نصوص أدبية

ناحَ الخـــلـــيـــل بكى من هـول أحــزان

مــهـــلا فــلا خـالـــدَ مـن غـــيــر مـَّـنان

 

---

 

مرثية ابن الإنسان / سمير خلف الله بن امهيدي

في البحر البسيط

 

ســبحـان خـالـقِ لي بـــيــتٍ بحُــســبـان

كـــونٍ رءومـا عــلـى جــانٍ وإنــســـان

نُــــزْل أعــــده بـــارئــــي بــــإتـــــقـــان

كـــل الـذي يـــحْـوه جـاء بـــمــــيــــزان

فـي الطُــور كـــلمني ربـــي بــشـــطــآن

بــعــد الـــلــقاء غـــدوتُ عــالـي الشان

خَــرَّ الــمــلائــكُ سـُـجَّـــدا لـــعــــجـــلان

مـن بــعــد تــســويــة ، نــفــخٍ بـأطـيـان

عــيــسى ومـــوسى وإبراهــيــم خلانـي

مــــن الإلـه مــــراســــيـل إلى الـــفـــان

نــوح ويـــحــي المـعــمـــدان إخـوانــي

يـــوم الـــتـــنـادي ويــــوم هَــدِّ أكـــوان

 

ربــــي أقـِـرُّ بـــذنــبـي مــثــل يُــونـَـــان

مــســتــسـلما ، طامـعا في عـفـو حنَّـان 01

ربـي أتـَـيــتُ خــطــايا ، ســيــل ليـطاني

ومـــن ســـواك عـــتـــيق لـي بـإحـسان  02

أنتَ الرحـيم إذا ما المــوت يــغــــشـاني

في الصفح أطــمع إن ألبِـستُ أكــفـــاني

فـي الــنــعـــش أرقـــد مــثـل كل وسنان

فاضتْ لـيَ الـروح ، فارقتْ لجــثــمـاني

تُــرى المــسيـر إلى روض ورضـــوان

تُــرى الـــمســـيــــر إلى أهــوال وديـان

ويــلي إذا ما كـــتـابي عـــنـــد زَبَـــانِــي

أمـْـرا لــربـي أتــي من دون عـــصـيـان

صــوب الجــحــيــم يـجــرني وسـجّـاني

ذاك الــمُــقــام بــلــظــى ، نـــار دخــان

مــن ، مــن سوى مَـلِـكِ الملوك بالحاني

عـلى الـذي قـــطن فـي غـيِّ هـــلــكـان  03

فـــيهــا الحــمــيــم سرى مــاءً لــظـمآن

فــيــهــا الضَـرِيــعُ ســرى زادً لجـوعان 04

مـن لي يـــؤانـــســني والقــبـــر لَـهْـبَان

غــيــر الذي يــمــــلــك مـــفــتــاح ريَّـان

ظــَـلَـمْــتُ نـــفـــسـي وجـئـتُ كـل بُهتان

والــرمـــس يــنــتــظــر أمــرا لـــديــان

تُـــراه يـــرجــــع روضـةً بــبـُــســــتـان

تُـــراه يـــرجـــع حـــفــرةً لــــنـــيـــران

بـــالأمــس قد غـــرني وحــي لــشيطان

ســفــر الــزيــوف أتـى في زيِ عِـرْفـَـان 05

قـد غـرني طـيـشُ غـرٍّ ،  طـيش مردان

إغـــواءُ شـرٍّ أتـى فـي ثــوب سَــلـْـمَــان

فــيــض الشباب كؤوس خمـر غــفــلان

بها ظــلــلــتُ لــفــعـل الخــيــر مــيــدان

سـُــود صـــحـــائــف أيـامــي وأزمــاني

عانـــقـــتُ كل خــطـــيــئــةٍ ونـــقــصان

أنّــَى أقـــابـــل ربّـا غـــيــر غـــضـــبـان

في الروض يـقـذفـني ، في دوح ريحان

وزري عــــظـــيـــم كما حبَّــات كـُــثـبان

