نصوص أدبية

يا جَذْوَةَ العِشْقِ مَفْتُوْنٌ بِكِ الغَزَلُ

malik alwasetiعَرِفْتُ فِيْهَا أَدِيْمَ العِشْقِ فَانْزَلَقَتْ

رُوْحِي إِلَيْهَا وَمَـا أَدْرَاكَ يَـا مَـطَرُ

 


 

يا جَذْوَةَ العِشْقِ مَفْتُوْنٌ بِكِ الغَزَلُ / مالك الواسطي

 

لَيْـلَايَ لا أَنْجُمٌ فِيـْهَا وَلا قَمَـرُ

وَلا الـبُكَاءُ بِأَحْـزَانِي لَـهَا أَثَــرُ

اللَّيْلُ مُـحْتَكِمٌ حـَــتَّى ذَوَائِبُهُ

تَسْقِي الـمَرَارَةَ فَيْهَا الحُزْنُ يَنْبَهِرُ

مَا أَجْلَدَ اللَّيْلَ لَمْ يُبْقِ سِوَى كَدَرٍ

ثَوْبًا يَبِيْتُ عَـلى أَكْمَامِهِ الـمَطَرُ

تَسْرِي بِرُوْحِي عَذَابَاتٌ يَلِذُ لَـهَـا

أَنْ يَعْتَلِي الجُرْحَ مِلْحٌ ثَوْبُهُ حَجَرُ

كي لا أُبَالِي مِنَ الآلامِ إِنْ جَمَعَتْ

أَرْدَانَهَا السُّوْدَ فـي العَيْنَيْنِ تُعْتَصَرُ

تِلْكَ البُيُوتُ كَمَا الآهَـاتِ نَسْكُنُهَا

وَفـي الصَّفِيْحِ يُوَارِي وَجْهَهُ القَمَرُ

يَا لَيْلُ مَا أَثْقَـلَ الأَيَّامَ إِنْ بَـكِيَتْ

في وَجْنَتِيْكَ سُهُوْلٌ صُبْحُهَا نَـضِرُ

كُنَّا صِغَارًا نَجُوْبُ الفَجْرَ في طَرَبٍ

فَيْنَا التَّدَلُّلُ زَهْـوٌ مُتْـرَفٌ عَـطِرُ

كَانَتْ لَنَا فـي ضُحَى بَغْدَادَ مَرْكَبَةٌ

يَسْرِي بِهَا المُوْجُ يَحْدُو حَدْوَهُ الظَّفَرُ

تِلْكَ الرُّبُوعُ يُغَنِّي الطَّيْرُ بَهْجَتَهَا

قَلْبٌ بِهِ العِشْقُ طَيْفٌ مُبْصِرٌ حَذِرُ

فِيْهَا اِحْتَمَى الصُّبْحُ في أَنْوَارِهِ نَطَقَتْ

عَيْنَايَ مِـنْ فَرْحَةٍ مَا ذَاقَهَا بَشَرُ

أَمْشِي وَتَتْبَعُنِي الأَيَّــامُ حَـافِيَةً

وَيَسْتَفِيْقُ عَـلى خَطْوٍ لَـنَا الـقَدَرُ

قَلْبَانِ قَـدْ عَانَقَا في الظِّلِ بَعْضَهُمَا

سِرًا وَعَاشَا بِكَتْمِ السِّرِ مَا صَبَرُوا

طَافَا مَعَ الصُّبْحِ في تِرْحَالِهِ زَمَـنًا

وَمَا أَبَـانَ بِهِـمْ بُـعْدٌ وَ لا سَـفَرُ

كَانَتْ أَحَـادِيْثُ عُشَّـاقٍ تُؤَرِّقُـهُمْ

أَقْوَالُ مِنْ عَاقَهَمْ في عِشْقِهِمْ كَدَرُ

فَلُو تَعَالَتْ رِيَاحُ الهَجْرِ مَا حَظِيَتْ

إِلا الدُّمُوْعَ فَفَيْهَا الهَجْرُ يَـسْتَعِرُ

أَيَّامُهُمْ في رُبَى النَّهْرِينِ مَا اِنْكَفَأَتْ

فِيْهَا المَحَبَّةُ حَـبْلٌ لَـيْسَ يَـنْبَتِرُ

كَانَتْ جَدَاولُهُ فـَيءٌ يَفُـرُّ لَـهَا

طَيْرُ الـبَرَاري وَلَـحْنٌ جَادَهُ وَتَرُ

فِيْهَا النُّبُوءَاتُ فَيْضٌ سَاقَ مُتْعَتَهَا

رَبٌّ تَـجَلَّتْ بِـهِ الأَشْيَاءُ وَالصُّوَرُ

