نصوص أدبية

تلال الهذيان...!

...مخلفا ً ...كتل غيم معتمة تتلاشى  وئيدا ً...ليبدو من البعيد عرش ملك الليل خاليا الآمن

 

 كسرة معوجة...ضئيلة  بقيت كشبح احدب يناضل بوهن من اجل بقاء لن يطول..............!

أنا في صومعتي ....يضمني الليل ...تتراقص حولي أشباح كائنات الغرفة  برقصاتها الوثنية يرتعد خوفاً سراجي الواهن ....طبول الوقت تقرعها.... قبائل الزمن الوحشية ...

ابتهل لها أن تتركني  له ...أرمم  انهيارات يومي  الجاثمةُ صخوره  فوق روحي...أهدهد به براكين أحزاني التي  تناظرني شزرا ً مهددة غدي بمهرجان ألعابها النارية...

وكأن الصمم يدثر سمعها ، تواصل الطرق بجنون دونما التفات لنشيجي...

أكمم أذنيّ والطرقات تستعر علوا ً ،وشبح رهيب يتضخم متكتكا ًمن رف قريب يتجه صوبي ...  فئران الثواني تتقافز... بين قدميه ... وهو يزداد اقترابا ً...يمدّ يدا ً من نار الي ّ فيخرسني الرعب...فهو الاثمن الأعظم  في أرضي  ...وعشقي الأحمق.... استثار الثمين ...

بينما أتيقن من...هلاكي ....ترفرف عباءة بيضاء لفارسي... ويبرق سيف فضي يلوح....عند ارتعاشه خوفي...   

وبضربة...تنقطع يد الزمن الممتدة لعنقي ... تتساقط الثواني ....نازفة حتى نضوب  خزينها .... ويرتمي معول الوقت الهائل ... بين الفئران المذعورة المتقافزة هروبا ً....  للفناء الخلفي من داري.

كيف لا أهوى من بعشقه أعتقني ....من أغلال وقتي...

بعشقه دخلت...بإرادتي... لعالم رق ّ آخر...يسحرني...البس تاجي بيد ي ... وأتسمع لخشخشة سلاسل اسري وقيودي....

أتلفت فأجدني تائهة في وجوده  الأبدي ...بينما يحتضن  أفق الفجر صورة فرسه الطائر صعودا ً نحو ضيّ وليد...

 نضب زيت سراجي وراح اللهب الشائخ  يجر أذياله بوهن صعودا نحو تله الموت....

رغم يد النور...تلك الممدودة من أفق الله ممزقة نسيج  غيوم الليل الداكنة بأناملها المتلألئة .... إلا إن حلكة ذاك المتقهقر ما تزال  تغمرني بخلود خافية كل ما حولي من كائنات .....خلا  مقبرة  القصاقيص بكومات  موتاها ....في سلّة عند ميمنتي ،أشلاء الورق المتناثرة في رحاب  منضدتي وهو ....المتطلع في ّبنظرة تخترق سكينتي...

انظر لتلال هذياني التي كومتها في حضرة جلاله البهي ....بانبهار ...يرفضه قلبي الحاكم طارقا بمطرقته القاسية على أضلعي ...

فأسحب فكرة  انتصاري ...حينما أجدها  اقل ارتفاعا من مدّ نبضي ...

كل تلال هذياني تتصاغر عند جبال عظمته البالغة أفق الشمس عندي....

أعود أنكفئ على ذلك الجسد الورقي  المستلقي بقهر وإذعان أمامي مستسلما لساديتي... لحنوي لربتي وجلدي ...لتمزيقي وضمّي لبكائي وزقزقتي ....تسائلني البيضاء المرتعدة  الموشاة بخطوط دامية بعينيها المبتهلتين  ...أما من اكتفاء ....تغلبني رحمتي....وترشقني قهقهته اللئيمة بسوطها ...فيستفيق قلبي ليركع  لسطوته .... من جديد ...

أزعم لها  إنني أشرفت على الغرق في بحار سكينتي ....وان  خلاصها بات  وشيكا...ًوفي داخلي العن كذبي ...وأكتم حيرتي....

 تعود ترتجف الظلال وترق على الجدران من حولي ...بانطفاء تدريجي حتى العمى ... وتلك المتعبة  المثخنة بجروحها ....  وأنواطها المتلألئة  ترمقني برهبتها ...  وارمقها بيأسي ...

خنجري بيدي... مازال ....يعدني بالكثير من النجاحات الساحقة في ميدان حربي...

وحنوي يمنحني فرصة التقاط أنفاسي قبل صولتي الأكثر قسوة وتدفقا ً والأعمق استعارا ً .... وولها ًً...

 ينسلخ اللون البنفسجي المعتم من نسيج الأفق وئيدا متدرجا حتى النقاء تاركا السماء تأتلق بلون فيروزي متشرب بخيوط وردية ....

هو النور يبتسم بخجل في أفقي بينما يلفظ المصباح أنفاسهُ المحتضرة... مخلفا رائحة  سوداء مزقت صفاء أنفاسي ....

أفقت قليلا من انغماسي في ترجمة أنفاسي المتلاحقة  لتضاريس ترتفع وتنخفض وتتماوج وتسيل ...ترعوي قليلا ًو تتدفق ...ساكبة كل النور إلى سوادي...لأرفع راسي متأملة شباكي القريب المفتتح كرنفال الشروق ....

