نصوص أدبية

بابنـــا

MM80يتسلل الصبح من النوافذ والمسقط كلص..

وأبى يرمى بتحذيراته من حجرة نومه..

وحينما يمسك كيس دوائه..

ومن علي سجادة الصلاة؛ بعد التسبيح.

ألم تعلم أننا نلقن هذه النصائح لبعضنا البعض؟!

بلادة هذا الصبح تؤلمني؛ أتمنى الآن لو أترك كوب الشاي على بلاط الصالة، وأروح أفتح كل النوافذ، والبوابة الحديدية. ثم أنادى على الجيران، وأساعد عم سعيد في إخراج سيارته من جراجها الصغير، وأمضى في إغاظته لهزيمة فريقه، وأنشب معه خلافاتنا الكروية؛ حتى يُسخن الموتور ويركب ويتوكل على الله .

ظلال الطبلية ومشنة الخبز والمقاعد..

تنمو على الحوائط..

تنكمش كمن يؤدى طقوس عزاء.

وصمت لا يرمى بظله إلا داخلي .

حتى التليفزيون كتم أبى صوته..

ولم يبق سوى شريط الأحداث .

هل مات في بيتنا أحد؟

شىء بداخلي بين صدري ورأسي؛ يقفز كبرغوث غبي ملىء بالنشاط. يزداد نشاطه كلما خمد نور الصبح، وتقوست الأشكال على الحوائط .

هل مات لنا أحد؟

هكذا تبدأ الأشياء؛ برغوث يقفز بين مكانين، ثم يستقر في مكان واحد؛ فيتحول إلى سوسة تنخر .

أمعقول هذا؟!

أيُضرب باب الشقة، ويُفتح على فجأة؛ ونرى شخصاً لا نعرفه يرش علينا الرصاص؛ فتسقط نشرة الدواء من أبى، وتطير ملعقة الشاي من يد أمي، فيما يفترش أخوتي على الأرض وأنا معهم!!

هناك كلاب تنبح في الشارع.

أيُطلق سراحها وأنا لا أزال هنا؟!

الضرب يزداد مثل صوت وابور الطحين في أفلام الفلاحين، وأبي يتراجع كل فترة عن القراءة..

وينظر نحو السقف .

الظلال تزداد انكماشاً، ولا حركة بالمسقط الموارب بابه، سوى لزغلول ينتظر الذبح منذ يومين. يتحرك ببطء ويضرب بجناحيه الباب.

(كنت منشن عليك، بس دلوقتى خلاص)

أيمكن أن يحدث ذلك؟

هذه الشاشة تخيفنى!

نموت لمجرد الموت!

ليت أحدا ُيدخل إبرة حقنه في رأسي..

ويشفط هذه السوسة الحقيرة!

لمن أشكو الآن..

لنظارة أبى الحائرة؟

أم لأمي التي لم تنته من الدعاء بالستر؟

أم لهؤلاء الصغار..

الذين يأكلون في هدوء مثل قطط شباع؟

إن لم يستطع دفع البوابة الحديدية؛ فالنزول عبر السلم جدير بأن يُعَجِّل بساعة الأجل.

أتستطيع بخشبك القديم هذا أن تحمينا؟

تأرجحتُ على ضلفتك كثيراً وأنا أنتظر عودة أبى من العمل؛ كي يعطيني بريزة، أو ربع جنيه؛ فأشترى كل شىء أحبه. تأرجحتُ ولم تصب ضلفتك بأية خسارة، لكنى كنت مثل هؤلاء القطط الشباع.

أنا راضٍ ببلادة الصبح..

وتقوقع قطع الظلام الفاتح على الجدران.

ما عدت أود سماع نباح أو شقشقة.

تعال أيها الصغير..

أضرب كفى بجناحيك..

بدلاً من أن تضرب الباب.

ظل هنا بين يدى.

واجعلني أتوه بين ريشك قدر المستطاع.

 

سامى عبد الستار مسلم

مصر

في نصوص اليوم