نصوص أدبية

الطاغوت ومذكرات صاحبي

akeel alabodعند زاوية من زوايا ستاربوكس القريبة من الشارع العام، راح صاحبي يؤرق أوجاع مذكرات تحكي احزانا لها علاقة بتاريخ وطن يبحث عن أصدقاء.

 

جلس هكذا عند ذلك الحيز من الزمان، القلب كما تلك البقعة من المكان، يحمل أنباء الموت وقوائم الوفيات، بما فيهم أولئك الذين يتركون اليوم بيوتهم وحاجياتهم بحثا عن فضاء امن.

 

رائحة القهوة كعادتها تستهوي ذائقة الزبائن، الحاضرون جميعا تراهم يبحثون عن طلب يلبي ما يحبون من المرطبات، كالشاي، والكافتينو، والحليب والنسكافة، والعصير، والايس كريم، اذ ولكل واحد ذائقته الخاصة وطريقة في التمتع.

 

البقعة المزهوة بالخضرة والحدائق وينابيع الماء تقع تماماً عند ضفاف المكتبة القريبة الى الكافيتريا، لتمتد بين جهتي الطريق الأمامي والخلفي عبر ذلك العبق المزهو بأطياف الورد وألوانه وتشكلاته المختلفة.

 

الحركة عادة ما تكون عامرة تجتذب الناس حولها، ليس بسبب طرق وفنون العرض الممتع لدعايات المظاهر الخاصة بواجهات الاسواق والمطاعم والصالات القريبة الى محلات بيع المجوهرات ومكاتب شركات هواتف المحمول او الايفون، بل ان هنالك شيئا ما، مهارة ربما، او خدعة تجارية تجعل المكان جذابا وساحرا.

 

حيث ذلك الكم الوافد من العوائل والطلاب والأساتذة والباحثين، فالمكان اضافة الى ما يوفره من متعة للتسوق، يعد ملاذا ملائما للراحة والترفيه، فلقاءات الأصدقاء فيه كما لقاءات الكتب المتنوعة في باب الطب، والهندسة، والآداب، وجميع العلوم والموضوعات والفنون، ولمختلف الفئات العمرية، ناهيك عن توافق الاجواء المتناغمة مع رائحة القهوة وموسيقى هايدن، وباخ.

 

هنالك كما عادته، راح صاحبي يقلب أوجاع الوريقات التي أمامه، لكانه يتنفس عبرها رائحة الزمن المكبل بالطاغوت؛

 

ذلك الوهم الذي يمتلك الاخرين، يشاغلهم، لكانه يستل سيفه ليسلب إرادتهم، بل وحتى ارواحهم.

 

فهو نفسه ذلك الذي يجعل الانسان مطية سهلة وأداة طيعة، تمتلكه فطرة الحاجة والمشاعر، تستهويه تارة، تشده اليها تارة اخرى، ثم تستهلكه رغما عنه،

 

هو نفسه كما يبدو ذلك الزحام الذي يسرق الاخرين اوقاتهم، يستوقفهم عند حدود جملة ما من المشاعر ليسوقهم نحوه بين الحين والحين، او ربما ليصنع منهم أناسا عاجزين، بعد ان يعبث بأفكارهم ويوهمهم دون شعور.

 

هو ذلك الذي يخترق أنظمة المجتمعات ليفسدها بعد ان يجتاح جوهر الحقيقة الانسانية، حيث بسببه ينشطر الانسان، ليصبح كسولا وهزيلا، لا يقوى على بناء ما يصبو اليه؛

 

فاعليته تتقرر بناء على مجموعة اختيارات او إشارات او إيعازات، ليصبح هكذا ضئيلا، لا يهمه سوى اختيار الطعام المناسب، اوالايفون المناسب، أواسوار الذهب المناسب، اوربما لون الشعر أوالوشم المناسب، مضافا اليه العربة المناسبة، وخارطة البيت المناسبة، او ربما أيضاً الشكل المناسب لملامح الزوجة التي يقررها الآخرون.

 

اخذ صاحبي ينظر الى نفسه بطريقة تختلف عمن يحيط به، الأوراق التي أمامه، راحت ولكانها تتقلب، بعد ان أعلنت نفورها وتمردها بشكل ملحوظ.

 

راح هو الاخر يتقلب معها بطريقة تجعل الاخرين ينظرون اليه. هو كما يبدو لا يهمه من صحبته لهذا المكان، الا اختيار الموضوع المناسب، والسطر المناسب، والكلمة التي تتفق مع لغته في التعبير.

 

تغيرت ملامح وجهه على حين غرة، شيء يكاد ان يكون أشبه بالبكاء راح يجتاحه، يأخذه بعيدا كأنه يحلق به عند أطراف عالم لم يره احد؛

 

كتب شيئا ما، اطرق براسه، بات شاهد لغائب حاضر، ولحاضر غائب.

 

هي لحظات لم تنأى عن خطوط محبتها تلك المشاهد التي ما زالت تجمعه معهم؛ أولئك الذين تراهم اليوم يبحثون عن رغيف خبز جائع، وقرص أسبرين أصيب بنزف شرياني، وانفجار مفخخ بقيت هويته الجنائية مجهولة على ذمة محكمة الجنايات.

 

لذلك بقي هكذا مصعوقا يقلب أوجاع ضحايا عالم هش ومصير بائس.

 

الضحية في أوراقه نفسها تلك المسكونة بمؤثرات هذا الذي تراه يزحف بوجودك الآدمي كل يوم، ليساومك بعدها كي تكون معه.

 

ولكن ولكونك هكذا تعتصر أوجاعك تضامنا مع أوراقه، اي ذلك الذي انصرف بعيداً عن موثراته، اقصد صاحبي، ستبقى مثله وحيدا تواجه لحظات موتك.

 

يومئذ لم يبق امامك الا مقولة واحدة، هي تلك التي نذرت نفسك وحياتك دون كلل لأجلها؛ المنارة التي بواسطتها ما زلت تبحث عن قيم جديدة، واحكام جديدة، وعالم جديد.

 

ولذلك أولئك الذين مسهم الطاغوت، سيركلونك، لتركن كما ولدتك أمك وحيداً، تواجه الحياة بمفردك.

 

عقيل العبود

ساندياكو

6/14/2015

 

في نصوص اليوم