والـــرب يــغـــفــر زلاتــــا لــــنــــدمـان

ربــــي أقـِـر بـــأن الـــذنب ثـــــهـــــلان

والـــيــوم جـــئــتُ أدق بـــاب رحـــمـان

جـِــئــتُ المهــيـمـن فـــي ذلٍّ لــعُــبــدان

أمــا ظــلـــلتُ دروبــي مــثـــل عـمـيـان

يا ويــل نــفـــسي من أخـــدود نـجــران

بعـــد الـكـرى إن أنـا بُــئـْـتُ بــخــسران

ومـــا الحـيــاة ســوى ســاعــة وِلْـــدَان

عـــجـلى تـــــزاحــــمــها سـاعــة دفــان 06

ناحَ الخـــلـــيـــل بكى من هـول أحــزان

مــهـــلا فــلا خـالـــدَ مـن غـــيــر مـَّـنان

عَــزَّ الغـريـب ، مـشى بــالقـول يـنعـاني

كل بذاك الســـبـــيـــل ســـيـلَ رُكـــبـــان

ألــبـِـسْـــتُ ثــوبا بلا جـيب كقــفــطــاني

وفـــيــه لــن أحـــمـــل أكـــيــاسَ رنـَّـان

ودعـــــتُ بُـــرْدا زاهـــيــــا بـــألـــــوان

ودعــتُ نــعــــلي ، جواربي وقـُمصاني 07

ودعـــتُ مــكــتــبــتي ، ســفــرا لإخوان

ودعـــتُ قـــيـــثـارتي ، من بـعـد كَـمَاني 08

ودّعـــتُ إلــــفــي وأهـــدابـا لأجــــفــان

كانــت تُـــظــلــلـــني مثـل ابن يـقـضـان 09

ودّعـــتُ بـاحـــة روض ، وَرْدَ زهـــران

ودّعــتُ حُــسْنَ شــقــائــقٍ لــنــعــمــان

ودّعـــتُ كـــل مـــا أهــــوى وفـــــتـَّــان

ودّعــتُ مــا لا يُــشـــتـــرى بـــأثـــمـان

فـــارقـــتُ دوحــــة أعــــنـــاب ورمّــان

والـرب يــخْـــلــفـــنـي في دار حـِيــوَان  10

فارقــتُ شـِـعـْــرَ الغــزال وابن ذبــيـــان

فـــارقــــتُ نـــوبـــة أوتــــار وألـــحـان 11

فارقـــتُ قـافـــيــة ، نـــظـــمــا لـحـسان

غــصــنَ مــوشـحـــةٍ ، أزجـالَ قـزمانـي

فــارقـــتُ تــلــك التي تجري بـشريــاني

ومـــا اشـْــرَأبَّـــتْ إلى عـشـق وأخــدان

نفــسي وأنفاسي تهوى وقـُــضـــبـــاني

نَــسْــرُ  أقـــربـــهـــا زلــفــى لـعـدلان 12

واشـــي تـَــرُدُّ ، أحـــابــيــلا لــــطَـعّـَـان

إفـــكَ الـمـُـنَــاصــب لي ، أقـــوال كهـان

فــارقـــتُ زهر ربــيعٍ ، شــمس نَـيْسَان

عانقــتُ لــيــل لـحــود ، لــســعَ ثعــبان

فــارقـــتُ مــجــلس شـاي ، بُـنَّ فـنجان

فــارقــتُ مجلس أنــس ، زهـو فــتـيـان

فارقـــتُ حَـبَّ الــنـدى وثـمْـرَ لـُـونـْجـَان

تـــغـــريــد لـــلـكـــروان ، بِـشْـرُ آذانـي 13

فــارقــتُ صــــورة ولـــدان بـــشُــبَّـــان

يَــسُــرُّ وجــه لــهــم ، مــصباح نـُـوران

فـارقــتُ كاني وماني ، كـــوب ألــبــاني

ولــحــم طـــيــر اسـتوى في جمر أفران

فــارقــــتُ بـــحـــرا وضـــفـــةً لــشُطَّان

كـانا مـقــابــرَ هــمــي ، رمـس أحزانـي

 

