نصوص أدبية

ميديا

abdulsattar alzobaidiتوقد شمعا عند كسوف الشمس

تدعو رب الخصب

 


 

ميديا* / عبد الستار جبار عبد النبي الزبيدي

 

ردي الباب برفق

انتعلي الريح

خلي عينيك تجوبان

امتصي فرحا عارم

يصعد من بستان طفولتك العريان

مضرج بالشحب

وبالمطر الأخضر

قولي لفراخ النبق وداعا

لصديقاتك

لبهاء الدمية

في زاوية من حجرة امي

ابتهلي

غني للاشياء

حتى يصدح تغريد القبلة

في اغصان القلب

وتؤذن أوراق الصفصاف

لتصلي الريح على قدميك

والاس المنهك يعطي أوراقا ريانة

بوسي بستانك

من أقصاه الى أقصاه

يبقى اخضر ان شاء القلب

وهلمي ردي الباب

***

هذا قدر

ان ليس لمسقطنا وطئاً

ان يذبح قبس

عند صلاة الفجر

ان لا ترسم اسراب القداح مدارا

يحرس انفاسك عبقا وزفيف

***

في زمن رث

لوحت بعينيك

وكفيك الناعمتين

تخوضان فراشا ابيض

غمرتني الفرحة

سميتك في البدء فراشة

باقة ورد

زنبقة

تذكرت الوطن

الغارق بالشمس وبالتاريخ وبالماء

تسجى كالمَغشيّ

كسبايا واقعة الطف

او كمطر عسّر

محمولا فوق الاكتاف حقيبة

قلت اسميك

البحر

القهر

الشهداء

اسميك ميراثي

مسقط زهدي

اذكر كان اليوم ربيعي

سميتك فيه نخيل

واذكر يوماً عاصف

سميتك فيه نخيل

وزمن رثٍ

سميتك فيه نخيل

***

كان ابي بستاني

تحرقه الشمس

لا يتوانى ان يغرس قامات النخل

بأروقة البصرة

وامي تفرشها بالشال الأبيض والحناء

توقد شمعا عند كسوف الشمس

تدعو رب الخصب

ان لا يلحقها ضر قط

لا أنسى وصحابي

نلعب(دعبل*) تحت ظلال السعف

وان جعنا

نأكل رطبا لم ينضج بعد

يا بنتي

كوني اخضر من ان يطرق بابك عطشا

اقوى من ان تلعب فيك الريح

أرشق من هذا الزمن الرث

أأنق من هذا الزمن الرث

أنقى من هذا الزمن الرث

كما النخلة

***

صرتِ

وكان الليل رداءً

يعتمر الناس

بدون رضى الناس

والعالم دخان

يصعد في أروقة الرحمة

يحيل الفجر سعالا

ينثر سلا بين عيون الناس

صرتِ

وكن بنات بلادي

يتدفأن الاحلام

يرقعن ببعض الصبر ثياب العرس

عن بعد

تتسرب رائحة الجوع

الممزوجة بأنوثتهن

في زمن غارق بضباب جلل

يحجب واحدنا الاخر عن مرءآه

لاحت شفتا أمُك

عند حدود (الفكة*)

ناصعة تضحك

تضحك

تضحك

لوحها الزمن الاغبر

الحافل بالموت وبالنار

لحظة كان الدركي الابله

يحسب ان الوطنية محض وريقات

تركن أرشيف السلطة

قرط ببلادته جنسيتها

وأمك تضحك

كانت أمك تضحك

بشفاه لامعة كالرطب البرحي

على صفحة موجة

لا تعطي لغبار الأيام مكان

تضحك

وجدائلها شاخصتان

تتصفح تاريخ الوطن المحروق

يا بنتي كنت ولا زلت

أحب جدائل أمك

شاخصة كالقصب الأخضر

تتحدى الأيام

***

صرتِ

وصارت عيناك السوداوان

تخوضان غمار الأشياء

تخترقهما الألوان بلا حرج

كنت أحب من الألوان البني

اللون البني رفيقة دربي

لون الحنطة كان

وكان الحلم الناعم لأبيك

اذوب به

يحملني لبلادي مثل الفرحة

عريانة لا تورق

إلا في عاصمة الأقمار

ولموقع عشقي

قدسية ماء

طفل

قبس في حضرة درويش

يا بنتي

انا من وطن

جاء الانسان به همجيا

افترش له (الوركاء*)

