نصوص أدبية
ريا والنمرود
نينوى، قاعة رئيسية في متحف المدينة، يتوسط تمثال حجري طويل صفين من الخزانات الزجاجية التي تضم لقى حجرية وتماثيل برونزية صغيرة الحجم. ثلاثة رجال مسلحين ببنادق آلية محمولة على الكتف يحملون بأيديهم معاول حديدية. يقترب أحدهم من التمثال ثم يتبعه الآخران.
مسلح١: أيها الصنم اللعين.. كم تجبرت في الأرض وتعاليت؟!
مسلح٢: عجبا لقوم يدعون الإيمان ويمجدون طغاتهم!
مسلح٣: لمن هذا الصنم؟
مسلح٢: للنمرود.
مسلح٣: "بتعجب" النمرود؟!
مسلح١: "مستنكرا" ألا تعرف النمرود؟!
مسلح٣: "يفكر محاولا أن يستذكر معلومة قد نسيها" ها؟ أعرفه..طبعا أعرفه.. ولد لا يطيع جدته.
مسلح٢: "باستنكار" ماذا؟!
مسلح٣: كانت جدتي تقول لي كلما شاكستها: كن عاقلا يا ولد، لا تصير نمرود.
مسلح١: "معاتبا" ما هذا الذي تقوله يا أخي؟! النمرود ملك كافر، أراد أن يحرق سيدنا ابراهيم عليه السلام.
مسلح٢: فأخزاه الله وأدخل في منخاره بعوضة مكثت في رأسه أربعمئة عام.
مسلح١: فصار يتوسل الى حاشيته وخدامه أن يضربوه بالنعال على أم رأسه لعل البعوضة تخرج.
مسلح٣: وخرجت؟!
مسلح١: نعم.. بعد أن أهلكه الضرب.
(يقترب مسلح٣ من التمثال، ينظر اليه باشمئزاز، ثم يخاطب مسلح١)
مسلح٣: اتركه لي يا أمير.. أنا من سيتولى أمره.. سأحطمه بعد أن ننتهي من هذه الخزانة الزجاجية.
مسلح٢: ماذا لو نعرضه للبيع في سوق الآثار، سينتفع المجاهدون بثمنه؟
مسلح١: "وهو يتفحص فأسه" نبيعه؟! أتريدنا أن ننتفع بمال حرام؟! الم ينهنا الشرع عن ثمن الكلب ومهر البغي؟!
مسلح٢: الصنم ليس بكلب.. وليس ببغي أيضا.
مسلح١: افهموا يا ناس.. بالقياس.. بالقياس يزول الالتباس.. ثمن كل حرام حرام.
مسلح٣: "يهوي بفأسه على الخزانة الزجاجية" زجاج سميك.. "يواصل الضرب" لكني سأهشمه لا محالة.
مسلح١: "يتراجع قليلا تاركا مسافة متر بينه وبين التمثال" راقبوا كيف سأحطم رأسه..فقط راقبوا.
(قبل أن يهوي مسلح١ بفأسه على رأس التمثال تصدر شهقة مسموعة من أقصى يمين المسرح حيث توجد خزانة خشبية عتيقة.. يلتفت الجميع نحو الخزانة)
مسلح٢: "يسحب بندقيته من على كتفه ويضع أصابعه على الزناد ويقترب من مصدر الصوت" من في الداخل؟ احذر.. فنحن مسلحون..
صوت نسائى: لحظة أرجوك.. لحظة.. لا تتهور.. "يفتح باب الخزانة قليلا".. أنا موظفة..
موظفة في المتحف.
مسلح٢: طيب.. أخرجي.
(تخرج من الخزانة فتاة ممتلئة قليلا متوسطة الطول في أواسط العشرينات من عمرها)
مسلح٢: "يدور حولها متفحصا كل تفصيلة من تفاصيل جسدها" من قال إنك موظفة؟
مسلح١: أين بطاقتك الشخصية؟
(تدس يديها في الجيب الداخلي للجاكيته التي ترتديها وتخرج بطاقة مربعة خضراء اللون)
مسلح١: "يقرأ بصوت عال" ريا سرهاد.. مسؤولة قاعة النمرود.. سرهاد! إسم غريب!
ريا: أعمل هنا منذ ثلاث سنوات.
مسلح٣: تعملين في خدمة النمرود؟!
مسلح٢: توالين عدو الله؟!
مسلح١: ومن يتوله منكم فهو منهم.
ريا: لا أعمل في خدمة النمرود.. ولا أتولى أحدا.. أنا أعمل في خدمة المتحف ورواده من المواطنين فحسب.
مسلح٢: مهلا هناك حقيبة صغيرة داخل الخزانة..
ريا: تلك حقيبتي الشخصية.. فيها بعض النقود ولوازم زينتي ومرآة صغيرة.. لا تعبث بها رجاء.
