نصوص أدبية
نَجْمُ الثُّرَيَّا
يَسْرِي كَمَا الرُّوْحِ في أَحْيَائِكِ الأَزَلُ
تَبْدِيْنَ كَالأُفْقِ يَسْعَى فِـيْكِ يَنْتَظِـمُ
نَجْمُ الثُّرَيَّا / مالك الواسطي
بَغْدَادُ قُوْمِي فَفِي أَعْـرَاسِكِ الأَمَل
يا بَهْجَةَ الرُّوْحِ فِيْكِ الحُبُّ يَكْتَمِلُ
شَــوْقٌ يَفِيْضُ وَفي العَيْنَيْنِ مَنْبَعُهُ
يَـرْمِي البُيُوْتَ شَــذَاهُ وَهْـوَ مُنْذَهِلُ
في ضِفَّتَيْكِ يَبِيْتُ الحـُبُّ فـي دَعَةٍ
يَرْوِي القُلُوْبَ وِدَادًا وَالنَّدَى خَجِلُ
قَدْ عَانَقَ الصُّبْحُ نَفْـحًا مِـنْ تَدَلُّلِها
وَقَـدْ تَـدَنَّى لـهَا فـي يَأْسِـهِ الأَمَلُ
فَالنـَّارُ تَذْكُو بِطَيْفِ العِشْقِ لَوعَتَهُ
وَالحُبُّ فَوْقَ ضِفَافِ العِشْقِ يَشْتَعِلُ
نَشْتَاقُ فِيـْكِ إِلـَيْكِ وَالأَنِيْنُ جَـوًى
يَسْرِي كَمَا الرُّوْحِ في أَحْيَائِكِ الأَزَلُ
تَبْدِيْنَ كَالأُفْقِ يَسْعَى فِـيْكِ يَنْتَظِـمُ
نَـجْمُ الثُّرَيَّا سَـنَاهُ فِيْكِ يَكْتَحِلُ
يَا دَوْحَةَ الشِّعْرِ فَالشُّعَرَاءُ مَا نَطَقُوا
إِلا وَكُنْـتِ لَـهُـمْ كَأْسًا بِــهِ ثَـمِلُوا
يَمْشِي وَيَحْـبُو عَـلى أَكْمَامِكِ الغَزَلُ
وَيَسْتَفِيْقُ عَلـَى خَطْــوٍ لَـكِ الجَبَلُ
قَـمَرٌ يَهِـلُ وَضَـوْءٌ سَـاطِـعٌ يَـــلِجُ
كُلَّ الـزَّوَايَا وَفِـيْهِ اللَّــيْلُ يَنْسَـدِلُ
تَهْفُو لَهَا الـرُّوْحُ إِذْ تَشْـتَاقُ طَلْعَتَهَا
بَيْنَ النـُّجُوْمِ هِـلَالًا ظَـلَّ يَنْتَقِـلُ
قَدْ ذُقْتُ مِنْ مَائِهَا المَعْسُوْلِ في قَدَحٍ
سِرَّ الحــَيَاةِ وَفِيْهَا يُرْتَــجَى الأَجَـلُ
أَبْكِيْكِ حِيْنًا وَتَبْكِيْنِي إِذا اِقْتَضِيَتْ
حَالٌ بِهَا العِشْقُ يَبْكِي بَعْضَهُ الطَّلَلُ
بَغْدَادُ يَا وَاحَةَ الـعُشَّاقِ مَا بَرَحَتْ
تَسْقِي العِطَاشَ هَـوًى مَا مَلَّ يَنْهَمِلُ
أَسْقِيْكِ دَمْعِي إِذا مَا اِنْتَابَكِ العَطَشُ
وَأَفـْتَدِيْــكِ وَفِــيْكِ هَا أَنَا مَثَـلُ
يَنْتَابَني الحـُزْنُ مَحْمُوْمًــا فَأَحْتَمِـلُ
وَأَرْتَــقِي خَطْـوَ أَيَّـاِمي وَبـِي أَمَــلُ
أَنْ أَلْـتَقِيْـهَا وَأَنْ تُبْـدِي مُـوَدَّتَــهَا
فَالـدَّمْعُ يَبْقَى بِثُوْبِ اللَّـيْلِ يَغْتَسِلُ
لَيْــلٌ طَــوِيْلٌ كَــثِيْرَاتٌ فَجَائِــعُهُ
يَـرْمِي بَأَثْقَـالِ عُـمْرٍ كُلُّـهُا كَلَلُ
فَالـهَجْـــرُ أَثْقَـلُ مَا فِـيْهِ وَدَائِـعُهُ
حُــزْنٌ طَـوِيْلٌ وَدَمْعٌ جَارِحٌ يَغِـلُ
ضَاقَ الــزَّمَانُ بِهِ عُــذْرًا فَأَنْهَكَـهُ
