاه بالأحمر الفاضح والسروال الذي يظهر منه الثبان الداخلي والابتسامة المصطنعة التي ترسمها على محياها. كالقحبة تماما وحق للا عيشة القرنية. قلت ساخرا للتلميذ:
- لو قطعوا بظر هذه الفلبينية ما جرت إلى كل هذا الذل.
- لا! كان يجب أن يقطعوا لسانها أحسن وأنجع.
- أعلم أنها تنقل الشاذة والفاذة إلى المراقب (سوبرفايزر). وقوفك معي الآن سيصل إليه خبره حالا.
- لم تفهمني يا صديقي.لا أقصد الوشاية. لقد جربتها يوما في منزلها. إنها تصل ذروة الرعشة من فمها(orgasme buccale) ولذا وجب قطع لسانها وليس بظرها.
قهقه كأنه صهل. وضرب بيده على الطاولة في هيستيريا ضحك مفرط.انقلبت الأواني والصناديق.بدأت أجمعها وأنا أقول له:
- ساعدني يا نزق على الأقل لنفتح الطريق و إلا طردوك الآن.
جاءت الفلبينية تتجسس ولاح المراقب عند نهاية الممر لكنه ولى على عقبيه لما رأى أن مرتكب الخطأ أسود مسيحي مثله. لا عين رأت ولا قلب وجع.
عند الغذاء جلست مع تونسي. إسلامي نشيط.يلبس قلنسوة مكية ويكثر من أشرطة القرآن في سيارته. لكأنك في مسجد حين تركب معه. روائح المسك تفوح. قال لي:
- رأيتك تضحك وحدك أمام الماكينة. ما الذي أضحكك؟
- إذا أردت أن أقول لك لا تتهمني بالشيوعية.
- لن أفعل هذه المرة.
- لقد شرد ذهني انطلاقا من حديث لي مع الإثيوبي بوب. تذكرت أبا حيان التوحيدي. لا تقل لي إنتي شَيُّوووعِ.
مازحا قلَّدت لهجته التونسية بتأنيث المذكر وتشديد الياء وإطالة مد الواو وحذف ياء النسب وأضفت:
- أتريد أن أقول لك؟
- قل! ليس على الأعمى من حرج.
- قال أبو حيان في إحدى مؤانساته أن أحد الملحدين قال لمؤمن: قطع بظر أمك دليل نفي الصانع لأنه إذا قطع لا ينبت. ولما سأل مناظره عن دليل الإثبات قال له: قطع شُعْرة أمك دليل إثبات الصانع لأنها تنبت.
- أعوذ بالله من الشيطان الرجيييم...إنتي شَيَّووووعِ.
ضحك حتى كاد أن يشرق بمشروب الكوكاكولا فأخذت القنينة ورفعتها أمام ناظريه قائلا بنفس اللحن التونسي: إنتي إمبريااااالِ ... أضفت قائلا أني ضحكت وحدي مرة أخرى أمام الماكينة لما قارنت مع منطق أمريكا في أن قطع رؤوس المقاومة دليل إثبات الديمقراطية لأنها تنبت مرة أخرى وأن قطع البظر دليل نفيها لأنه لا ينبت. كلُّ ما طبخته المرأة العفنة يبتلعه أبناؤها.
عند خروجنا من المعمل قال لي بوب الإثيوبي أن المديرة اعتذرت بقلة الأشغال وعليه أن لا يأتي للعمل غدا إلى حين المناداة عليه. طريقة متحضرة و معاصرة لطرده بالفن والإتيكيت – حداثة الطرد يعني- في حين يقول الأوباش عندنا: اخْدم وَلاَّ سير تْقوَّد.
ابتعد عني بوب. نادتيه وقلت: أريد منك خدمة من فضلك. عاد مهرولا والثلج يتساقط على رأسه . رحب بطلبي فقلت له:
- رأيت الرجال هنا لا يتزوجون هل تدلني على سيكس شوب لقطع الحشفة؟
قهقه عاليا حتى دخل البرد فمه وبدأ في السعال ثم هرول متعثرا إلى مخدع الحافلة العمومية في حين كان التونسي يتميز غيضا من بعيد. يلوح بيده ويعدل قلنسوته المكية ثم نهرني بعنف:
- أَزْرَب آش بيك؟ تضحك في المعمل وخارجه؟
لحقت به إلى السيارة وهو يراود مفتاح المحرك لبدء الانطلاق فلم تستجب وزادته غيضا. بدأ المقرئ في الترتيل: " وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها".
أطفأت الراديو كاسيت. نظر إلي شزرا وعلامة الغيظ بادية عليه وقبل أن يحتج بادرته بالقول:
- هذه قراءة حفص بشد الميم على "أمَّرنا". بينما نقرؤها في المغرب برواية ورش عن
نافع بتخفيف الميم (أمَرنا) وهي المعتمدة عندنا. إذن أَسْمِعْني قراءة ورش أو سأنزل وأستعمل الحافلة العمومية!
لاح على وجهه أثر الابتسام لكنه أخفاه غير أن الضحك فاض وغلبه ثم طوح برأسه علامة حذر وقال:
- إنتي شَيُّووووعِ!
منذ ذلك الحين وأنا أستمع لأغنية مولد القمر في سيارته. عثرت عليها زوجتي بالريق الناشف بين ركام الأغاني الحديثة في المغرب والتونسي الإرهابي أراد أن يحرمني منها.
هاكِّيلي على بوطاقية
............................
الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1213 الجمعة 30/10/2009)