(يفتح مسلح٢ الحقيبة ويفرغ محتوياتها على الأرض مرة واحدة)
مسلح٢: "وهو يقلب محتويات الحقيبة" أها.. بطاقة أحوال شخصية.. تفضل يا أمير.
مسلح١: "يبدي اهتماما وهو يقرأ البطاقة" ريا سرهاد.. تولد قضاء شيخان.. الديانة إيزيدية!!
ريا: أنا عراقية مثلكم.. أنا أختكم.. وأعيش في الموصل منذ ولادتي.
مسلح١: يا شقية.. لا تأتي بسيرة أخواتنا.. إنهن مؤمنات عابدات.
مسلح٢: "لا يرفع عينه عن ريا.. خصوصا بعد أن اكتشف ديانتها"
مسلح١: متزوجة أنت؟!
ريا: مخطوبة.
مسلح١: "بشبق" ومن هو المحظوظ يا ترى؟!
ريا: واحد من الناس.
مسلح٢: بل هو أسعد الناس.
مسلح١: "يقهقه".
مسلح٢: "يقترب من مسلح١ ثم يضع يده على كتفه ويكلمه بصوت منخفض بالكاد تسمعه ريا" ماذا لو نعقد عليها عقد نكاح مؤقت.. جميعنا.. أقصد الواحد تلو الآخر.. الشيخ البغدادي عنده منهن الكثير؟!
مسلح١: لا يمكن ذلك.. فهي ليست من أهل الكتاب.. "يفكر قليلا".. لكن.
مسلح٢: لكن؟!
مسلح١: "بتردد" لكن لا بأس من التسري بها.
مسلح٣: التسري بها؟!
مسلح٢: تقصد نتخذها جارية؟
مسلح١: نعم.
مسلح٣: لكنها حرة يا أمير!
مسلح٢: الإيمان أساس الحرية.. وهي كافرة.
مسلح١: ولعل الله يهدي قلبها الى الحق بواسطتنا.. فتترك ملة الكفر.
مسلح٢: سبحان الله.. حتى النكاح يمكن أن يكون في سبيل إعلاء كلمة الحق.
مسلح١: قولوا الله أكبر.
مسلح٢و٣: "بصوت واحد" الله أكبر.. الله أكبر.
ريا: "تنظر اليهم بقلق".
مسلح١: "يقترب منها ويمسح على ظهرها بيده مبديا سعادة كبيرة وكأنه يتحسس غنيمة قادمة".. لا تخافي يا حلوة.. لن يؤذيك أحد.. سأعقد عليك عقد نكاح شرعي..
مسلح٢: أبشري.. فأميرنا اختارك لنفسه.
ريا: أنا؟!
مسلح١: نعم أنت يا جميلة.
ريا: متى ذلك؟! وأين؟!
مسلح٢: هنا.. أو في أي غرفة من غرف المتحف الكثيرة.
مسلح١: "بصوت يشبه فحيح أفعى" ستنسين اسمك من السعادة.
(تنظر اليهما بدهشة وارتباك.. تروح وتجئ قاطعة عمق المسرح المرة بعد المرة.. تقف أخيرا عند حافة الخشبة قريبا من الجمهور.. تطرق الى الأرض قليلا.. ثم تتجه صوب مسلح١ الذي يقف على مقربة من تمثال النمرود)
ريا: أنا موافقة.. يمكننا عقد النكاح الآن.. لكن لدي شرط.
مسلح٢: وتريدين أن تشترطي أيضا.. هزلت.
مسلح١: "ساخرا" قولي شرطك يا أميرة المتاحف.
ريا: ستدخلون علي أنتم الثلاثة في ذات الوقت.. لن أتنازل عن ذلك أبدا.. "بشغف" سمعت عن فحولتكم كثيرا.. يقولون أن لواحدكم قوة عشرة رجال.. يااااه ما أسعدني؟!
مسلح٣: "يترك مكانه ويقترب منها" ماذا؟! مجنونة أنت؟!
ريا: لا لست مجنونة.. سأكون مجنونة لو لم أفعل ذلك.. "لمسلح٢" من يفرط بهذا الشباب؟!
"لمسلح٣" ومن لا يتولع بهاتين العينين العسليتين؟! "لمسلح١" ومن لا تتفجر أنوثتها أمام هذا الجبروت؟!
مسلح٢: تريدنا جميعا يا أمير!
مسلح٣: هذا الفعل من علامات الساعة!
مسلح١: "يلتزم الصمت.. وكأنه يفكر في هذا العرض المباغت".
مسلح٢: "مبديا اقتناعه بالفكرة" هي أولا وأخيرا ليست سوى سبية.
مسلح١: "حاسما الأمر" القاعدة تقول الضرورات تبيح المحضورات.. كما أفتانا بذلك شيخنا البغدادي أكثر من مرة.
