نصوص أدبية

معضلات عبد الـ (هو)

majeda gathban4وانا اعلم ان هذا الحرف

يؤرق الاجفان

 


 

معضلات عبد الـ (هو) / د. ماجدة غضبان المشلب

خاص بالمثقف

 

لم تشأ عيناك ان تغلقا نافذتيهما ذلك اليوم..

ربما لانك وقفت على حرف الياء من كلمة (هي).. ووجدت نفسك مهموما عند الهاء التي جعلت من (هو) و(هي) يختلفان في كل شيء الا عند تشابه الحرف الأول..

وانا اعلم ان هذا الحرف يؤرق الاجفان .. الحيرة امامه، كالحيرة عند البحث عمن اخترعه.....

بعض اللغات لم تره ضروريا.. غير انه في الصحراء كان حتميا، فـ (هي) لها غير ما لـ (هو)..

سوى انهم الصقوا برب السماء ضمير الذكر، رغم انه لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفؤا احد.. لا تنطبق عليه صفات ذكورة او انوثة..

لم يسعفهم ذلك اللسان العربي ان يجدوا ضميرا مستقلا يليق بربهم خارج محنة الذكورة، ومخيلته التي تصبح كالبرزخ في ضيقها حين يتعلق الامر ب (هي) و(هو)..

لم يفكروا طويلا ان كان عليهم الاشارة له ب(هو) ام (هي)، الامر محسوم سلفا..

و اقتضت الحكمة الذكورية التي لا يعنيها علو شأن الرب عن مشاكل بشرية صغيرة تتشابك عند معضلة صنعوها بين الـ (هو) وال (هي) ان يشيروا له ب (هو).. فليس من المعقول ان يقولوا انه (هي)..

الرحم يلد الانسان، لكن الرب الذي سمي ب (هو) هو من خلق الـ (هي) من ضلع ال (هو) = معادلة ذكرية غير قابلة للحل الا وفق مزاج الرياضيات الذكورية المنشأ..

أغلقتَ كل نوافذ البصيرة كي لا تصل حد الوقاحة، وتتساءل لم لم يكن (هي) وليس (هو).؟..

لم تصل ايضا الى شاطيء رملي يقلق بامواجه اختفاء الاثار بعد حين في بيداء بعيدة لتعلم ان كان الامر بديهيا ام مصنعا في خصيتي ذكر لئيم اراد ان يجعل رب السماوات والارض ملك يمينه واحكامه التي لا تقبل الشك؟..

(هي) أقلقتك بحلمة تتوج تلك الاستدارة الساحرة التي تتلقفها منذ يوم الولادة حتى الممات بنهم لا يهمك ان تعلم من اي بقعة في الكون يصدر؟؟؟..

لا يعنيك ان طبخته مطابخ الاجساد ام مطابخ التأريخ؟..

لا تدري ان كنت تعشقه حقا ومجبولا على عشقه؟، ام لانهم جعلوه يختصر الـ (هي) اختصارا اشبه بالقتل منه بزبدة الفكرة ذاتها؟؟..

جعلتك كهوفها المظلمة غنيا عن البصر او البصيرة، بصيرا بين منحنيات الظلال، مستدفئا في اشراقتها بين جبل لين الصخور ووادي نعيم كجنة لا يشغلها انتهاء الزمان، ولا تغير المكان.. تلجها مسلوب العقل.. وتخرج منها مشمئزا من منزلقات مخارجها الرطبة المكللة بخجلك وعارك وانت تذوي منكسر الراية، كل ما فيك كخرقة بللتها مياهها العجيبة بعد ان كنت متوجا برايات ذكورة منتصبة ايما انتصاب..

بعيدا عن بواباتها انت ممسك بسوط الـ (هو)، وعند المداخل انت لا تعي اين هي اصابعك؟، واين صار سوطك؟؟

انت عند قصورها مجرد طفل يبحث عن متعة لعبة ولا يعي الحرب من السلام..