حَــتَّى أَتَـاهُ جَفَـاءً فِـيْهِ يَنْدَمـِلُ
مَا لِي إِذَا اِبْتَعَدَتْ عَــنِّي بِنَظْرَتِــهَا
خُلْـتُ اللَّيَالِي طَوِيْلاتٍ وَلا أَصِلُ
إِلى الــفُرَاتِ إلى بَيْــتٍ إِلى وَطَــنٍ
إِلى حَبِيْــبٍ إِلى ظِــلٍّ بِــهِ نَزَلُـوا
مَنْ كَانَ يَهْوَاهُمُ طِيْبُ النَّسِيْمُ وَمَنْ
فِيْهِمْ يَبِيْتُ الهَوَى في كَنْفِهِ رَفَلُوا
كَانُوا نُجُوْمًــا تَضِيءُ اللَّيْلَ طَلْعَتُـهُمْ
وَيَهْتَدِي فِي مَعَـانِي قَوْلِــهِمْ زُحَـلُ
كُلُّ الــمُرُوْءَةِ فِي أَقْوَالِــهِمْ نَطَقَـتْ
فِيْـهَا المَكَارِمُ فَخْرًا فِيْـهِ قَدْ جُبِلُوا
أَثْوَابُهُمْ مِنْ عَبِيْرِ الصُّبْحِ قَدْ غُزِلَتْ
جَاشَ الـغَدِيْرُ بِهَا رَقَّتْ بِهَا القُبَلُ
يَلْتَاعُــهَا الطَّيْفُ في لَدَغَاتِ عَاشِقَةٍ
أَضْحَتْ كَمَا المَاءِ رِقْرَاقٌ بِهَا الخَجَلُ
تَلْــتَفُ فِي ضَيْعَةِ الأَيَـامِ تَبْتَسِـمُ
لَـهَا المَسَاءَاتُ وَالأَطْيَافُ وَالمُقَلُ
اللَّــيْلُ يَحْسِدُهَا يَشْكُو لَهَا الـكَمَدُ
وَمَطْــلَعُ الشَّمْسِ في أَكْمَامِهَا كَهِلُ
لَـمْ يَعْرِفَ الصُّبْحُ في تِرْحَــالِهِ بَـلَدًا
مَــا أَنْ تُفَــارِقَهُ يَنْتَابُــكَ الخَبَلُ
تَحْــنُو عَلِيْهِ فَــيَحْبُو فــي تَأَلُّــقِهِ
وَدُمُــوْعُ عَيْنِـكَ في جِلْبَابِهِ غَـزَلُ
بَيْــتٌ تَــحَدَّبَ فِـيْهِ اللَّيْلُ مُحْتَشِمًا
وَالـشَّمْسُ في طَلْعَةِ الأَيَّامِ تَبْتَهِلُ
مَا فَارَقَتْنِي وَأَيَّــاهُ سِـوَى حُـجُبٍ
مَزَّقْتُــهَا فـي دُمُوْعِي وَهْيَ لِيْ عِلَلُ
قُمْنَا سَــوِيًّا بِــحُبٍّ لا فِكَـاكَ بِهِ
وَلا يُضَـاهِيْهِ قَــوْلٌ صَاغَهُ الجَدَلُ
بَغْـدَادُ أَنْتِ الهَوَى وَالبَيْتُ وَالأَمَلُ
وَأَنْــتَ قَطْرٌ عَـلى الخَدَّيْنِ يَا زُحَلُ
إِنِّي تَــعَوَّدْتُ أَنْ أَلْــقَاكِ فــي حُلُمٍ
بَيْنَ الـنِّسَاءِ أَرِيْجًا فِيْــهِ أَغْتَـسِلُ
كُنْـتِ كَدَمْعِي عَلى عَيْنِي وَسَائِــدُهُ
تَشْتَاقُكِ الرُّوْحُ يَهْوَى ظِلَّكِ الزَّجَلُ
كَمْ مُوْحِشٍ أَنْ أَبَيْتَ اللَّيْلَ في كَرَبٍ
وَأَنْ أَفَـــيْقَ بِصُـبْحٍ يَوْمُــهُ جَـلَلُ
وَلَسْتُ أَدْرِي مَــتَى أَوْ أَيْنَ يُمْكِنُنِي
أَنْ أَسْتَفِيْقَ وَقَـــلْبِي كُلُّـــهُ جَـذِلُ
أَنَا الـــذَّبِيْحُ شَــرَايِيْنِي مُـــقَطَّعَةٌ
وَجُثَّتِي في لَــظَى التَّــارِيْخِ تَشْتَعِلُ
قَدْ عَلَّقُوْنِي عَـلى الأَبْوَابِ وَاِبْتَكَرُوا
قَوْلًا جَدِيْــدًا لِدِيْنٍ مَا لَـهُ رُسُــلُ
