نصوص أدبية

مدرستان

moslim alsardah"هناك عقول لا تتقبل وجود البساطة"

هيل دوسكن

 


 

مدرستان / مسلم يعقوب يوسف

 

على طرفي صحراء ساخنة جافة لا يسكنها الضبّ ولا تستسيغ تطرفها الأفاعي، نشأت مدرستان متشابهتان تماما في كل شيء تقريبا حتى في كره القائمين عليهما لبعضهم البعض. ولعل مرد ذلك ليضمنوا لأنفسهم معاشا عاليا دون أهمية لما يعانيه أتباعهم البسطاء.

وهنا سأتكلم ببعض التفصيل عن واحدة منهما وكأني أتكلم عن المدرستين لتشابههما في الخصائص المختلفة. حتى انكم ستحتارون عن أيهما أتكلم الآن.

عيّن على رأس تلك المدرسة مدير أعور. فكانت أول كلمة له في يوم خميس غائم عاصف. إنه جاء للإدارة بعد عيد نوروز التلاميذ في المدرسة الأخرى. ويقصد والعلم في قلب صاحب العلم ان العالم مدبر غير مقبل وان الموت والحياة أمران متداخلان. وان أحدهما ليس أفضل من الآخر. وان مدرسته محاطة بأسيجة حديدية مكهربة. لا يؤدي القفز عن أحدها إلا الموت بالكهرباء التي لا يسلم منها أحد بتاتا. وحتى لو سلم الهارب من الكهرباء التي لا تنطفئ فإن الوحوش المتربصة في الصحراء المحيطة بالسياج، تلك الوحوش التي أطلقتها إدارة المدرسة الرابضة هناك، وأشار إلى ماوراء ظهره، وراحت تبذخ عليها باللحوم والوصايا، حتى صارت تكره كل بشري تشم رائحته ولو على بعد بعيد. ثم راح يخوف صغار التلاميذ وجهّال أهليهم عن حوادث مروعة مزعومة لتلاميذ مزقت بطونهم وشوهت وجوههم. وآخرين اختفوا بعد دقائق من ابتعادهم، حتى صاروا عبرة لمن اعتبر. وانه (أي المدير) مبعوث من قبَل الحماية الالهية لحماية أبناء مدرستهم جميعا. من تلاميذ وكادر تعليمي وعمال وحراس. بل وراح يتجاوز إلى أمهات التلاميذ وشقيقاتهم الكبار وعماتهم وخالاتهم. بل وحتى جيرانهم وأقاربهم. والالتزام بما اسماه تعاليم مدرسته حصرا. وفي وقت لاحق دعا مدير المدرسة الذي لا يرى إلا بعين واحدة إلى اجتماع غير اعتيادي، كما أسماه، لأولياء أمور تلاميذ المدرسة الذين راح يحدثهم فيه على أمور كثيرة تصب غالبيتها على الخطر الذي يتهدد أبناءهم في حال تجاوز سياج المدرسة والذي لم يصدقه أي واحد منهم خصوصا حين جاء الحديث عن الوحوش الكامنة خلف السياج الحديدي للمدرسة. فلقد عزوها إلى أكذوبة اختلقها الأعور ذلك لأنه يبيت في داخله أمرا، كما قال المتعلمون منهم همسا. لكنهم وبعد ذلك راحوا يصدقون تدريجيا كل ما كان يقوله من ترهات وأكاذيب بعد أن راح يضرب على أوتار خاصة. قال لهم ما معناه ان أولياء أمور تلاميذ المدرسة الأخرى، القابعة على الطرف الآخر، مما كان يسمى غابة، يتضامنون مع بعضهم البعض الآخر ومع مدير مدرستهم الأعور الآخر تضامنا مميتا مما من شأنه الايقاع بهم وأبنائهم وأفراد عوائلهم. وهم الذين يلقون بالوحوش القاتلة، بعد التدريب والتربية المستمرة، قاصدين من ذلك ضررهم. فصدق الأهالي بعد تكرار تلك الاكاذيب على مسامعهم ومسامع أبنائهم الذين كانوا ينقلون الكلام لأهليهم جزافا. ومضيفين له صورا مخيفة يضيفها خيالهم الخصب. فكانت صور الوحوش الكامنة خلف أشجار النخيل وتحت أسقف البيوت. وكيف انها تتربص بهم. والتي سرعان ما تنقض عليهم وتسلب أمانهم. كان الأهالي يرسمون في أذهانهم صورة عن ان جميع الجهات الأربع هي مصدر الوحوش إلا جهات معينة تقع هنا وهناك، كان المدير الأعور قد أشار لها، بحسب ما تتمكن نظراته القصيرة وعقله الخاص.

في بداية الأمر وأثناء لقائه بأولياء أمور التلاميذ، راح هؤلاء يكذبون في سرائرهم ادعاء مدير المدرسة حول مصرع التلاميذ خارج السياج وحول وجود الوحوش الكاسرة لكنهم سرعان ماراحوا يتخيلون المسائل التي طرحها ويصدقونها تدريجيا ثم ليؤمنوا بها كعقيدة. ثم راحوا يناصبون العداء للمدرسة الأخرى لانها تنتج الوحوش التي افترست أبناءهم والتي سيصل أذاها إلى عوائلهم وإليهم هم.

لقد تبدلت حتى فكرة عين المدير العوراء التي كثيرا ما حدثهم ابناؤهم عنها. وصاروا يشككون بالفكرة رغم انها بادية حتى لضعيف النظر وهل تحجب الشمس بغربال؟. وحتى الأذكياء منهم أخذوا يعزوها إلى كثرة ثقافة الرجل وقراءاته المستمرة وانه مثقف بامتياز ما أدى إلى ضعف في إحدى عينيه.

الجدير بالذكر ان المدرستين كليهما موغلتان في القدم. وتمتدان إلى حقب تاريخية ليست قريبة. وقد راح الحول يدب تدريجيا إلى تعاليم المدرستين ونظامهما الداخلي. كلما تدخل فيها المدراء المزاجيون المتعاقبون على إدارة المدرسة.

 

في نصوص اليوم