ف (هي) تسلبك في لحظة غير منظورة كل تأريخك الذي وقف باسلا مغوارا على ركام حضارة الـ (هو)، لحظة لم ينتبه لها مؤرخ كي يضعها في كتبه مشيرا الى هزيمة لا يفقهها تأريخ، فعادة ما يكتب هذا التأريخ المتحيز خارج المداخل اللزجة الساحرة، والكهوف التي تشد الـ (هو) شاء ام ابى من عروة ذكورة مطلقة..

 

(هي) سلبتك الرقاد، فكانت الارض والحرث، وكنت المطر الذي نسي انه وليد غيمة، بدونها ما كان ليهبط مثيرا في التراب مجد البذور، وبدون سمائها ما كان للغيث ان تحتضنه ريحها الباردة فتحيله الى قطرة.. الى الـ (هي) من جديد..

انت ترى في امطارك سر العظمة، رغم ان العظمة كل العظمة في الشمس والارض وما يحدث بينهما، وحولهما، وخارجهما.

انت بين الشمس والارض تنتقل من حال الى حال، فتبحث عن أصلك بعيدا عنهما في غيب غير معلوم، تضيع في الفراغ كي لا تشعر ابدا انك بين المجرات الانثوية تصنع ربا مطلق الذكورة، وكأنك نسيت انه الاحد الصمد.. لم يلد ولم يولد.. ولم يكن له كفؤا احد..

كم مرة تسحرك الشمس والارض، وانت في لهاث بين اريج الثرى ودفء حضن القرص المستدير؟؟..

حين تأسرك الـ (هي) لا تجد وقتا لطرح الاسئلة، فانت في مسار تحدده المستديرات منها..

غير انك في لحظة توبة تعلن ان الـ (هو) من خلقك دون الحاجة لرحمها وكأنك قطعة خزف، ولا تأخذك دهشة ان يتم أول خلق خارج ذاك الرحم ثم يظل ابدا فيه..

كثير من رأى الوليد يخرج من رحم امه، لكن من ذاك الذي شهد لحظة خلق لم يكن الرحم احد عناصرها؟؟...

لذلك لا تشعر بالعار حين تكون المنارة طويلة، وبرأس رمح تتجه نحو سمائها رغم انها قد جعلت منك مطرا دائرا بينها وبينها، لتضع قربه قبة مستديرة، مستكينة الى جانب انتصاب مهيب لمنارة علياء..

تظن انك بذلك تمجد الـ (هو)، وتنسى دورتك في لعبتها الابدية بين موجة بحر وغيمة وثرى..

و من المجد الذي اضفيته على نفسك انك منحته اسماء الذكر كلها، وصفات الذكر، وقسوة الذكر، واستعرت احيانا رحمتها، ورحمها، ونسبت الطين الى انامل الـ (هو)، والولادة ابدا الى ذلك الكهف السحري المعبود..

معضلتك ايها العبد، انك تدور في رحاها، وتتعبد في كهوفها، وتتجه مناراتك نحو المجرات، نحو السماء التي هي ايضا (هي)، نحو الشمس.. نحو النجوم، وليس لكبريائك من مغيث سوى قمر ال (هو)، وما كان الا انعكاس ضوء الـ (هي)، فهل من منكر ان الشمس تحن على القمر بضيائها، وانه يضيع تماما، وينخسف حين يقف الـ (هو) خلف ارضها وشمسها ؟؟؟..

ربما لهذا السبب المستنكر بين تضاريس عقلك لم تشأ عيناك ان تغلقا نافذتيهما ذلك اليوم..

فقد وقفت عند الـ (هي) مجردة من كل مجراتها، وقد امنتها كي لا يقلقك شأنها عند غيب لا تدركه الابصار، فكنت اول ضرير يدعي انه يرى المستدير من كل شيء كوني منتصبا كما يليق بالـ (هو)، رغم ان كل انتصاب يعقبه انكسار، وما انكسرت المستديرات الكونية الا في الغيب الذكري المظهر والمضمون الذي لم يخلقه من وهم سواك...

 

 

في نصوص اليوم