حياة جديدة ما تزال أغلفتها الشفافة المتساقطة تلواً... تخفي بعض معالمها وتكشف الآخر  ...وبراعم النور تتفتق عن أزهار حياة بديعة في خارج جدراني ...

النسمات المأخوذة بمرأى الشمس  الفاتنة مفتوحة جدائلها متمطيه بنصف نومه ...جالت بأعظم ما تكون رقتها متراقصة كأنها تقدم عرضا ترحيبيا ًلكتلة النور الشقراء ....

تداعب النسمات الفجرية وريقات التينة الضخمة الشائخة المتكئة بفروعها على جدار غرفتي المطلة بشباكها  على...أفق الحديقة الواسعة  ....كفوف أوراقها الخماسية ....تصطفق قليلا ببعضها وبحافة شباكي  بتوالي .. كأنها تطلب مني إذن  دخول النور إلي ّ....

استجيب لنقرها المهذب و لوخز دخان موت المصباح لرئتي... فافتح جناحي شباكي  بكل اتساعهما متلقية كل النور والنداوة من سلال صباحي ...فتكتظ  رئتي برائحة الورد والندى ....وأشتهي أن أحيا ...وحينما...تبتسم الشمس لي...أجيبها بابتسامة مضطربة  متلقية ربتات أشعتها على وجنتي بحيرتي...أحاول التملص من أمسي والانغماس في يوم قد...قد..... يوقد شموعي ...!

ورغمي أستدير بقلق لأمسي ...فألفيه... بشموخه الملكي ....  يتشاغل برسم خطوط فارغة  ويرمقني بطرف عين متغطرسة  واثقة من  هيمنة سطوته و انتهائي ...فأعود....يرغمني ....عشقي ...

أواصل  تقطيع أوصال السبعينية البيضاء التي أشبعتها ندوباً ....أمسك خنجري بشغف...وارسم شقوقا ً جديدة على أديمها الصابر المثقل  ....خنجري... يقطر دما ....هي تئن لثقل جراحي ....!

وأنا لا اعلم متى.... سأكتفي...!

الاكتفاء...حلم  شائخ ....بلغ سن التقاعد  من دائرة أحلامي ....ورحل منحنيا ً جارا ً قدميه... متقهقرا ًضائعاً في أفق الطريق...منذ عقود ....

 مخلفا ً ذلك المأسور الذي ملئ الكون صهيلا في سجن أضلاعي ...مفتقدا ًكل انطلاقاته الخضراء وصولا ًلأفق الشمس ....

 

ذاك الرسوخ في زريبة الطمي.... تلك الموحشة بطحالبها النتنة  ملئهُ رفضا ًمازال يشتعل خالدا متنفساً  كل النور المدغدغ لذاكرته  النابضة.

 والفجر المزقزق خلف جدران العتمة مزق أستار خنوعه  المؤقت بانتظار  يد القدر تلك التي لم تسعف أحدا ...أبدا  ....!

يسرقني لوهلة أخرى  وهج الحياة المتأججة  خلف سور مشاعري ...استرق النظر بانبهار يلمحه خنجري ...المتنمر.........

يناظرني آمراً....فامتثل ....كديدني...

أمدّ يدي المرتعشة لأعانق يد نصلهِ بوله متأجج  ... أتأمل نسيجه بانبهار... أتيقن من عبوديتي وبكل ولهي وبكل أملي  في خلاصي ... أغرسه عميقا في خافقي...الضاجّ .... حتى يرتوي. 

مضرجة  بلون نبضي .... يحملني... يرد فني... وهو مختال بفوزه ِعلى فرس ابيض...ليرحل بي نحو أصقاع جديدة....

بين شجيرات المرجان  المتشعبة  في حواري الماء يخب فرسي... نحو عمق الزرقة يرمح.... الريح تبارك حلمي المرفرف بين جدائلي ...وحينما تتلقف أقدامي أغنيات الموج المهدهدة ...أترجل ....و... قاتلي ...

نبتسم لبعضنا...دون ضغينة .... ونركض معا ً لقرار الفيروز.......... 

البحر يحتضن عناق أناملنا ....تسحبنا الزرقة لمدن الخيال وبينما تنسدل  جفوني بانطفاء بطيء وأنا انزل عميقا في لجة مشعة في ابعد نقطة من  محيط سعادتي ...أرمقه خلسة بسعادة فيكأكئ

....دولفيناً أزرق... بسعادة ...يمنحني زعنفتيه ويعود  يسحبني سابحا ً للبعيد ...محلقا ًبي  حول كهوف جبال نامت في عمق البحر طويلا... يدو ربي  في حواري الفيروز.... يتناثر  البلور من بين يدي ... أختار درري المفضلة من شعوب المحار والصدف ... تزقزق حولي أسراب سمك ملون تضج بثرثرتها  وتلتف نباتات البحر بأذرعها الشيفونية...  حول أطرافي  مرفرفة برقة ....أنا أتسمع باندهاش  لأوركسترا نبضاتي المتفجر ...رعدها ...  قريرة بضعفي الناصع... امام  كونه المهيمن ...

وبينما امضي معه بين حوريات البحر وكركراتهن النغمة وبينما أرحل صعودا نحو اللاانتهاءً... تنبض فيّ أمنية.... أن تكون رحلتي  معه هذه المرة.... لبلاد الشمس....تلك  التي... تقت لها طويلا ً ...!!!!

تمت

 

بان ضياء حبيب الخيالي

[email protected]

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1231 الثلاثاء 17/11/2009)

 

 

 

في نصوص اليوم