نصوص أدبية

الحفرة

moslim alsardah صحا سكان القرية الخضراء المجاورة للصحراء في يوم رطب من ايام الصيف الشديدة الحرارة على حادث غريب خارج عن المالوف المتعارف عليه بينهم. كانت هناك حفرة داخل القرية من جهة الشرق. اذ ان الارض بدا وكانها انشقت عن ثقب كبيروعميق. وقد نظر له الناس كحادث مضحك وهزلي سوى من تضرر منه للوهلة الاولى. اذ ظن الجميع انه حادث بسيط فالحفرة يمكن ردمها او مساواتها بالارض او النهر.

كانت القرية ولانها مطلة على انف النهر مباشرة وتحيط بها الانهار الصغيرة من كل جانب فان جلّ اطفالها يولدون سباحين تقريبا. ولان صيف القرية يمتاز بالحرارة الغامرة ولانهم كانوا ينظرون للامر من زاوية ضيقة كحدث عابر فقد راحوا يمارسون عادتهم في السباحة واللعب في داخل الحفرة.

لكن من سبح للمرة الاولى وجد الامر مرعبا. فمستوى الماء في الحفرة اكثر انخفاضا جدا من مستوى الماء في النهر. فمن المعروف ان الماء ياخذ مستواه خصوصا في الحفر القريبة من النهر. ذلك ان الماء يتصرف كما في الاواني المستطرقة.

كان ذلك للوهلة الاولى. قبل ان يكتشف سكان القرية ان وحشين يقفان بمحاذاة الحفرة احدهما من الجهة القريبة للنهر والاخر من جهة قريبة لتخوم الصحراء. كان الوحشان يناصبان العداء ضد بعضهما البعض الاخر في كل شيء. ولكنهما كانا يتفقان على امر واحد في القاء من يضعه حظه العاثر في دربهما، الى داخل الحفرة ليموت او ليموت. ولايوجد خيار اخر. اذ لم يكن هناك خيار ثالث.

في بداية الامر ابتكر اهل القرية طريقة خاصة لانقاذ من يلقي بنفسه في النهر ليسبح. وهو انهم جمعوا كل الحبال الغليظة من داخل بيوت القرية. ثم اخذوا يربطونها مع بعضها البعض. ثم راحوا يمدونها لانقاذ الاطفال السباحين. لكن في اوقات لاحقة حدثت تطورات غريبة. اذ صار الموت جزءا من شروط اللعبة القاسية. وصار كل من يقترب من ثقب الحفرة يحكم عليه بالموت من احد الوحشين الواقفين على جهتي الحفرة وبشكل متبادل.

يبدو ان الوحشين وبسبب طول الفترة الزمنية صار حرصهما على القتل يفرخ وحوشا اصغر واشد قساوة منهما. بل ان الوحوش الواقفة على بوابة الحفرة اختلطت مع بعضها البعض. وتحولت الحفرة الى هوة عميقة ، لايزال اهالي القرية ينتحرون فيها ويحابون انسال الوحشين. ويقومون بالتصفيق والهتاف كلما القيت مجموعة منهم الى داخل الحفرة. وتحول الموت من حفرة واحدة الى مجموعة من الحفر المهلكة. وقد حفرت هنا وهناك حتى لم يعد في داخل القرية ولا في تخومها المديدة من مكان امن. لقد امتدت ايدي الوحوش لتحول نفوس الاخرين الى وحوش ووحوش. بل ان كل مجموعة منهما تفرح وتحتفل بما يصيب اتباع المجموعة الاخرى.

في احدى المرات دخلت مجموعة من السائحين الى داخل القرية. ورغم ان السياحة من النعم التي تسعى لها باقي القرى لما لها من مردود اقتصادي واجتماعي يتباهى فيه اهالي القرى التي انعم الله عليها بالرزق. فقد راح شباب القرية يضربونهم بكل ماوجدوه في طريقهم من احجار ونبتات يافعة كانت البلدية قد زرعتها لتشجير القرية وجعلها خضراء. اقتلعوها قبل اوان انباتها ليضربوا فيها الناس. وكانت نوازعهم تافهة. لايعرفون هم انفسهم اسبابها. ولقد شجعهم على ذلك الكبار في الليل. هؤلاء المسنين الذين يفترض فيهم الالتزام بالحكمة، قبل الموت على الاقل. لقد جعل كل فرد من افراد القرية من نفسه مرشدا ووازعا اخلاقيا لما زرعه فيه الوحشان من اذى لنفسه ولغيره.

استمرت الهوة بالكبر والتنامي منذ زمن بعيد.فرخت الحفرة حفرا وحفرا. وفوق كل واحدة منها وحوشا من طرفي النزاع اللامفهوم. وتحول جل الاهالي حراسا للحفرة. يحملون دون وعي اهداف الوحوش المؤسسة.

وقفت يوما على احداها في غفلة من الوحوش التي تحرس الحفرة بدافع الفضول والملل. نظرت حولي بحثا فعثرت على مُمتحَن مثلي كان قد هرب ثم عاد ثم هرب وعاد. قال لي:

- اما ردم اهل قريتكم هوتهم؟. ان كل القرى على مدار التاريخ تحدث فيها ثقوب ويردمها الاهالي الا قريتكم يوسعها الاهالي لتاكلهم. ان طبعهم لغريب يتركون الحياة الجميلة ليعبدوا الحفر.

- لا عليك. سيزول عبدة الحفر ويحل محلهم احباب الحياة.

- انا قلت ذلك ايضا. ولكن يراد لذلك بعض الصبر.

نظرت مندهشا في وجه الرجل. وابتسمت له. ثم ابتسم لي وغادر.

كان الرجل شجاعا.

 

مسلم يعقوب السرداح

 

في نصوص اليوم