أَرْضُ النُّبُوْةِ مَهْدُ الخَلْقِ إِنْ عَرَفُوا

فِيْهَا الـنُّجُومُ كَمَـا الأَيَّامِ تَـأْتَزِرُ

سِيْمَاءُهَا في عَفَافِ الخَلْقِ وَاضِحَةٌ

يَمْشِي التَّرَيُّثَ فِيْهَا الصُّبْحُ وَالسَّحَرُ

رِقْرَاقَةٌ في عُيُونِ الـقَوْمِ ضِحْكَتُهَا

تَسْرِي مَعَ النَّفْسِ في عَليَائِهَا أَثَرُ

تَحْنُو كَمَا الظِّلِ في عَيْنِي وَتَغْمُرُهَا

نُوْرًا يَضِيءُ بِهِ القِنْدِيْلُ وَالـقَمَرُ

حُوْرِيَّةٌ لَمْ تَزَلْ فـي القَلْبِ عَالِقَةً

كَالطَّيْفِ يَحْسِدُهَا الأَعْرَابُ وَالحَضَرُ

بَغْدَادُ أَبْهَى نَـهَارٍ كَــادَ يَـخْلِقُهُ

رَبٌّ تَفَـرَّدَ فِيْـهِ الـعِشْقُ وَالـبَصَرُ

عَرِفْتُ فِيْهَا أَدِيْمَ العِشْقِ فَانْزَلَقَتْ

رُوْحِي إِلَيْهَا وَمَـا أَدْرَاكَ يَـا مَـطَرُ

سَقِيْتُهَا مِنْ عَبِيْرِ الوَجْدِ مَا رَغَبَتْ

فَمَا تَظَاهَرَ لي فـي بُعْدِهَا الـكَدَرُ

أَشْتَاقُ فِيْهَا إِلَـيْهَا وَالـهَوَى غَنَجٌ

أَنَا الظِّلَالُ بِهَـا وَالصُّبْحُ وَالسَّمَرُ

أَنَا لَـهَا الـمَاءُ إِنْ أَبْدَتْ تَعَطُّشَهَا

أَنَا الحـَبِيْبُ الَّذي مَـا مَلَّهُ سَفَرُ

أَبِيْتُ عِنْـدَ ضِيَاءِ الفَجْرِ أَرْقَبُـهَا

فَمَا لِـفَجْرٍ أَتَى مِـنْ دُوْنِـهِ خَـبَرُ

وَالفَجْرُ يَلْـهَثُ فـي أَلْوَانِ قُبَّعَتِي

وَيَسْتَطِيْبُ هَوًى فـي ظِلِّهَا القَدَرُ

وَغِبْطَةُ الـرُّوْحِ تَـرْمِي كُلَّ شَـارِدَةٍ

فَيْهَـا التَّـحَسُّرُ كَالآهَاتِ يَسـْتَعِرُ

وَالعُمْرُ فِيْنَا كَـمَا الأَيَّـامِ مُرْتَحِلٌ

يُبْدِي لَنَا البُعْدَ قُرْبًا وَهْوَ مُنْحَسِرُ

عَيْنَايَ مَـا غَاضَــهَا إِلا تَبَاعُـدَهَا

فَيْهَا تَرَاءَى لَـهَا مَا لا يَرَى البَصَرُ

بَغْـدَادُ أَنْـتِ غِـشَاءُ العَيْنِ بُؤْبُؤُهُ

وَأَنْتِ كِحْلٌ أَرَى في الدَّمْعِ قَدْ نَثَروا

سَارَتْ بِكِ الرُّوْحُ وَالأَشْوَاقُ حَاضِنَةً

عِطْـرَ الـمُوَدَّةِ صُبْحًا فِيْكِ يَنْغَمِرُ

سِيَّانِ عِنْدِي أَكَانَ الغَيْمُ يَحْجُبُهَا

فَمَا الغِيَابُ لَـهُ فـي بُعْدِهَا أَثَـرُ

فَالجِسْمُ مِنِّي يَبِيْتُ اللَّيْلَ في نَكَدٍ

إِنْ فَـارَقَتْنِي بِلـَحْظٍ فِـيْهِ أَأْتَـزِرُ

إِنِّي لَـهَا الـقَلْبُ ظَمْآنًا يَلُوْذُ بِهَـا

وَيَرْتَجِيْـهَا إِذَا مَـا صَـابَهُ شَـرَرُ

قَالُوا مَرِضْتَ وَعَيْنٌ فَيْكَ قَدْ رَمَدَتْ

شَوْقًا إِلَيْهَا وَمَا ظَنُّوا هِـيَ النـُّذُرُ

