نصوص أدبية
مسرحية: دمي محطات وظل
"بمسرحية" كانت مجسدة أمامي صوريا وما أن استيقظت شرعت بتدوين هذه الصور وتحويلها إلى كلمات وهذا أقصى ما أستطيع الوصول إليه. ولان وظيفة المسرح أن يحول الكلمات إلى صور حية نابضة تقرا كما الكتابة الصورية حسب النص الفرو يدي.أيعني هذا باني سأشاهد ذات يوم تجسيد الحلم كما نسجه عقلي الباطن لاغيا المراحل التي مر بها في اليقظة والزمن المتحول
ملاحظة
سيبنى نص العرض على براعة انتقال الممثل من مشهد إلى آخر وهذا يعني انتقال من زمن إلى آخر فهو يقوم بتجسيد أزمنة فائته ويعود في الحال إلى ما كان عليه،لذا سوف لا افسد على القارئ أو المخرج قدرته على الخيال في إمكانية تحويل الممثل من والى،لذا اترك للمتلقي أن يأثث فضاءه الخاص
الشخصيات
1- الرجل
2- المرأة
3 - السائق
المكان:
"ساحة عامة،تقف المرأة في الجانب الأيسر من خشبة المسرح محاطة بمجموعة من الحقائب وفي الزاوية الأخرى يقف الرجل وهو الآخر تحيطه حقائبه..فترة صمت..ينظران إلى الجمهور وكأنهما ينتظران أحدا..فترة صمت قصيرة..يتحرك الرجل صوب المرأة لكنه يعود إلى مكانه..تحاول المرأة أن تسأله لكنها تفشل أيضا وفي الوقت نفسه يسال احدهما الآخر"
المشهد الرئيسي
المرأة + الرجل:"في نفس الوقت" هل تنتظر......
الرجل:اجل السائق، وأنت
المرأة: السائق أيضا
الرجل: ستذهبين إلى العراق ؟
المرأة:طبعا
الرجل: ولماذا طبعا
المرأة: لان هذا الموقف هو موقف السيارات القادمة والذاهبة إلى العراق
الرجل: معك حق"برهة" أهذه الزيارة الأولى ؟
المرأة: اجل،بعد عمر طويل،
الرجل: اشعر أن قلبي يخرج من جسدي كلما فكرت باللحظات التي سألتقي بها الأهل
المرأة: كم مضى عليك بعيدا عن الوطن
الرجل: السنوات التي لم أر فيها الوطن والأحبة والأهل هي عمر فتى قد حقق الكثير من أحلامه"برهة"لا ينفع مع الغربة غير الحسرات وتأمل دخان السجائر
المرأة:الغربة قاسية
الرجل: مـا عرفـــت طعما للألم إلا في الـــغربة "فترة صمت قصيرة"
المرأة: هل أنت متأكد من ان السائق سيأتي
الرجل: أكيد
المرأة: أنا خائفة
الرجل: من السائق
المرأة: من كل شيء
الرجل : بعد ساعات ستشمين هواء العراق
المرأة: هذا هو مصدر خوفي
الرجل: اشعر أني سأنفجر،ما أن اصل حدود العراق، سابكي هناك وسأغسل الطرقات بدموعي
المرأة: أنا خائفة
الرجل: اتصلت به صباح هذا اليوم وقال انه سيأتي حتما
المرأة: خائفة من رؤية الأهل،كيف سأجدهم أو يجدوني ومن منا الذي تغير
الرجل:جمـيعنا"برهة " هــل معـك سجارة ؟ "تخرج من جيبها علبة سجائر ودون أن تنظر إليه تسلمه السجارة"وان كنــت قــد أثقلت عليك فــلي طـلب آخر "تنظرالمرأةإليه،تسلمه سيجارتها..يولع سيجارته ثم يعيد إليها السجارة"