هُمْ زُمْرَةٌ في خَسِيْسِ الأَرْضِ قَدْ نَبَتَتْ
فِيْـهَا الطِّعَانُ وَخُبْثُ القَوْلِ وَالزَّلَلُ
صَاغُـوا لأَتْبَاعِهِمْ أَقْوَالَ مَا عُرِفَتْ
فِيْهَا سِوَى قُوْلِ مَنْ عَاثَتْ بِهِ العِلَلُ
صَارَ الخَسِيْسُ بِهِمْ نِبْرَاسَ قُدْوَتِهِمْ
فِيْــهِ تَفَيَّأَتِ الـــنَّعَرَاتُ وَالحِيَّلُ
جَاءُوا يَحِيْكُوْنَ لَيْلًا بَالِيًا خَـشِنًا
وَيَرْتَدُوْنَ لِحًا قَدْ شَابَهَا الــسَّفَلُ
وَيَدَّعُوْنَ بِأَنَّ المُوْتَ صَـــاحِبُهُمْ
وَيَعْقُرُوْنَ صَبَاحًا فِيْهِ قَدْ ثُكِلُوا
هَاهُــمْ تَفُرُّ إِلِيْهِمْ كُــلُّ شَــائِعَةٍ
فِيْهَا يَمُوْتُ الهَوَى تُعْمَى بِهَا المُقَلُ
قَدْ صَاحَ فِيْهِمْ مَلَاكُ المُوْتِ صَيْحَتَهُ
وَقَــدْ تَحَدَّاهُمُ صُبْحٌ لَـهُ جَـفَلُوا
رِيْـــحٌ تَفُرُّ بَحُزْنِي دُوْنَمَا حَــرَجٍ
فَوْقَ البُيُوتِ وَقَـلْبِي نَـازِفٌ وَجِـلُ
جُــرْحٌ تَفِيْضُ دُمُوْعِي فـي تَأَوِّهِهِ
مَدْرَارَةً فـي سُيُوْلِ الهَمِّ تَنْشَــغِلُ
تَبْقَى بِــذَاكِرَةِ الأَيَّــامِ وَاقِـــعَةٌ
فِيْهَا تَعَــالَى صِــــرَاخُ مُرُّهُ شَلَلُ
سَالَتْ دُمُوْعِي عَلى الأَحْيَاءِ مُنْشِدَةً
بَيْتًا تَـــوَطَّنَ فِيْهِ الـمَاءُ وَالعَسَلُ
رِيْحِي ثِيَابِي بُكَائِي لَـمْ يَعُدْ كَفَنًا
بَلْ صَارَ حَيْفًا لَــهُ الأَيَّامُ تَمْتَثِـلُ
يَا وَيْحَ قَلْبِي عَــلى بَغْدَادَ يَوْمَ بَدَا
في وَجْنَتِيْهَا أَسًى كَالـــظِّلِ يَنْتَقِلُ
جَاءَتْ تَجُرُّ ثِيَابَ الـــهَمِّ ضَارِعَةً
في الضِّفَّتِيْنِ كَوَى أَيَّامَــهَا الكَلَلُ
تَرْمِي بَأَحْلَامِهَا الأَيَّامَ مَــا بَقِيَتْ
تَجْرِي بِأَبْنَائِهَا الآمَـالُ وَ الـمُثُلُ
فَقَدْ أَقَامُوا لَــهَا فـي كُلِّ بَــادِيَةٍ
بَيْتًا تَعَلَّقَ فِــيْهِ الحُبُّ وَالــغَزَلُ
يَا طَيْبَ قَوْمٍ حَمَاكَ الله مِـنْ دَنَفٍ
فَهَا هُوَ الفَجْرُ في أَهْلِيْكِ يَعْتَـدِلُ
قَدْ أَسْرَجُوا في أَعَالِي النَّجْمَ صَرْخَتَهُمْ
وَقَدْ تَهَاوَى وَرَفَّ المُوْتُ وَالأَجَـلُ
تَدْوِي بَنَادِقُهُمْ فـي الأُفْقِ تَشْتَعِلُ
صَوْلَاتُهُمْ فــي دَوَاهِي دَهْرِنَا قُبَلُ
بَغْدَادُ هَا هُمْ بَنُوكٍ اليَوْمَ قَدْ نَهَضُوا
سَيْفًا تَحَصَّنَ فـي أَطْرَافِهِ جَـــبَلُ
بَغْدَادُ قُومِي فَمَالِي في الضُّحَى أَبَدًا
بَيْتٌ أَعَزُّ وَمَا فـي غَيْرِكِ نُــزُلُ
وَقَفْتُ فِيْهَا وَكَادَ القَـلْبُ يَسْبِقُنِي
نَحْوَ الَّذِي دَقَّ بَابِي وَهْـــوَ مُرْتَحِلُ
نابولي ....ايطاليا