والـلـحــد مُـستــقــبل يــغـشي لجسماني

تـُـرى أفـــيـه ســألـــقــى كـــل إحــسان

صوب المدافــن حـــثـوا ســيـر سـيـقان

عــدّتُ الــغــريـــب بــلا دار وعـــنـــوان

حتى رفـيــقي غــَــدَا بي مــثـلما العـاني

قــد كـان لا يــعـــرف بُــعــدا لأوطــانــي

قــد كــان ظـلا وأيــن سِــرتُ يــلــقــاني

والـيــوم طــابـتْ له ساعـات هجـرانــي

قـد كـان إن غـــبـتُ يا ويـلات ســهـران

فـكــيـف طـاب لـه هــجـري ونـُـكــراني

تـلـكـمْ هي ســنــة في الناس ، نـِســيان

تُــبْــحرْ بــه ســـفــن الخـلـــق بـآمــان

جــيــل طوي جـيـلا من عــهــد غـــربان

بَعْـدي وبَعْدي سـيـجـري نهـر عُــمْران 14

أيــن الــقــرون مـــن نـــوح ولـــقـــمان

فـالــمـوت يــكــنــس لـلكــل كـطـوفـان

كــــل ســــواســـية ، بـــيـــض وسودان

ســـاكــــن كــــوخٍ أو مـــالــك إيـــوان

فـــأيـــن صــــاحـــب أكــدادٍ وغـــيـطـان

وأيـــن صـاحــب نـيــشـانٍ وســلــطان

وأيــــن ذاك الــــذي مــــاثــــل هـــامـان

إن ســار تـــصــحــبـه جـيـوشُ أعـوان

فـلـيوم لا شـــعــب مـخــتــار لـيُــهـــذان

لا خـــيــر أمـــة يـــا نـــســـل عُــربــان 15

والـــيــوم لا يـــنـــفـــع لــَـطـْــم لأبــدان

ولا الـــتـــبـــرك فــي دَيْــرٍ بـــصـــلـبان

غـــيـــر الـــذي جــــاء ربــه بـــإيـمــان

الــفــاروق ســـيـــدنــا ، وآل عــمــران

والــيــوم لا نـَـفـْـع فــي مـاسٍ ومـرجان

أو حِــلـــيــة لـؤلـؤٍ أو عـِقـْـد ذُهْـــبَـــان

ســيــان إن كــــنـــتَ آمِـــرا بـــديـــوان

ســـيان إن كـــنـــتَ قــــائـــدا لــفرسان

أو كــنـــتَ مـــن نــبـلاء القوم لا الدانِي

طــعـــامـــك الضـــأن لا أطــبـاق ديـدان

ســـيّـان أن تـــنــكـح شـمـطاء شـيـبـان

ســـيّـــان أن تـــنـكـح ريـما لــغـــزلان

سيّان إن كـنــتَ من فـُرْسِ أنـــوشـــران

أو كــنــتَ من عـــرق رومـان وجرمان

ســيّان إن كــنــتَ مـن عـــشــاق إدمـان

لـــكـــأس راح هــي أرحــام ســـلـــوان

ســيّــان إن كـــنـتَ بـين الخـلـق حَـيَّــان

أو كــنــتَ فــيـهــم جهـولا وابن جهلان  16

كنْ في الـورى ظالـما ، عـشيـقَ طغـيان

كــنْ في الورى بـلـسما ، تـريـاقَ حيران

ذبّــحْ وقــتِّــلْ كـــمــــا أنــيــاب ذؤبـــان

ذبّــحْ كـــضـــبـع بــقـــفـــراء لــجــديان

قـتِّــلْ كـما شـئـتَ كنْ في الناس مخْـدان

قـتِّــلْ كما شـــئـتَ ، كن أشـواكَ ضربان  17

والــلـه لـــن يـــتـــســاوى ذِكـْـرُ لـعّـَـان

فــي الــناس يــوما مـع ذكرى لجــبـران

عــشْ أينما شــئـتَ في قـدسٍ ووهــران

سُـحْ أيــنـما شــئــتَ في هــندٍ وجـِـيّــان

فــالكل فـوق صــراط الــحــق عـَـبَّــران

مــهــمــا يــطـول مــقـــامــنــا بــأبــدان

هــــا إنـنـي بـَــشَــــر وفـــيـه نــجــديـن

ربـــي بـــرا آدم والــــوجــــه وجــهــان

تــلــكــمْ حـدود لـــطـــاقــتــي وإمـكـانـي

لا نــــصــــف آلــهـــة ، لا نـــدَّ نـــاثـان 18