الرجل:أنت امرأة رائعة"برهة"دون السجارة يومي ناقص،ان لم أدخن اشعر ان جسدي يتآكل، كم حاولت الابتعاد عنها "يتذكر..مع نفسه..الابتعاد عنها..ثم بصوت عال"السجارة ترتبط بك أكثر من اسمك ترسم لونها على أصابعك وأظافرك وشفتيك، الإنسان دون السجارة والآخرين جسد خرب يأكله حزنه كالسرطان"مع نفسه"ولكن من هم الآخرين أنهم جميعا أنا ساعتي دون عقارب والوقت لا يعرف بابا لها لذا المملم بعضي وأقرر ان لا أدخن ولكن كل المراكب التي حملتني على متنها كانت همومي هي الأثقل
المرأة: منذ البدء أدركت إذا دخنت سجارة واحدة فستعقبها أخرى رغم ذلك أخذني الدخان في دروبه المظلمة حتى تقرحت رئتي وصار لونها كلون الحزن"برهة"عمري محطات هجرتها الذاكرة
(انتقال)
المشهد الأول
الرجل+أبيه"يمكن أن تؤدي المرأة دور الأب ..يجلس رجل كهل على كرسي وسط بقعة ضوء..يدخن وينفث دخانه الى أعلى..يتأمله..خلال هذا المشهد يتحرك الرجل الذي ينتقل من المشهد الرئيسي حتى يصل دائرة الضوء
الرجل: كنت أشاهد أبي وهو يدخن والحلم يزاحم يومي متى أكون مثله والسجارة تتوسد أصابعي"يدخل دائرة الضوء "كنت انظر إليه وهو يتحكم بالأنفاس
الأب: كلما ابتعدت عن الدخان كانت المسافة بينك وبين الموت أوسع
الرجل: كثيرا ما تأملت دخانك يا أبت
الأب: هذه سنوات العمر. اشعر ان جمر سجارتي يحرق يومي وكلما قصرت،قصرت معها الأيام
الرجل: أبت أني ارث منك الحزن،اشعر أني مثلك ودون ان اقصد امسك سجارتي مثلك واجلس مثلك إلا ان حزني اشد وأقوى
الأب: إذا تأمل دخانك حتى يتلاشى وأعقبه بسحابة أخرى
الرجل: أبت لقد جار علينا الزمن واخذ منا اعز الأحباب،الأولاد والإخوة والأصدقاء وصرنا نتناقص يوما بعد يوم وكلما نفقد شخصا عزيزا تسقط وردة فواحة من محبتنا ونقاءنا
(انتقال)
المشهد الثاني
عودة إلى المشهد الرئيسي
المرأة:"خلال حوار الرجل السابق تكون المرأة قد عادت إلى وضعها الطبيعي"جلست على الكرسي الصغير وأنا اللعب مع بنات الجيران لأمثل لهن شخصيات الحي الـذي نسكن وتتكاثر علي الطلبات "تمثل"
- كيف تتكلم بائعـة القيمر ؟"تمثل بائعة القيمر"
- كيف تمشي صاحبة الدكان "تمثل"
- كيف تدخن أمك "تمثل"
كنت امثل هذه المشاهد، أراها الآن وأنا بذلك الشعر الطويل والضحك الذي لا يفارقنا وما ان أتناول رغيف الخبز الحار منطلقة للعب، كي أتقاسمه مع صاحباتي"برهة"ياه..حقا إن رائحة الخبز لا مثيل لها
الرجل: ترى هل سأسعل في آخر الليل ؟
المرأة: جدتي كانت تدعوني كثيرا كي احضر إليها الأكل أو الشرب ومع كل دعوة ترفقه بطلب سجارة
(انتقال)
المشهد الثالث
المرأة+الجدة"هنا يمكن أن يلعب الرجل دور الجدة"
الجدة: بنيتي أشعلي هذه السجارة بالله عليك
المرأة: انك تدخنين كثيرا يا جدتي
الجدة:لم يبق لي غير التدخين سلوى
المرأة:ولكن........