فراش القلب مدينة

من وطن

مرت في حضرته

قافلة الرسل بدون ثياب

ابتهل الوطن الحافي

يحتضن حمامات العرش

تبني عشا

بين ظلال النخل

قنت الوطن الحافي

غنى الوطن الحافي

صلى

حتى البس قافلة الرسل

مسوح من عش حمام العرش

من وطن

مخلوط بالعشق، بالتاريخ وبالماء

ومن ثديين تقيين يمدان حليبا

حتى قلب الأرض

انا يا رمقي

من وطن لا يركع

إلا حين تحط حبالى النهرين جنينا

ليبوس الحمل من الاقدام

اشهد ان لا طفلا

ذاق القبلة إلا صار نبي

اشهد ان حمل الأطفال نبوءتهم حد الزهد

ما باحوا بالطاعة

والحب الأعظم إلا للأرض

قد يتعب جبل يا بنتي

قد يتأكل سيف في معتركات الليل

قد يسكن صوت الموجة

وحاشا ان يتململ

تحت سعير الأيام عراقي

وطني مزرعة العشق

تأوي كل الناس

تصافح كل الناس

تحب الناس

حين اكتشف الخوارون النفط

حطت مدخنة الشيطان بباب الرحمة

احترق الانسان

صار العالم

سجان يأكل سجان

يا ألقي

لم يك -هذا المحمول على الاكتاف حقائب- وطني

هذا عهد لبلادي

ان أطفئ مدخنة الشيطان

***

لا اعرف ان ابكي

حين يمدد جثته الليل

على عتبات البسمة

اعرف ان اوقد

اخر نبض بين عروقي- قبس-

يسلخ جلد الليل

اعرف ان اكسر سلطان العطش بقطرة ماء

واشق البرد بسعرات الروح

انا يا نَفَسي

اخلط بين الصرخة والخباز

بين الطلقة وعيون بنات الفلاحين

بين الجبل وبين شهيد مات وقوفا

اخلط بين القلب وبين بلادي

الدنيا في عينيّ شجيرة ضوء

يسقيها الأطفال براءتهم

والمغلوبين نشيدا

ينهلها العمال

ضجيج الإنتاج

وعيون مشدودة للتنور

بعمق الجوع

كانت تكبر

تُظِل الناس

تدعوني ان اركب فرسي

أركب فرسي

أنا يا بنتي

جنديٌ حاربت بجيش المغلوبين

وقلبي رضوان الله عليه صغير

أصغر من حبة مطر

كان يحب بيوت الطين

يعرف أسماء الفقراء

يجمع في الليل مساحات القهر

ويرقص عند الفجر

على صفحة موجة

يا افقي

وجهك مرآة

تحملني عن اخر عرصات الليل

لخصلة نور

تنساب برفق من مفرق دجلة

تترنح بين السنبل

وعيون كحلها السِعد

بلون اليقظة

وبيوت من قصب

يتسرب من بين مفاصلها نغم ال(حسجة*)

يشهق مخلوطا بالعشق وقهر الاقطاع

تنساب تُعبَّق بصبيات

يغزلن من الاحلام فراشا ابيض

ينثرن الحرمل في ثغرات الأيام

يداعبن هلال العيد

يضمّنه بالقلب

ليوم نضوج النهد

وكن العلويات

-شجيرات السدر-

يمشطن الريح

وبغنج شبقي

يطرحن خطىً خضراء

تمضي نحو الأفق

تداعبهن الأرض

برائحة البن وطعم السكر

يغازلن الموج

يلذن بأكتار الاكواخ غواً

يحلبن الجاموس ليوم الفاقة

والفاقة يا بنتي مذبحة الفقراء

كنت وكان الأفق مدينة

أو كان ملاكا

يرقد بين الرز شتالا والعشق نثور

وضعتني امي

مسقط عشقي

خضب حد الصدغين وقارا وبراءة

وكنا نقتسم الأشياء معا

لها التغريد

ولي غصن أعرق من تاريخ الانسان

يحفظ انواء الروح

معا نقتسم الأشياء

لي التغريد

ولها سفر أعرق من تاريخ الأرض

يحفظ منا هذيان الروح

جئت وامي يمسح قامتها حد الكعب وشاح اسود

ولهاث حد الضيعة

وكان الله قريب

أقرب من لمحة بصر عنها

والأيام مسجاة كومٌ

بين حقول الاحلام ومهزلة الصبر

تقرضها جرذان الوهم

اما المسكين ابي

تعبث في عينيه سموم الرب بلا رحمة

وهو يلقح بالأيام صبايا الطلع

ويلمع خلجات السعف بسلسلة العمر

بلا ملل

حين يمر نهار

يتنهد

يؤمن درنات الاحلام

وبعض التعب المتسلل من بين خلاياه

لنهار اخر

***

جئت وسبع عجاف

يأكلن عجافا سبع

قومت الساق بشرف الضد

لأن ابدأ لحني

غنيت وعروق (إكريم*)

يصدح من أقصاها

وجس طفل اعرفه

غنيت وغنى

وركضنا نلعب

نرسم عند ضفاف الشط تواريخ صبانا

كان الخروع

يغسل ارباك البسمة قدام حناجرنا

فرح (إكريم)

حين كتبت على جدران القرية

عاش الناس

وفرحت انا أيضا

كبرت فينا الفرحة

حتى صارت بحرا

تنقلنا بمساحات الناس

نمضي نقرأ لغة

تلكزها الاستفهامات وبعض الشك

تتسلق من بين بيوت (الصابونجيه*)

تصعد فينا

يخلطها الأطفال حفاةً

بالممنوع من الرغبات

كنا نبحث بين الأيام

نكتشف الوجع السائب

بين عروق الفلاحين

وكيف يلمّع تعب المقهورين

خلايا الضد على صفحات الاحلام

رحنا نركض نبحث عن رمق

يفتح بوابات الضوء

راح (أكريم) يكتشف الإعدام

وسر خلود الشهداء

كيف يصيروا نجوما

حين تعسكر اضغاث الجور

على آفاق المغلوبين

وانا ارصفة المنفى

ليس سوى هسيس باهت

يعيد صدى خطوات نخرتها

إرباكات العزلة

دون نديم

كنت أحدق

يهمس بي ظلي

راح (إكريم) نحو الأفق

يُشرع بوابات النور

وأبقى قلبا

بين عيون الناس

حين تحط العتمة

يمطر الوانا وقناديل

 

.....................

ميديا*: اسم بنتي.

دعبل*: لعبة شائعة بين الأطفال العراقيين.

الفكه*: موقع حدودي في جنوب العراق.

الوركاء*: مدينة سومرية ظهرت 4000 سنة قبل الميلاد لها سبق حضاري باكتشافات كثيره منها الكتابة.

الصابونجيه*: محلة في محافظة ميسان.

الحسجه*: طور غنائي عراقي يشبه النشيج يغنى بحزن شديد

إكريم*: تصغير اسم كريم رفيق عمري مناضل باسل قارع الطغاة دون كلل.

5\11\1984

 

في نصوص اليوم