نصوص أدبية

أقل عثرتي يا دهرُ

abdulfatah almutalibiإلى بــــغـــداد

وهي تنزف دما في كل يوم

 


 

أقل عثرتي يا دهرُ / عبد الفتاح المطلبي

 

أقلْ عثرتي يادهرُ واطلقْ عقاليا

فقد قطّعَ الأوغادُ ظلما حباليا

 

وأدريكَ لا تُصغي لقلبٍ طحنْته ُ

جُبلِتَ على البلوى وإنْ كنتَ باليا

 

ففي كلّ يومٍ منكَ نُمنى بفادحٍ

نودعُ محبوبـــــاً ونفقدُ غاليا *

 

وإن كنتَ مَيّالاً إلى الغدرِ إنني

ألِفتُ رسيسَ الظلمِ لستُ مُباليا

 

وما بينَ آلامي وبينَ تجلّدي

تراني إذا لجَّ التذكرُ ساليا

 

ألستَ ترى جسمي يشفُّ وهيكلي

يُشابهُ من أينٍ عراهُ ظِلاليا

 

تتابعتِ الأرزاءُ وازدحمَ الجوى

على باب أيامي يُبيد اللياليا

 

ولكن قلبي لا يزالُ مكابرا

يظنّ بأن الدمع آضَ لئاليا

 

عذيرُ فؤادي أنه محضُ عاشقٍ

وما كانَ في عرف الهوى متعاليا

 

أطيرُ بعينيْ تائهٍ ضلَّ سِرْبَهُ

على قاحلٍ يمتدّ تحتيَ خاليا

 

وفوقي تحومُ الطيرُ غرثى يردنني

وتحتي أفاعٍ تنفثُ السُمّ صاليا

 

وآملُ ما بين العواصفِ أن أرى

دفيفَ جناحٍ دونَ مَنٍّ هفا ليا

 

فلم تحظَ آمالي سوى برموسها

ويأسي وإعلاني بناري اشتعاليا

 

ظننتُ وكانَ الظنُّ إثماً جميعُهُ

ظننتهمُ إلاًّ وفيا مواليا

 

وما بهمُ إلا مُداج ٍ ومُرجفٌ

وعاذلة ٌ تبغي جهارا نكاليا

 

وثمّةَ مجبولٍ على المينِ قلبُه

يُكاشِرنيُ كذباً وأدريهِ قاليا

 

زرعتُ ومازرعي سوى الريح نبتهُ

حصدتُ وما غيرالغبارغلاليا

 

يدايَ أتتْ بالنارِ حيثُ حرائقي

وقلبي الذي يُكوى ويشقى تواليا

 

مشيت سنيني حافياً فوق جمرِها

وكنتُ أراني خائفاً ثم جاليا

 

لقد ضاقَ ذرعي بالسنين وبؤسِها

ولم أدرِ فيها ما عليَّ وما ليا

 

قصيرةُ آجالٍ طويلةُ محنة ٍ

إذا قيل َ يا آمالُ جاءتْ خواليا

 

ولو أن لي بين الحظوظ أقلّها

لعوّقها دهري ففاتت سلاليا

 

وحصةُ قلبي من أسى الدهر بيدرٌ

ومن فـَرَح ٍ شروى نقيرٍ نواليا

 

فما أن تراني سائلا عن مصيبةٍ

تجاوبني أخرى فأنسى سؤاليا

 

تخطّفني ظُفري وعقّ أصابعي

فأوغلَ خَدّاشا وأمعنَ غاليا **

 

أقل عثرتي يا دهرُ واسمع أنينها

حمامةَ نخلٍ تندبُ اليوم حاليا

 

أنا الوردة الحمراء كنتُ ولم أزل

أبثّ صباباتي أغني المواليا

 

تسائلني من أنتِ كيف نسيتني؟

ألستُ التي بوأتُ مجدكَ عاليا

 

ألستُ أنا بغداد يوم تدافعتْ

بأبنائها للموت تُعلي المعاليا

 

فهل سمع العشاق يوما بمحنتي

وهل منح الأبناء أذنا مقاليا

 

وهل وسِعَ التاريخ ذكري وهيبتي

وهل أنكر الأعداءُ يوما جلاليا

 

فمالي أراني اليوم صرتُ سبيّة ً

تشُدُّ بأصفادي يميني شماليا

 

(ألا ليت للبرّاق عينا لكي ترى)***

لقد شوّه الباغون غدراُ جماليا

 

................

*غاليا: ثميناً

** غاليا: من الفعل غالَ، أهلك غيلةً

*** إشارة لقصيدة ليت للبراق عينا التي قالتها ليلى بنت لكيز التي اشتهرت لاحقا بليلى العفيفة.

 

في نصوص اليوم