الجدة:التدخين يعيد بعض أيامي التي هربت في ظلمة الليل ويزيح الصخرة النائمة فوق صدري ويطرد ذكريات العذاب وسهر الليالي.كيف لمثلي ان تترك التدخين والليل يفترس وحدتي مقلبا أوجاع الذكريات. أعوام مرت شاخت فيها ملامحي ولم يبق في شعري مكانا للون الأسود لكن ذكراه هي المتقدة دائما
المرأة: اعرف ذلك
الجدة: هاجمه ذلك المرض اللعين بعد ان كان متقدا كالوردة العطرة وبدأت أوراقها تتساقط وأنا أسرع هنا وهناك كي الصق هذه الورقة او أحافظ على الأوراق الباقية ولكن لا جدوى كان المرض أقوى من مقاومته وابتسامته للحياة
المرأة: تعب في حياته حتى فضل الموت.......
الجدة: صافحه الموت مبكرا لم يكمل الخمسين من عمره حتى هاجمه المرض اللعين.
بقيت وحدي لم اصدق أني لم أره ثانية. لكن الأعوام جعلتني أتيقن ان الموت لا محالة وأننا في رحلة مرة
المرأة: الآن فقط أدركت معنى ان يفارق الإنسان شخصا كان يمثل إليه كل شيء
الجدة: وتقولين انك تدخنين كثيرا، أشعلي السجارة بالله عليك
(انتقال)
المشهد الرابع
عودة إلى المشهد الرئيسي
المرأة:"وهي تعود إلى ما كانت عليه"دمعت عيني وأنا أحقق رغبتها الأولى وشهقتي سمعها الجيران وأنا أأخذ نفسا من السجارة الثانية حتى صرت أدخن نصفها قبل أن أودعها بين أصابع جدتي
"صوت سيارة قادمة من بعيد أو صوت منبه إحدى السيارات"
الرجل: أظنه قد وصل
المرأة: أتمنى ذلك "يختفي الصوت"
الرجل: للأسف لم يكن هو
المرأة: هل أنت متأكد من قدومه؟
الرجل:دون شك فقد سلمته نصف الأجرة
المرأة: وهذه هي المشكلة
الرجل: أنت خائفة
المرأة:وقلقة أيضا
الرجل:ستصلين العراق حتما
المرأة: أنت متفائل
الرجل:يجب أن أكون كذلك وأنا ذاهب إلى مصدر ذاكرتي، هناك ولد ومات كل شيء
"فترة صمت قصيرة"كنت اضحك والطبيب يسدي بنصائحه إلي
( نتقال)
الرجل+الطبيب"هنا تلعب المرأة دور الطبيب"
الرجل: هذا صعب يا دكتور
الطبيب: أنت وحدك من يقرر
الرجل: منذ زمن بعيد فقدت القدرة على القرار
الطبيب: حاول أن...........
الرجل: مخاطرة يا دكتور
الطبيب: انك تقتل نفسك بنفسك
الرجل: اعرف ذلك
الطبيب: امتنع عن التدخين
الرجل: ثم
الطبيب: تتحسن صحتك
الرجل: ثم
الرجل: تشعر أن الحياة أفضل
الرجل: اشك
الطبيب: حاول أن تقرر
المشهد السادس
عودة إلى المشهد الرئيسي
المرأة: وماذا قررت ؟
الرجل: إن أدخن جميع الأنواع
المرأة: امتنعت عن التدخين ثلاثة سنوات
الرجل:"بمزاح"بأمر الطبيب أيضا ؟
المرأة: وربما أكثر
الرجل: ولا حتى سجارة واحدة
المرأة: ولا نفسا واحدا.بل لم اعد أحتمل حتى مجالسة المدخنين"فترة صمت قصيرة"
بعد رحيله لم تعد الأشياء تحمل نفس صفاتها
الرجل: "تسقط من يده سجارته "بعد رحيله تحول طعم الحلو إلى مر والنور إلى ظلمة
المرأة: ساقوه إلى الحرب
الرجل: لم تكن معي نقود ولا املك سوى سجارة واحدة. حافظت عليها وصنتها أكثر من أي شي ثمين في المنزل
المرأة: سنوات مرت لم يفارق بسطاله الثقيل
الرجل: أشعلتها وأخذت منها نفسا عميقا وسرعان ما أطفأتها كي لا اترك الجمر يسرقها مني
