نصوص أدبية

ترنيمة أخيرة

saleh alrazuk بانتظار عودة زوجتي استلقيت على السرير واستسلمت لإغفاءة، وخلالها انتابتني بعض الأحلام.

ثم فجأة سمعت صوت الباب. فاستيقظت بالتدريج.

فركت عيني. واختلست منها نظرة.

ورأيت أنها غيرت لون شعرها. من أسود إلى أشقر. بلون قشرة الموبيليا.

سألتها: هل كنت عند الكوافيرة؟..

ردت مع ابتسامة: نعم، مفاجأة، أليس كذلك؟..

فتشت عن النظارات. ورأيتها على كومودينة بين أوراق جريدة هذا اليوم. كل مرة أعاهد نفسي أن هذا آخر عدد أقرأ فيه. كانت الأخبار سادية. تزيد من الإحساس بالمأساة.

خراب وموت ونزوح.

تابعت النظر إليها من خلف العدسات. ولاحظت أنها تسريحة سخيفة. لا تناسب وجهها الحنطي. لقد تحولت بها إلى لوحة سريالية.

فسألتها: ولماذا اللون الاشقر؟..

ردت: اسمه بيج يا عزيزي..

- هذا لون قشرة الجوز وليس البيج.

- وماذا يعني؟..قشر الجوز بني وليس أصفر...

لم أجد ضرورة للجدال. الجوز غير الناضج أصفر كثمار الفراولة.

وغادرت السرير إلى الحمام تحت تاثير النعاس. كنت بحاجة لغسيل وجهي لأصحو. وما أن ابتعدت خطوتين حتى شعرت بالنفور وبدأ شيء يغلي في صدري. دخان يضغط لينفجر.

كنت أفضل أن تصبغه أسود. أو خرنوبي. ولكن ليس أشقر.

وتابعت الاحتجاج فقلت لها: والله صار لك يا مدام رأس فنانات.

وردت فورا: وهل الفن عندك عيب؟..

***

وزاد هذا من نفوري. فغادرت الحمام وبدأت أصيح بما أوتيت من حقد: أقصد آصبحت مثل راقصات في كباريه. لا ينقصك إلا طبال؟

سألت نفسها باستغراب: طبال؟..

وغرقت بالتفكير للحظة. ثم انفجرت بعاصفة من الضحك كأنها فهمت. وأضافت: أقله الراقصة تجني في شهر ما تكسبه حضرتك في سنة.

وألقت نفسها في أحضان أقرب كرسي. وتماسكت قليلا ثم قالت: أمرك عجيب يا رجل. ألم تشاهد في حياتك أجنبية على الشاطئ. الجسم برونز والشعر أصفر.

وكأنها رمت بوجهي قنبلة فزمجرت: وما علاقتنا بالأجانب؟..

قالت: على الأقل حياتهم في أمان. لا يهددهم الهاون ولا البراميل..

وكانت تتكلم بلسانها ويديها. ترش الكلام وترسم الإشارات في الهواء.

أطرقت قليلا لأفكر. لقد بدأنا من تصفيفة شعر ووصلنا إلى سياسة عليا لا يد لنا فيها.

ماذا يمكننا أن نفعل حيال لغة الدبابات والمدافع.

كيف تجمع الصين وأمريكا على هدف واحد. نحن مجرد أشخاص نعيش في كنف حياة بورجوازية. لو غابت عنا سيرياتيل ساعة نشعر بالانحطاط والمأساة.

***

بردت أعصابي قليلا. وألقيت نحوها نظرة ثاقبة.

وقلت لأواسي نفسي: وماذا نفعل؟ ما باليد حيلة. حظنا بلد متخلف..

- أرجوك اسكت. غيرك وصلوا المريخ وأنت في مكانك.

في الحقيقة كانت حياتنا صعبة.مثل من يعيش في مستعمرة للعقوبات. دائما أنت تحت رحمة الأمبير وخزان المياه.

يعني من هذه الناحية لدينا أسباب للتذمر. ولكن لا يوجد شيء يشفع لنا المغامرة والانضمام للنازحين.

وهكذا نسقط في الفخ ونتحول إلى بقرة في مسلخ.

ونسلم رقبتنا لساطور الجزار.

بالمناسبة. سمعت أنهم لا يستعملون هناك السواطير ولا السكاكين المشحوذة . بل لديهم ماكينات. فول أوبشين. تضرب في الدماغ. وتشل الجهاز العصبي. ثم يتم ما تبقى ببرود وبلا مشاعر.

عموما انتابني الشعور بالغم والعجز. هذه الإنسانة أنانية وربما لديها خطة مبيتة.

وأنا أتميز من الغيظ سألتها: هل تفكرين يا خانم باللجوء؟..

قالت: ومن ذكر اللجوء. أنا أفكر بالهجرة..

- يعني لديك خطة من وراء ظهري..

وفارت مشاعري مجددا.

وتخيلت الأهوال التي تنتظرنا.

لو سألتني ماذا تكره في الوجود. لقلت لك روتين الطلبات. ولا سيما الوقوف في طابور طويل. بانتظار من يشترينا. كأننا عبيد في سوق للنخاسة.

ولم يبق إلا أن أسأل: وإلى أين الهدف إن شاء الله. ألمانيا النازية أم أمريكا؟.

فردت بلهجة خبيثة: بل جنة صديقك الرفيق ستالين..

وفاض بي الكيل. وشعرت أنها تسكب الزيت الحار على النار. نعم أنا يساري. ولكن في حياتي كلها لم أغرم بستالين. كان وجهه بنظري يشبه بوق الفونوغراف. لا وظيفة له غير تكبير الأصوات. لذلك قلت بشيء من التشفي: وإذا رفض الأحباب طلبك. هل يبقى الأمل بالسنغال؟..

ولا أعلم بالضبط كيف انتقلت إليها روح الشماتة والسخرية فردت وهي تغرق بالضحك: لمعلوماتك. السنغال رفعت سقف الشروط. أصبحت إسرائيل أسهل..

ومرت الفكرة برأسي بسرعة السهم. ولم لا. لون الإسرائيليات حنطي. تحملن مثلنا دمغة من الشمس.

ووسط هذه السحابة من الأفكار صفرت مضخة المياه عند الجيران.

من أسابيع لم تغرد هذه الماكينة في الجدران. كان صوتها يقض مضجعي قبل الأزمة. والآن أصبح أرق من عزف على البيانو.

فنسيت كل شيء وأسرعت لتفقد المياه.

 

صالح الرزوق

تموز ٢٠١٥

 

في نصوص اليوم