نصوص أدبية

لا يصح الا الصحيح

moslim alsardah قال ابن آوى للديك المنتوف الريش وهو لايكاد يبعد عنه سوى مسافة الانقضاض الصغيرة التي تفصل بين الهازم والمهزوم:

- اتذكر ذلك العام حين دعوتك للصداقة، وما قمت به من مخاتلتي؟

- انت دعوتني ليس للصداقة بل لخداعي ومخاتلتي لتاكلني.

- وها انت الان في قبضتي. وساكلك. غريما لاصديقا.

وقبل ان اروي ما حدث بعد ذلك، عليّ ان احكي عما حدث في ذلك العام عام الجراد الذي هجم فيه الجراد الاكول على الغابة فاكل اليابس والاخضر ولم يترك في الغابة وما حواليها من قرى الا الاشجار اليابسة المحتضرة. وماتت جوعا الحيوانات اكلات الزرع، لانها لم تجد ماتاكله. لقد ماتت طواعية بعد ان صارت تتمنى الموت لنفسها، بعد ان شهدت احداثا غريبة، لم تشهد مثلها من قبل. وكيف لا يتمنى الموت من يرى كثرة الزرع ولا حياة؟. اما الحيوانات اكلة اللحوم فلم تجد شيئا تاكله بعد ان نفقت ماكانت تتغذى عليه من حيوانات. وكم كانت تتمنى لو ان اجساد الحيوانات النافقة لاتتحلل وان تظل طازجة لتتغذى عليها اكبر فترة ممكنة!! لذلك لجأت الحيوانات الذكية الى حيل شتى للايقاع بضحاياها.

كان ابن اوى الذي يطلق عليه العامة من الناس اسم "الواوي" لفرط احتياله ومكره. كان قد مر قرب احد البيوت في القرية المحاذية للغابة. فوجد ديكا سال له لعابه. ولانه لايستطيع الركض بسبب الجوع ليمسك بالديك. فقد لجأ الى حيلة لم تنطلِ على الديك. قال للديك:

- انزل من فوق الشجرة. وتعال لنصلي سوية يا اخي. فقال له الديك متفاجئا:

- ومنذ متى بدأت تصلي وأنت المشهور بسرقة الدجاج من بيوت القرية؟

- تبت يا أخي بسبب عام الجراد هذا الذي بعثه الله لنا بسبب ماقاله كبارنا، من ان ما حدث لنا إنما جاء بسبب سيئات اعمالنا.

تعجب الديك وراح فاغرا فاه للوهلة الاولى. وحين راى "الواوي" علامات الاندهاش بادية على وجه الديك. ازدادت اثارته وشهيته. فاردف قائلا:

- لقد امر كبارنا كل الحيوانات بالصلاة. كما امروا كل اجناس الحيوانات المفترِسة والمفترَسة بالتصالح مع بعضها البعض الاخر.

قال الديك الذي لم تنطلِ الحيلة عليه انما كان يقوم باجادة دور الممثل المسرحي:

- سأنزل لأتوضا وأصلي معك. ولكني أرى ذئبا قادما من بعيد. فدعني أتقرب إلى الله وادعوه للصلاة معنا.

- حين سمع ابن اوى كلام الديك بدأ بالارتجاف خوفا من اسم الذئب. ثم راح يسرع مبتعدا. فصاح به الديك:

- تعال يا اخي لم هربت؟

- هربت من الذئب لاني اخاف ان لايكون قد سمع بدعوة كبارنا بالصلح. فصاح الديك ضاحكا:

- ملعون يا ابن اوى كدت تقتلني بحيلتك.

تذكر ابن اوى تلك الحادثة قبل ان ينقض على الديك لياكله. لكن الديك جاءته حيلة مفاجئة. ووقت الشدة تاتي الحيل. فقال لابن اوى متصنعا الجدّة:

- انا صرت الان شيخا قليل اللحم يابسه بسبب العمر وسنة الجراد تلك. ولو انك اكلتني الان فلااكاد اشبعك. وقد تغص بعظمة من عضامي اليابسة وقد تقتلك. ثم انه اضاف:

- لقد ولت سنوات المجاعة. وهذه سنوات كثر فيها الرخاء. وعند سيدي صاحب الدار دجاجات سمان. وهن انيسي في هذه السنوات الاخيرة من حياتي. فما بالك لو دخلت ُعليهن وجلبتهن اليك طائعات. فانا ذكرهن الوحيد. وهن يحترمن رايي ويحببنني؟

سال لعاب ابن اوى الطماع. ووافق على ما وعده به الديك الحكيم. فوافق على الفكرة بفرح وسعادة وقناعة. فاستاذنه الديك ودخل الى البيت.

كان لدى صاحب البيت كلب سلوقي سريع وقوي. فلم ينتظر ابن آوى طويلا حتى خرج له الكلب غاضبا جادا. فصاح ابن آوى وهو يركض هاربا امام نباح الكلب الشرس واهتياجه:

- في الثالثة سآككلك ايها الديك المخادع. والثالثة غاثّة.

- في الثالثة ستنطلي عليك حيلة اخرى. فما اسهل خداع السيئين الجشعين من امثالك. فمثلك لايفكر بعقله بل بغريزته فقط.

 

مسلم يعقوب السرداح

 

في نصوص اليوم