حَرًا عَـلى العَيْنِ أَنْ تَبْقَى مُكَمَّدَةً

إِنْ لَمْ يُرَ فـي سَوَادِ لَيْلِهَا القَمَرُ

يَا دِجْلَةَ الخَيْرِ كَمْ مِنْ صَاحِبٍ نَحَبَتْ

فَيْنَا اللَّيَالي وَمَـا فِيْهِمْ لَـنَا خَـبَرُ

نَحْنُ الّـَذينَ رَسَمْنَا الحَرْفَ مَرْكَبَةً

سَارَتْ كَمَا المُوْجِ يَعْلُو حُسْنَهَا النَّظَرُ

لَمْ يَبْصِرِ القُوْمُ قَوْلًا غَيْرَ مَا عَرِفُوا

فَيْنَا الـمَعَانِي وفي أَقْوَالِنَا بَـصَرُوا

كَانُوا كَـمَا الرِّيْحِ لا تُوْلِدْ وَلا تَلِدُ

إِلا العَوَاصِفَ فـي إِعْصَارِهَا شَـرَرُ

فِيْهِمْ تَجُـوبُ جَهَالاتٌ بِهَـا بَزَغَتْ

جُلُّ المَظَـالِمِ وَالـطُّغْيَانِ وَالـبَطَرُ

لَمْ يَعْرِفُوا حسْنَ قَوْلٍ فِيْهِ وِحْدَتُهُمْ

وَلَـمْ يُبِالُوا إِذَا مَـا نَابَـهُمْ خَـطَرُ

عَاشُوا كَمَا الجُرْذِ في أَكْنَافِ تُرْبَتِهِمْ

حَتَّى تَبَدَّى لَهُـمْ فـي أُفْقِنَا خَـبَرُ

إِعْصَارُ جَهْلٍ يُؤَاخِي المُوْتَ صَاعِقَهُ

خَوْفًا يَسِيْرُ وفـي تَارِيْخِهِمْ نُحِـرُوا

يَمْحُو جَمَالًا بَنَاهُ الأُفْقُ فـي دَعَةٍ

حَتَّى الطُّيُوْرُ بَدَا فـي عُشِّهَا عَوَرُ

تَخَافُ مِنْ ظِلِّهَا الـوَاهِي تُسَائِلُـهُ

مَاذَا عَـنِ القُوْمِ بَلْ مَا حَلَّ يَا قَدَرُ

أَرَاكَ تَسْبِقُنَا لِلـمُوْتِ فـي لَـهَفٍ

وَأَنْتَ تَدْرُكُ مَـا يَعْنِي لَكَ الضَّرَرُ

آنَسْتَنَا زَمَـنًا مَـا اِنْفَـكَ يَشْغِلُـنَا

فِيْـهِ الـمُرُوْءَةُ كالآمَـالِ تُدَّخَـرُ

يَوْمٌ بِـهِ كَانَـتْ الأَيَّـامُ تَـحْسِدُنَا

عَلى الغَنِيَّ الَّذي في القَلْبِ مُـسْتَتِرُ

يَا دِجْلَةَ الخَيْرِ يَا صُبْحًا لَهُ اِبْتَسَمَتْ

ضِحْكَاتُ قَوْمٍ لَـهَا الأَيَّامُ تَنْتَـظِرُ

كُنَّا كَمَا الصُّبْحِ نَسْقِي اللَّيْلَ لَوْعَتَهُ

حُبًّا تَعَلَّقَ فِيْـهِ المَـاءُ والشَّـجَرُ

يَا جَذْوَةَ العِشْقِ مَفْتُوْنٌ بِكِ الغَزَلُ

أَنْتَ التَّرَاقِي لَـهُ وَالكَأْسُ وَالسَّمَرُ

فـي ضِفَّتِيْكَ طُقُوْسٌ لا تُفَـارِقُنَا

وَلا يُسَامِرُ يُوْمًـا غَيْرَهَـا النَّظَـرُ

أَنْتَ الأَجِنَّةُ إِذْ يَحْــلُو لِـخَالِقِـهَا

أَنْ لا يُغَيِّرَ مِـنْ أَحْوَالِـهَا بَشَرُ

يَا دِجْلَـةَ الخـَيْرِ يَا دُنْـيَا مُرُوْءَتَـهَا

أَنْ لا تَنَامَ عَـلى وَهْـنٍ بِـهِ ضَرَرُ

في ضِفَّتِيْكِ أَرَى الأَحْلامَ شَاخِصَةً

نَخْلًا أَنَاخَ عَـلى عُرْجُـوْنِهِ المَطَرُ

 

نابولي – شتاء 2015

 

في نصوص اليوم