نصوص أدبية

عن الحب في زمن الحرب

tawfiq bashiظنَ بأني جئتُ لاعتقاله

كيف أُقنعهُ "إنّ بعض الظنّ إثم"

 


 

عن الحب في زمن الحرب / توفيق قصاب باشي

 

1

بينما كنتُ واقفاً بجسدي المدمي في ساحة الحرب مدينتي

بانتظار ميتة ترضي الوطن!

إذا بها حمامات السلام تخرج من شعركِ

وأنتِ البريئة عائدةً،

تمشين بين النازحين

 

2

براءةُ عينيكِ الطفلتين تقول لي: أن ما حولي من خرابٍ صار جنة وأن كل المحاربين أبدلوا أسلحتهم أزهارا وأن الطائرات بدأت تقصف العاشقين بالياسمين

 

3

كنتُ أُفكّرُ بمأوى حين هزّتْ سلسلة انفجاراتٍ طريقي إلى المنزل،

وأنا أُفكّرُ وجدتُ الأصفاد تطوّق يديّ

وأنا أُرمى في السجن

مثل كيس قمامة،

قالوا لي بعد أن منحوني من الطاقة الكهربائيةِ ما جعلَني مُضيئاً:

خُذْ حرّيتكَ واخرج،

ففرحتُ ورحتُ

لكن الباب كان كالسراب..!

وحين حان وقت موعدنا

خرجتُ من الحائط

كانت فيينا وراء الجدار تنتظرني بكل ما أُوتِيَتْ من ليالي..

حينها

رقصنا أنا وأنت

على أنغام صراخ من يتعرضون للتعذيب قربي

حين كان موعدنا

قبلَ اعتقالي!!

 

4

عندما كانوا حولي يتحدّثون عن شرعيّة قطع رأسي

تذكرتُ كيف قطع رحيلكِ رأس قلبي،

رحيلكِ، الإثم الكبير في شريعة الحب

الذي يحتاجُ إلى توبةٍ على الطريقة الصوفية..

 

5

ذات يومٍ قرّرتُ الخروج في تظاهرةٍ شعبية

للمطالبةِ بحقوقٍ شرعية

خرجتُ ولكني حتى الآن لم أَعُدْ:

"راقبي شاشات التلفاز

قد أظهر فيها

لأني صرتُ نجماً

صرتُ إثماً

صِرتِ أرملة..

لولا اعترافي بأني قتلتُ كل الأبرياء

وفجّرتُ كل بيوت الله

وقتلتُ كل الذين لم يموتوا بأسلحةٍ كاتمةٍ للصوت

لكُنتِ الآنَ حُبلى..

حبيبتي

أنا حيٌّ

لكنّني قتلى!!

.

.

لا تصدقيني حين أقول بأني اغتصبتُ (فلانة)

فإرادتي مغتصبة..

 

6

منذ أحببتكِ لم أتخيل أني على علاقةٍ مع غيركِ من النساء

إلاّ مرةً واحدة

تخيّلتُ فيها أني أحببتُ ابنة رئيس الوزراء..

وكتبتُ لها قصيدة حبٍّ

وله قصيدة ذمٍّ

ولنفسي:

قصيدة رثاء..

 

7

أذكر أني التقيتُكِ أول مرة في حفل زفاف أحد أصحابي القتلى

وأذكر أننا تزوجنا بعد زفافه بعام

ومقتله بأحد عشر شهراً

الآن وأنتِ مقبلةٌ على الولادة

أُريدُ أن أُخبركِ أني لا أستطيعُ تسميةَ ابننا على اسمهِ كما اتفقنا،

لستُ خائناً

لكني لا أستطيعُ تربيةَ صديقٍ ميّت

فالأحياءُ همُ المحتاجون للتربية..

 

8

رأيتُ أحدهم منحنياً في الشارع

ظننته يُنظفُ الرصيف

فاقتربتُ لأُحيّيه،

كان يزرعُ عبوةً ناسفة

وحين شعرَ بوجودي..

كتب بسلاحهِ قصيدةً حمراء

الذي ظنّني ورقة..

ورماني بالمعاني

 

9

بينما كان أحدهم يزرع لغماً في إحدى الحدائق العامة

ظننته يزرع نوعاً من الأزهار

ذهبتُ لأُباركَ فعلته

فصحوتُ من النوم في مدينتي الفاضلة

إلى الواقع في مدينتي الذابلة..

حين رآني

بعد أن توقّفتُ عنِ المشي

رمقني بنظرةِ رجلٍ يخافُ من رجالٍ آخرين

ظنَ بأني جئتُ لاعتقاله

كيف أُقنعهُ "إنّ بعض الظنّ إثم"

 

10

عندما اغتالوا أخي

وقدّموا اعتذارهم لأنهم قتلوه بالخطأ

لم أُسامحهم

وأخبرتُ الله أني لن أُسامحهم

أنا الذي سامحتُكِ رغم أنكِ قتلتِني عشرات المرات،

أحيَتني اعتذاراتُكِ

لكنّ اعتذارهم

لن يُعيدَ لي أخي..

 

11

حين ينتهي كل ذلك

ليتهم يقولون لي: كان كابوساً

حينها

سأزور كل أصدقائيَ القتلى

حاملاً باقات الورد التي وضعتُها فوق قبورهم!!

 

12

بينما أنا

تحت أنقاض الحروب

مرمياً كالركام..

إذا بهِ صوتكِ

رسول السلام..

يُنقذُني

يوقدُ الشموعَ

يبدّد الظلام..

 

13

وطني مُستباح،

وأنا مئاتُ القتلى،

وآلافُ الجراح!!

 

في نصوص اليوم