نصوص أدبية

القرية والطفل

moslim alsardahشكا اهل القرية النائية المركونة على ضفة النهر الى المالك المزعوم لجميع اراضي القرية. تلك القرية كانت الجنة الوحيدة المتفردة والتي لم يعرف لها مثيلا قي ذلك الجانب الخصيب من الصحراء ولا في غيره مما يجاورها من اراض زراعية او سكن مشغولة او متروكة. اشتكى هؤلاء الناس، من مشكلة عويصة لم يجدوا لها حلا. مسالة كان يصفها البعض منهم بانها مسالة المسائل. تلك التي تتعلق بوجودهم ومستقبلهم. ذلك ان احدا لم يقرا احد في طابو او في غيره من حجج الملكية، اسم المالك الحقيقي للارض التي يقيمون عليها ولم يره احد بعينه. بل وان المسنين وغيرهم من المعمرين، وحين تقع انظارهم على حجة الارض او الدار الذي يقيم عليها احد ما فانهم جل مايفهموه ان اسما مكتوبا يخبره احدهم ان هذا الشخص هو مجرد وكيل مقيم على تلك الارض او الدار وحين يموت هو او ورثته تعود ملكيتهم الى مالكها الحقيقي الذي لم يره او يقابله احد لا من الجيل القديم ولا من الاقدم منهم.وكانت معلوماتهم عنه ل اتتعدى الاخبار المتداولة والمنقولة عبر الناس من جيل الى جيل. بل ولم يتجرا احد يوما ان يدعي رؤيته او سماعه وهو يوصي باحترام ملكيته او حتى ادعاؤه بانها تعود له او لغيره، سوى ممن كانوا يدّعون انهم يحملون تعاليما معطاة لهم منه لايصالها للناس ترشدهم الى اصول السلوك والتصرف في داخل قريته. ولم يتوصل احد الى رؤية المهر او الختم الاصلي للمالك الحقيقي في وصاياه لهم. بل ان شكوكا تراود المتعلمين منهم الذين لا تكاد شاردة او واردة الا راحوا يعالجوها.

المشكلة في نظرهم ان اولئك الدعاة لم يتوصلوا الى اصل المعضلة التى يعاني منها ساكنوا القرية. فمشاكلهم الحياتية متعددة ومختلفة. منها ما هو صعب الحل ولكنه قابل لذلك على المدى البعيد وان كان معقدا. ومنها ما هو مستحيل الحل وذاك ما كان يؤرق المتعلمين واصحاب الفكر والحل والعقد، على وجه الخصوص.

حين ينشا الانسان ضعيفا صغيرا وتواجهه قضية صعبة يعجز عن ايجاد الحل المناسب، بنفسه لها، فانه يتوجه الى من هو اكبر منه سنا وخبرة لعله يجد عنده الخلاص او التوجيه ليحل له مشكلته. ويكون مؤلما تماما الشعور بان لا احد لديه القدرة على فتح المغاليق المسدودة. مثلما يحدث حين يجد الانسان ان جميع اهالي قريته مقتنعون تماما ان قريتهم يقف وراءها مالك حقيقي اخفى نفسه لسبب ما. بل انه جعل القرية بيد دعاة يصلون بينه وبين مستاجري ارضه وبيوته حول ما عليهم ان يعملوه وما يقوموا بالالتزام او عدمه بواجبات معينة يدعي ذلك الداعية انها من عند مالك القرية. وانه هو وكيله دونما ختم او تفويض يستند عليه ثرثاروا القرية حين يداهمهم امر عويص.

كثيرا ما كانت مشاكل اهل القرية تنشا من شعور خاص ناشئ من الاحساس بان المالك الحقيقي للقرية لديه القدرة على ازالة الاكدار التي جلبها هو بنفسه والقاها خلسة في ضواحي قريته لتاديب الخارجين عن طوع شروطه التي جاءت على لسان دعاته الناقلين لتعاليمه التي وضعت نقلا عن لسانه لاصلاحهم. فتراهم وحين تنزل بهم نازلة ما يرسلون الرسائل الشفوية منها والتحريرية يملاونها بالشكاوى والتوسلات والاعتذارات والشرح المسهب حول الاخطاء التي ارتكبوها حين لم يطيعوا تعاليم وكلائه التي هي تعاليمه فاغضبوه.

بعد فترة من زمن القرية نشات لدى بعض الشباب المتعلم من اهاليها نزعات تشكيكية حول وجود مالك للقرية. حيث اعتقد بعض هؤلاء المتشككين ان احدا لم ير للقرية مالكا لا من قريب ولا من بعيد سواء في الحاضر او في اخبار من سبقوهم من القدماء. بل ان الحال كان قد وصل قي بعضهم الى حد القول الى انه كان قد عاش لفترة من الزمن يبني ويرتب في قريته الى ان واقته المنية فمات ولم يترك ذرية من بعده بسبب مشاغله في بناء القرية وعدم تفرغه لمسؤوليات الزوجة والاطفال فبقيت القرية سائبة.وهناك قائل ممن يروي الكلام عن القدماء كان يردد امام اسئلة الشباب المتكررة ان المالك للقرية كان يعتبر كل ابناء القرية هم ابناء له هو شخصيا ولذا فهو يتعامل معهم سواسية دون تمييز.

***

في طفولته كان االطفل ذكيا تماما. بشهادة معلمه الاول الذي قلده وشاح "فارس الصف" فكان ذلك اول انتصار له في حياته. ولكن معلمه عاد في اليوم التالي ليسلب الوشاح مثل مدينة مستباحة، ليقلده طفلا اخر هو الاغبى بشهادة معلمه ايضا. كان ذلك الطفل حفيد برجوازي القرية الكبير. وكان تبرير المعلم "لانه بكى". فكانت تلك الهزيمة تشبه سقوط الصين بيد المغول.

عند ذلك نظر الطفل المكسور الى جهة بيت المالك المزعوم للقرية وتمتم بكلمات مبهمة لم يعرف احد فيما اذا كانت شكوى ام دعاء؟

 

مسلم يعقوب السرداح

 

في نصوص اليوم