نصوص أدبية

حين يحكمك الحيوان

moslim alsardahحين تتقدمك المحكمة فتقف امام حاكم يحكم بالعدل المتعارف عليه، تحس انك غير مغبون ولن يغبن حقك - حتى ولو كان ذلك الحاكم جلفا، فظا،، غليظا، بلا أخلاق، او أسلوب مستقيم للكلام، او منطق للحديث الصحيح - فيرضيك انه عادل، وتقف أمامه مطمئنا مما سيحكمك به وسلواك انه بجلافته انما يؤنبك على اخطائك ولكنه انسان شريف.

وحين تقف امام حاكم ظالم، لم يتعرف على العدل يوما ولم يمر به، ولكنه بوجه يضحك، واسلوب رقيق. وعندها ليحكم عليك ما يحكم وتتقبل انت ظلمه كما يتقبل السمّ الزعاف، من ياكله مغلفا بقطعة لذيذة من الشوكولا مع الحليب والسكّر.

تلكما حالتان قد يبدو بينهما التناقض ولكنهما حالتان مقبولتان لعقل الانسان المغلوب على امره المجبر على الوقوف امام قدره.

ولكن، ان يرفسك حاكم رديء الخلق اكثر جلافة من التمساح بل هو اكثر منه فظاظة، لايبكي امام فريسته كالتمساح بل، ولا ترمش عيناه حتى، وظالم، فتلك مسالة اخرى.

كان هذا الاخير هو ما حدث لي، حين كنت في اول خدمتي بالعسكرية التي دخلتها بعد تخرجي من الجامعة. المشكلة انه كان كبير الرتبة كبير العمر وكان الجنود يسمونه "ابو حمرة" وكنت اظن التسمية، للوهلة الاولى، قد جاءت من تلك الشَرطة الحمراء التي يضعها بجوار رتبته التي يسمونها الاركان.

وكنت صغيرا، بعمر ابنه الصغير.

سالني "الآمر" بعد ان انزعوني النطاق وغطاء الراس الذي يحمل شرف دولتهم وجردوني من كرامة قانونهم العسكري:

- انت من أي محافظة ؟

 كنت أود لو أقول له ان ليس هناك علاقة بين محافظتي وما انا واقف لاجله. ولكني خفت ان يحطمني تماما بعد ان رايت الحقد الطائفي والجغرافي، الكامن في عينيه،. كانتا تكادان تومضان مما يشوبهما من كره تجاه من يحملون جنسيته. كان عدائيا اكثر من خنزير جريح.

- من محافظة البصرة، سيدي. قلت بكل ادب وانا مكتوف تماما، في وضع الاستعداد.

- طاح حظ البصرة، اللي تجيب هالشكول!!.

كان حاكما بالظلم. وقد تجاهل ان البصرة هي من تملا جيوبه بالمال من نفطها وموانئها. كنت ساكتا مغلوبا على امري، وكان عندي امل يائس ان هذا الحيوان سيهدا بعد ان يصب جام غضبه بي. وكنت امل انه من كلاب ازبال المدينة التي ستهدا دون ان تعض بعد ان تشبع الغرباء نباحا.

ثم سالني:

- يقولون انك خريج كلية؟

- نعم سيدي.

- من طاح حظ الكليات، اللي تخرج هالشكول!!.

مددت يدي اردت التاكد من وجهي، وتثبيت بنطالي الذي راح ينزلق، فانا كخريج قضى حياته، لغاية تلك اللحظة بين المدارس والجامعة، فصرخ بي:

- لاتتحرك اغبر. اخذه رئيس عرفاء وحدة، ذبّه شهر سجن.

كانت تهمتي اني، غفلة، لم اقل للضابط سيدي، بل ناديته باستاذ.

اسقط ذلك، محافظتي البصرة، سلة غذاءه، ومحافظته، وعائلته. تلك مدينة الله، التي اختبا فيها الحجر الاسود ما جاوز العشرين سنة في ايام ثورة القرامطة الخارجين على ظلم الانسان المستذئب لاخيه الانسان الفقير. واسقط كليّتي التي خرّجت عشرات الالوف من الساعين للحياة، غيري.

ولم يسالني عن تهمتي. ولا اعذاري. مع ان قوانين الاخلاق تستدعي سقي الحيوان الماء قبل قتله.

وليتني عثرت عليه الان لأساله قبل إصدار الحكم عليه، لماذ كان يحمل كل ذاك الكره لي. واين هو الان؟ وفيما اذا كان قد قبر مع الدكتاتور،...... رصيده، في السقوط!!

 

مسلم السرداح

 

في نصوص اليوم