المرأة: قيل له أن العدو مخيف
الرجل: وضعتها بهدوء على الطاولة وكأني أخاف إيقاظها من نوم عميق
المرأة: كان يجهز على إجازته بالحديث عن ذلك العدو الذي يريد قتل أطفالنا
الرجل: وبسرعة خاطفة صارت سيجارتي تحت أقدام طفلي الوحيد وهو يمرح ويضحك في عالمه الصغير
المرأة: لذا عليه أن يقف في وجه العدو
الرجل: ودون وعي مني صفعته وأسقطته أرضا
المرأة: لم يغب عن وحدته ولا يوم واحد
الرجل: على أثرها نام في السرير وهو يئن من الألم في الرأس
المرأة: كان يحضر قبل رفاقه لخوفه العميق من الاستماع إلى الكلمات البذيئة من ضابط وحدته . ولكن ماذا يفعل وقد أسقطني المرض فراش الموت
الرجل: مرض طفلي المسكين وكادت أذنه تفقد السمع
المرأة: اضطر البقاء إلى جانبي وتخلف عن وحدته لثلاثة أيام
الرجل: عندها لعنت اليوم الذي عرفت فيه اسم السجارة
المرأة: لم يحدث أي شي بعد التحاقه سوى أنني بلغت باستلام جثته بعد أن حكم عليه رميا بالرصاص
الرجل: أقسمت أن لا أدخن ثانية
المرأة: كان الأمر صعبا ولا بد من العودة إلى التدخين
الرجل: السجارة ملعونة إنها تجر صاحبها وتبعثره
المرأة: لم يبق شيئا ذو أهمية كما قالت جدتي
الرجل: اعرف ذلك
المرأة: وكيف عرفت ؟
الرجل:"يضحك ..برهة"كنت معلما لأكثر من عشرين عاما
المرأة: اضطررت للعمل كمنظفة في المستشفيات
الرجل: انتظر بدء العام كي أتعرف على وجوه جديدة من التلاميذ وفي نهاية العام انتظر حصاد ما زرعت
المرأة: وفي الآخر ها أنت كغصن تنتظر.......
الرجل: يكبر التلميذ بين أحضان كلماتي وفجأة يتحول إلى أشلاء
المرأة: كنت الملم هذه الأشلاء،فأوامر قطع الأطراف كانت مألوفة
الرجل: تناوشتهم السكاكين والطلقات
المرأة: صرخاتهم كانت تصل السماء
الرجل: لم انم الليل حين عرفت بأمر أحد التلاميذ الذي دخن سجارة في الاستراحة. وفي اليوم التالي استجمعت كل العلوم والأمثال والأقوال وأدخلتها في أذن ذلك المسكين الذي لم يفهم شيئا سوى غضبي
المرأة: وآخر المطاف ؟
الرجل: استلمته أمه دون أطراف
المرأة: صرخ احد جرحى الحرب متوسلا، بان أمسد له ساقه اليسرى لأنها وحسب زعمه كانت تؤلمه، إلا انه ويا حسرتي لم تكن له ساق،هو لا يصدق ذلك وأقول له
- : انه فراغ يا ولدي وساقك ظلت هناك شاهدا في ساحة معركة لا تعرف أسبابها، كان يتوسل ولا يصدق انه دون ساق
الرجل: توقعت لأحد التلاميذ النجاح الباهر في حياته.كان يحفظ الشعر لمجرد سماعه ويحل أعتى المعادلات الرياضية وله سرعة بديهية،هكذا كنت أراه مشروعا لإنسان سامي
المرأة: هل جاء هو الآخر دون أطراف
الرجل: قيل انه جن لأنه ذات مساء صافح جميع من كان معه في الموضع العسكري وتقدم ماشيا في حقل الألغام حتى اختفى منه الأثر"صوت جرس مدرسة مع منبه سيارة..يقف الرجل مصغيا"هل سمعت شيئا
المرأة: أظن ذلك
المرأة: إنني اعني ما أقول"يجلس الرجل القرفصاء..يدخن بشراهة "
............................
الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1224 الثلاثاء 10/11/2009)