نصوص أدبية

الافاعي ليست مقدسة

moslim alsardah حين استنشقت عبير الحياة للمرة الاولى، ولم يكن ذلك بالطبع، بارادتي، كما يعرف الجميع ذلك، وجدت اشياء كثيرة في حياتي حسنة واشياء اخرى كثيرة كانت سيئة. وكحال الاخرين غيري وجدتني اسكن في قرية تقع بين الريف والمدينة. وكانت قريتي تحمل مثل غيرها، بعضا من غباء الريف، وبعضا من نذالة المدينة. وجدت بيتنا يقع فوق فم النهر مباشرة. كان والدي اشتراه في سالف الايام بسعر جيد. وبباحة خلفية كبيرة تفصل بين بيتنا والنهر. تصلح ان تكون حديقة بيتية. لكن عائلتي كانت تربي فيها الدجاج والاوز. ولم تزرع فيها شيئا من الاشجار سوى بضع نخلات يبدو انهن ازليات لم يزرعهن احد من عائلتنا.

كنت فرحا بالبيت لانه الارث الوحيد الذي يستحق الفرح. فالجلوس على حافة النهر مما يجلب راحة القلب وطول العمر. خصوصا واني كنت احب قراءة الكتب. فكنت اجلس المساءات وبيدي كتاب. وبعد ذلك رحت وفي اوقات فراغي ازرع اشجارا مثمرة. لم تثمر بعد. ولكنني رحت احلم كل مساء باثمار العنب والتين والتفاح.

وفي يوم وقد كنت جالسا على حافة النهر، منتشيا كالعادة وبيدي كتاب الامير لمكيافيللي شاهدت في النهر افعى صغيرة تسبح، وهي تتلوى فخفت مما سياتي بعدها. وحين اخبرت احد معارفي، من كبار السن، بذلك قال لي "لاعليك منها. انها حية ماء ولاتؤذي لانها غير سامة". هكذا كانوا يعتقدون. ولكن الايام اثبتت عكس ذلك فقد تسللت احدى الافاعي خلسة الى داخل بيتنا. واختبات خلسة بين الستارة والحائط. فلدغت زوجة اخي الذي تزوج حديثا فقتلتها. فرحت اخذا الحذر من الافاعي التي بدات تشكل خطرا لم يكن في حسبان ابي وهو يشتري البيت بثمن مضاعف ولا في حسباني انا وانا ازرع الحديقة او في حسبان امي وهي تربي الطيور من دجاج او اوز.

ولقد ازداد خوفنا اكثر حين راحت الافاعي تزداد في النهر بعدد كبير. وكان منظرها مخيفا خصوصا وهي تتلوى في النهر راسمة صورة عدو صغير قاتل.

راحت الافاعي تتجاوز باذاها بيوتنا نحن الواقفين على جرف النهر الى بيوت القرية جميعا وراحت تلدغ كل غافل عنها حتى صارت لدى البعض فوبيا الافاعي ومات خلق كثير من الناس، واكثرهم من النيام. فتكاتف شباب القرية واتفقوا على قتل كل افعى يشاهدونها في طريقهم. ولم يؤدي ذلك الى الاقلال من اعدادها التي صارت هائلة. لان بعض الوجهاء ممن يدّعي التدين والدفاع عن حقوق الحيوان راحوا يجندون الراي العام ويستخدمون الديني والمقدس اضافة للقانون، للدفاع عن حقوق الحيات ككائنات مسالمة بريئة يجب ايقاف حملات القتل الموجهة ضدها. وبالرغم من ثبوت تورط اغلب هؤلاء المنادين بالدفاع عن الافاعي متنكرين لحقوق الناس الذين لدغتهم تلك الافاعي بحجة ان الافاعي كائنات حيوانية ليست بذات عقل بينما الانسان كائن عاقل كرمه الله بالعقل وجعله باكرم صورة واحسن تقويم الى ما هنالك من الكلمات والجمل التي لم يتمالك والدي نفسه وهو المتدين الرقيق النفس الا ان يامرنا باعداد انفسنا بالانتقال، ولو مؤقتا، الى بيت اخر للسكن لحين انقضاء هذه المشكلة التي تشبه الجمرة التي يراد الامساك بها لاختبار صبر المؤمن الصلب. وخصوصا ان من يروجون للفكرة اناس يؤمن والدي وغيره الكثير بقيمة طروحاتهم، العالية.

انتقلنا الى بيت اخر في قرية مجاورة مضطرين. لكننا لم نتخلص من خطر الافاعي التي كانت قد سبقتنا الى البيت الذي سكنا فيه. واضطررنا الى الانتقال الى الجهة الثانية للنهر الكبير ولكن بلاجدوى. فقد زاد اندهاشنا وخوفنا حين علمنا ان افاع متطورة بطفرات وراثية وبهندسة هرمونية خبيثة وبفعل متعمد قامت بها منظمات ليست مجانية وليست نفعية بل وضارة صيغت نظرياتها خلف كواليس مظلمة يراد منها تحقيق اغراض خاصة الهدف منها الضرر الفادح للناس. كانت تلك حكاية لم يتاكد فحواها فبقيت حديثا للناس يصدقها هذا ويكذبها ذاك. ومن جملة المكذبين عدد كبير من الوعاظ الذين لهم صلة بالموضوع فقالوا انها من عند الله الذي بعث الافاعي كما بعث للاقوام السابقة الطوفان والقمل وغير ذلك. وان الافاعي ستختفي وتزول حين تتطهر قلوبنا وابداننا. لكن لاشيء من ذلك حدث البتة.

كان الامر كله منوطا بوالدي الذي كنا نسير تحت امرته. الذي ما ان مات ملدوغا في احد البيوت الكثيرة التي وطئناها واستتباب الامر بيد اخي الكبير. الذي امرنا بعد وصولنا وقت غروب الشمس بمغادرة البيت فجرا.

حين وصلنا اعطانا اخي الاذن، من عنده، بقتل كل دخيل من الافاعي او غيرها. وحين وصل الخبر الى اولئك الرازحين على ارادة الناس حتى راحوا يجرّمون اخي وعائلتنا. لكن اخي لم يعبا نتيجة الحرقة في قلبه اثر مقتل ابي وقبله زوجته، على يد الافاعي السامة. بل وامرنا ان نروج للامر بين الناس الشجعان منهم على اقل تقدير.

وهكذا كان. وكم حاول مجهولون قتل اخي في محاولات اغتيال فشلت كلها. وخلال ذلك ازداد عدد مؤيدي اخي ما ادى الى تغير فكرة الديني والمقدس لدى الناس وتم تدمير الافاعي.

 

مسلم يعقوب السرداح

 

في نصوص اليوم