نصوص أدبية
الرجل الذي يكلّم الـ ...!
اهداء: ثانية.. واليه أيضا
أقدم له هذا النزيف فيما يشبه الاحتراق!
الرجل الذي يكلّم الـ ...!/ طالب عباس الظاهر
"مذ كنت نطفة في صلبي كنت أزرع فيكَ الرحمة والتسامح، وأسقيكَ بماء الحب، عجباً .. تتصرف كأني لم اسقكَ سوى سمّ الكراهية والحقد؟"
لا تدرين كم عزيز .. عزيز عليّ حضورك؟ خاصة في مثل هذه الساعة النائية من وحشتي، أليفة خطاك يا.......! لأطمئن بأن هناك كائن حي آخر سواي يدبّ في هذا العالم، وإن الوجود مازال مستمرا في عبثه.
أنت الآن ضيفتي ولن أدعك تذهبين خالية الوفاض.
يبدو إنك على عجالة من أمرك وهذا ما يقلقني... ما بها حركتك مرتبكة؟ اطمئني ما بك؟ هل لديك صغار جياع ينتظرون؟
..........!!
حسنا، أنت جئت من عند صغارك، دفئهم مازال في قلبك حتما، وأنا ليس في قلبي سوى الصقيع ... لدي ولد واحد لكني لست أدري من حاله شيئاً .. أهو جائع الآن؟ يعاني البرد؟ حانق عليّ أم مشتاق اليّ؟
ابن واحد فقط لم أرزق غيره والحمد لله، ورغم ذلك سرقته الأيام مني، نفاه بي غدر الزمان ... باعده عقوقه عبر مسافات كونية شاسعة.
نعم... يا صديقتي، ابني الوحيد هذا الذي أحدّثك عنه، جميل ونابه ... تصوري، أنهى مراحل دراسته جميعا بالترتيب الأول، ولم يتأخر في أي اختبار الى الترتيب الثاني قط!.
كنت أستيقظ فجرا على سمفونية مناغاته الرائعة حينما كان في المهد صبيا... لعلها الملائكة كانت تلعب معه.. وتداعبه، وهو يؤرجح نفسه في المهد، كنت أهرع اليه مرعوبا من صرير حركة المهد في هدأة الفجر، وأعرف بأن لا أحد هناك سواي وأمه بقربي غائصة في نوم عميق، وكم يشدني العجب حين أجده يستمتع بهذه التراتيل، بينما المهد يذهب ويجيء بسرعة في تأرجحه!.
تخيلي يا رفيقتي، إنه لم يفعلها على نفسه ولا مرة واحدة كما جميع الأطفال، ومنذ كان في القماط، لذلك لحافه القطني الجميل ظل نظيفا ولم تغسله أمه لحد الآن، وكذلك لم تعرف الحفاظات طريقها الى بيتنا أبدا!
وحينما بدأ يزحف على الأرض وتوا تعلّم الوقوف كنت أرقبه في جوف الليالي يقوم بهدوء، دون أن يوقظ أمه أو يوقظني... فيذهب الى مكان قريب خصصناه له ليتبوّل به، ثم يعود الى الفراش بهدوء أيضا وينام كأنه يخشى علينا الإزعاج.
نعم هو ليس صغيرا الآن فقد صار شاباً، لكني لا أستطيع أن أتخيله كبيرا، لعلها رغبة في اللاوعي عندي تأبى أن تراه إلا ذلك الرضيع الجميل، أو ذاك الطفل الصغير الذي أنتظر وإياه صباحا على الشارع العام، السيارة الخاصة لتنقله الى روضة الزهور، وحينما يعود ظهرا منها كان يلثغ بحروف الأنشودة التي حفظها بشكل يكاد يجعلني أرقص طرباً.
وكلما سمعت نداء طفل صغير على أبيه؛ تستفز مشاعري.. تستفز؟! لا.. قليلة، بل تافهة هذه الكلمة! قولي ترتج دواخلي بعنف لهذا النداء.
عفوا، صديقتي إن تلفظت بهذا ... اللاوعي!، أينك أنت من هذا؟!
صدّقيني إن جراحنا هي من تتكلم بحروفنا بلغة الدم والدموع .. لكن الناس يتصورون بأننا نتفلسف، يبدو إني كثير اللغو فعلا، واني أناني أيضا وحقا.. وإن صديقي المقرّب محق في جرحي مؤخرا. حينما صعقني بقوله، أنتم الأدباء لا تجيدون سوى اللغو..!!
نعم يبدو إن هذا صحيحا.. والدليل ها أنذا أتركك وأنساك وأتحدث عن نفسي فقط.
ما بك؟
.............!
ما بك تدورين بسرعة حول نفسك؟ دعك منه، والتقطي هذا الفتات من الخبز الذي رميت به اليك لتعودي لصغارك بسرعة ... أعرف أنكم تفضلون فتات الطعام، وهذه أيضا حبيبات من السكر... أرجوك لا تتركي شيئا منها، لأنني سأعجز عن كنسها حتماً... عن إذنك أريد أن أذهب الى البكاء!
.............!