كـــرّ وفــــرّ لــــدجـــال وســـــــمـــعــان

والنـــفــس ســـاحـــات في كــــل أيَّـــان 19

ربي نــصيــري عـــلى أمْــرٍّ لــفـــتّـــان

يـــوحــى بـــزخــرف أقـــوال وكُــفْــرَان

لـــذاك مــا جـــئـــتُ خــــنـاءً بــذُكــران

أو فـــتــحـــتُ ســـراويـلي لــغـــلــمــان

أو عــشـتُ لاثــم أكـــوابٍ لـــســكـــران

أو عــشــتُ داعــرا أو زيــرا لـنـســوان

تــعــتـاش نـــفــسـي مــن آيــات قـــرآن

والــــروح تــهـــتـــز مـــن رفـــعٍ لآذان

إن الصـــلاة نـــدى تــغـــســل أدرانـــي

مـــنهــا أعــود نـــقـــيـا مـثــل رهــبـان

مــني الصـــيــام إلى الــقــدوس عرفان

يـعــيــد روحــي كــمــا روح لـصــبـيـان

تــاج العــــروس كـــتــاب الـــله فـُرقان

نــفـــــســي يــهـــز وأوتــارا لــوجــدان

تــلـكـم مـهــور فــراديــس لــغَــــيــدان

بـهـا تـأبــــد فـــي أربــاض ســوســـان 20

في الـنــاس مـنى لهـا بـــيـــان إعـــلان

أفــشــي عُــراهـا بمحـو صـفـح كِـتـْمَان

 

الجزائر / الطارف

 

....................

01 - يونان: الاسم التوراتي لنبي الله يونس ويذكره العهد القديم تحت اسم يونان بن أمتّاي الذي أقر بذنبه وسبح وهو في بطن الحوت ولذلك غفر الله له وتجاوز عنه وإني لأطمع أن أكون مثله

02 - الليطاني: نهر بلبنان جئتُ ذنوبا كالليطاني كناية عن الكثرة لأن ماء النهر لا يتوقف عن السيلان وبالتالي لو نجمع كميته منذ منشئه وإلى اليوم فهي كمية معتبرة وكذلك ذنوني 

03 - الغيِّ واد في جهنم               

04 – الحميم والضريع شراب وطعام أهل جهنم

05 – العرفان: عند أهله هو أعلى رتبة من العلم وهو فيض نور من الله تعالى يشرق في القلب

06 - وِلْدَان وحسب قواميس اللغة العربية فاللفظة صفة ثابتة للمفعول من ولَدَ الطفل المولود حين يُولد وحتَّى أسبوع من وِلادته الذَّكر والأنثى

07- البُرْد: كِسَاءٌ مُخَطَّطٌ يُلْتَحَفُ به           

08 - المقصود هنا رسائل إخوان الصفا وخلان الوفا

09 – هنا توظيف لقصة حي بن يقضان لابن طفيل       

10 - دار الحـِيــوَان اسم من أسماء الجنة

11 - المقصول الشاعر الأندلسي يحي الغزال والشاعر الجاهلي النابغة الذبياني

12 – نسر هو أحد آلهة العرب في العصر الجاهلي  / عدلان من العدل والذي هو اسم من أسماء الله الحسنى

13 – اللونجان فاكهة استوائية أصلها من جنوب الصين وتنتج أيضاً في جنوب شرق آسيا

14 - العمران هو علم وضع أسسه المفكر الكبير ابن خلدون في مقدمته الشهيرة والبيت يخبرنا بأن الحياة ستستمر بعدنا كالنهر يتغير ماؤه ويبقي جريانه وكذلك حال الحياة

15 - العربان أي العرب

16 - المقصود جابر بن حيان    

17 - المخْــدان أنياب الحية والتعبير هنا كناية عن الشر 

18 -  ناثان: من أنبياء العهد القديم عمل مستشارا للملكين داوود وسليمان

19 - في هذا البيت تم توظيف الدجال كرمز للشر وسمعان وهو أحد حواريي عيسى عليه السلام كرمز للخير وهما من يتجاذبان للواحد منا وساحة المعركة هي ذواتنا

 20 الغَيْدَانُ من الشَّباب: أَوَّلُه وهي صفة أهل الجنة لا يهرمون ولا يشيخون