مسلح٢: إذا على بركة الله يا أمير.
(تتهادى ريا بينهم بدلال.. يتأملونها بلهفة وتوق.. حتى تصل الى أقصى شمال المسرح.. تفرش بساطا خفيفا تحمله بيدها.. ثم تضطجع عليه)
ريا: هذه ساعة الفرح.. هيا.. أدخلوني آمنين.
مسلح٢: سبحان الله.. وكأنني في حلم.
مسلح٣: أيعقل أن تكون هذه بركة من بركات غزوة المتحف؟!
مسلح١: والله سأقص على شيخنا البغدادي ما يحصل معنا من كرامات عجيبة في غزوتنا المباركة هذه.
(يضعون معاولهم على الأرض ويسندون بنادقهم على جدار القاعة المواجه للجمهور خلف تمثال النمرود.. يتقدمون صوب ريا بخطى وئيدة.. يبركون كالجمال ويتحلقون حول البساط.. يمد مسلح٣ يده ليخلع صندلها.. بينما يدنو مسلح ٢ برأسه من شعرها مستنشقا عبيره.. أما مسلح١ فيتأهب لحل أزرار قميصها.. فجأة.. وبحركة خاطفة.. يمد تمثال النمرود يده الى الخلف ويستولي على بندقية من البنادق الثلاث)
تمثال النمرود: والله عيب.. "بتهكم" فعلا عيب.. يعني تمارسون الحب في قاعتي وأمام ناظري هكذا بدون استئذان؟! ومع من؟! مع زميلتي الباحثة المجتهدة.. ريا
"يشير اليها أن تأتي اليه"
(يفزع المسلحون.. ويتسمرون في مواضعهم.. فاغرين أفواههم.. بينما تنهض ريا بخفة ونشاط)
ريا: يونس.. الحمدلله.. كاد قلبي أن يقف.
يونس: أرأيت.. منذ سنوات وأنت تبحثين عن عريس.
ريا: واليوم جائني ثلاثة عرسان دفعة واحدة.
يونس: "مبتسما" أنت شجاعة.. وجريئة.
ريا: وأنت خبير آثار.. وأستاذ في فن التنكر أيضا.. لم لا تعمل في السينما؟!
مسلح١: "يدير رأسه بذهول ذات اليمين وذات الشمال" يا إلهي.. ما الذي يحدث؟!
صنم حي؟!
مسلح٢و٣: "صامتان".
ريا: "بتهكم" نعم يا أمير.. صنم حي.. ألم يقل شيخكم الخطير الضرورات تبيح المحضورات؟!
يونس: والله حكايتك حكاية يا أمير الأشقياء.. تفتي وتشرع حسب مزاجك.. وكأنك تتسوق من سوبرماركت.. ما جزاء أمثالك يا ترى؟ أنا أعرف.. لكني لن أخبرك الآن.
(مسلح١ يرتعد من الخوف)
يونس: لا تخف.. لن أقتلك.. ليس لأنك برئ أولا تستحق القتل.. بل لأن القتل سلوك العاجز.
مسلح١: "بصوت يشبه حشرجة محتضر" العا..العااا.. العاااجز؟!
يونس: أجل العاجز.. فلولا عجزك عن تقبل وجودي لما وددت أن تحطمني بفأسك تلك.. بقائي الراسخ فوق أرضي يهدد مرورك الزائل.
مسلح١: "ممسكا رأسه بكلتا يديه" يا ويلي.. يا ويلي.. ما الذي يحدث؟! أيعقل أن تضحي بنفسك من أجل حجارة عتيقة؟!
يونس: وأنا أسألكم أيعقل أن تضحوا بأنفسكم من أجل رغبات يمكنكم أن تحصلوا عليها بسلام؟!
ريا: لا ترهق نفسك بحديث لن يفهمه أحد منهم.. أتصور أن التمثال قد وصل لمكان آمن الآن.. زملائنا متحمسون لحمايته مهما كان الثمن.
يونس: أحسب ذلك أيضا.. المهم عزيزتي، في الخزانة الخشبية مجموعة حبال.. قيديهم بها..
سنتركهم هنا ونطفأ أنوار القاعة.
ريا: لتعبث بهم أشباح الحجارة التي كانوا يكيدون لها.
يونس: "يهز رأسه مبتسما".
ريا: ولكن ليس قبل أن أسألهم سؤالا هاما.
ريا: "تكمل" أخبروني يا أزواج الغفلة.. ما الذي تقولونه عن حضارة آشور؟!
المسلحون: "صمت تام".
ريا: قولوا باقية.
المسلحون: "بذهول" باقية.
يونس: لا أسمعكم جيدا.. أعلى.. أعلى.
المسلحون: "يصرخون" باقية.. باقية.
إظلام
د. زيد الحمداني
أبوظبي