نصوص أدبية

السيد "س" وذيوله التكنولوجية

moslim alsardah السيد "س" رجل مهتم بتطبيق التكنولوجيا.. ولانه ضيق الافق، فهو يستخدم هوايته تلك لمنفعته الشخصية الخاصة به وحده. وبعد زيارته الاخيرة العادية، المخصوصة، لحديقة حيوانات المقاطعة التي يسكن فيها، شاهد السيد "س" ان كل حيوان من حيوانات الحديقة لديه ذنب في مؤخرة جسمه يسمى تجاوزا بالذيل. وان من هذه الاذناب ماهو طويل ممشوق مثل سوط رفيع. ومنها ماهو قصير معافى. فمد يده ليتحسس وجود ذنبه. وحين لم يجد شيئا يذكر، فطن، وكانه وجده اكتشافا، الى انه من فصيلة اخرى وهي الفصيلة البشرية التي تمتاز بعدم وجود الذنب، في الزمن الحاضر. فتحسر ولام التطور الطبيعي في تجاوز الذيول لدى البشر. وتساءل في نفسه، في عنجهية، عن الحكمة في بقاء الذيول لدى الحيوانات، وزوالها من اجسام الناس البشريين. تساءل مع نفسه ان كان الذيل يمنع البشر من لبس ملابسهم. ولكنه صحح الفكرة بعد لأي وقال ان الخياطين تغلبوا على مشاكل كثيرة في جسد الرجل والمراة. ولو كان هناك ذيل لاستطاعوا التغلب عليه هو الاخر.

كان ينظر للقرود فيراها وهي تتعلق بالاشجار باذنابها. والاسد الكسول كيف انه يهش الذباب عن جسمه. والحصان يطرد بذيله، رغم قصره، البعوض، وهو مستلق مسترخ او نائم. وشاهد حيوانات اخرى، ربما جميعها بلا استثناء، خصوصا تلك الحيوانات صاحبة الاذناب الطويلة، شاهدها وهي ترصد باذنابها الغرباء من مسافة ليست بقليلة. انها تتحسس الزوار القادمين من جميع الجهات، فتاخذ الاحتياط والتهيؤ للدفاع عن نفسها او الهرب على الاقل بجلودها حين تصير المسالة جدية، تاركة ذيلها يتلهى فيه العدو المهاجم. اي حين تكون المسالة مسالة حياة او موت. كحيوان الحرباء وابو بريص.

كان السيد "س" من هواة التكنولوجيا الخدمية. اي تلك التي يجندها صاحبها لحماية اغراضه الخاصة به.

وكان الغرض من زيارته يتعلق بهذا الامر. لقد ابهره منظر البقرة وهي تكاد تلدغ من قبل افعى قاتلة من نوع الكوبرا التي بامكانها قتل عشرة ابقار بلدغة واحدة، والتهامها على دفعات. كيف انها تحسست وجود الافعى على مقربة من ذيلها بالرغم من نومها العميق ففرت هاربة من قدرها. وتعجب عندها السيد "س" من عمال الحديقة كيف يتركون هذا الزاحف العملاق الخطر يصول ويجول في حديقة عامة معظم زوارها من النساء والاطفال. وهم الذين ياتون دائما للتسلية وقضاء الاوقات الممتعة بعيدا عن صخب الحياة وضوضائها. وحين سأل ادارة الحديقة عن السبب اجابوه انها منزوعة الغدد التي تنتج السم. وحين تعجب السيد "س" من فكرة نزع الغدد السمية في افعى الكوبرا اجابه مدير الحديقة بالقول "انها التكنولوجيا الحديثة ياسيدي."

واضاف احد موظفي الحديقة معلومة اخرى للسيد الفضولي، الذي وجدها فرصة له:

-        لدى الحديقة وحدة خاصة بالتكنولوجيا الاحيائية. وحين ساله السيد "س" عن منجزات هذه الوحدة التكنولوجية. اجابه الموظف:

-        استطاعت لغاية الان قطع الذيول من بعض الحيوانات. كالقرود التي لم تعد بحاجة لذيولها التي صارت ترفا، لعدم وجود الاشجار في الحديقة، وجعلها اكثر طولا او تقصيرها ما امكن لدى حيوانات اخرى. اضافة لما حدثك عنه مدير الحديقة من ازالة الغدد السميّة لدى الكوبرا او جعل العقارب ذات اذناب سلمية عن طريق نزع سميتها. فسأل السيد "س" موظف الادارة والذي كان كريما في اجاباته عن اسئلة السيد "س" الذي كان يبيت في داخله امرا، كما يبدو:

-        الا تتضرر الحيوانات عند قطع ذيولها؟

 فاجابه موظف الادارة :

-        تتضرر جدا. وتفقد اتزانها وقد تموت. وبعضها لاتستطيع الدفاع عن نفسها بغياب الذيل.

حين سمع السيد "س" كلام موظف الادارة حول التوظيف التقني للذيول وهو الذي كان مغرما بالتكنولوجيا وخصوصا جانبها الخاص بالدفاع عن النفس ومنها جانب "اذا مت ظمآنا فلا نزل القطر"، اي ذلك الجانب الذي يقول المهم انا وعلى ذيلي السلام. فقد راح يفكر ويفكر ويفكر.

كان لدى السيد "س" اعداء كثيرين اختلقهم لنفسه بسبب عنجهية متأصلة في داخله نتجت من تكبره الفارغ وعدائه للناس. كان دائما مايحاول استثمار التقنية على قدر حاله. ولذلك فقد وظّف هوايته التكنولوجية في الاتفاق مع ادارة الحديقة الاستفادة من الاذناب المقطوعة للقرود وغيرها لقاء مبلغ زهيد من المال وصنع ذيول اصطناعية تحميه. فكان ينشرها هنا وهناك خارج بيته وتعمل كلها بقوة النية. لكن وقبل ابرام الاتفاق بينه وبين ادارة الحديقة، فقد اقترحت عليه الادارة ان يقوم بشراء قفائر نحل محسنة تكنولوجيا لاتحتاج الى اشجار. بل يكفيها لكي تعيش وتنمو ما تجود به فضلات البيوت وازبال الدوائر الحكومية. توضع بكميات كبيرة خارج مسكنه لغرض الحماية. لكنه ولاسباب خاصة، فقد فضّل صفقة اذناب القرود المحسنة تكنولوجيا، هي الاخرى.

كان السيد "س" لايعبأ بما يجري لذيوله الاصطناعية، ذيول القردة. لانه متى ما تعرضت للسوء والاذى فانه يعيد تصنيع ذيول اخرى. فالقرود كثيرة جدا ولا اشجار تذكر.

لقد استثمر القرود واذنابها لحماية بيته وعائلته، بذكاء.

 

مسلم يعقوب السرداح

 

في نصوص اليوم