نصوص أدبية

تنـــاص قمـاشـي

said merabtiأهي لحظة فارقة، أم ترى هي مواعيد مقيدة له اختبأت بــها مفــاجآت؟

وهو الذي نهض ليس خملا،عسليّ الخاطر، يطوحه انزلاق البلل بطــيء السيلان خلف زجاج النافذة. هو ذا كطفل عابث، تخاتل سبابته القطرات نزولا عبر الزجاج.

المطر أرجوحته الطيبة، غير أنه شحيح الفضل، لا ينزل ركب عيده بأرجاء صحرائه حتى يضمخها بفوح نخيل.

 

ذاك الشعور زرعته - كنطفة خلق- عودته من رحلة قضـاها بمدينة تلـيـّة المناخ؛ هي من استودعته عطرا زكيّ الأنفاس، حيث التقى كوكبة الأدباء عند تلك الأيام المبهجة.

على الطريق، استبدل طعم الشيح بأزاهير نبتت جارة لأرصفة، وقد ألهمته عبر تلك الرحلة حلو مزاج.

 

الــرحلات حبيباته...أشهى ما وطد عليها نفسه. يـُعدِّهـا صفحات كُـتب لم تـُكتب بعد.يــكاد يجزم في قرارته أنها معرفة كــنز الكنوز!

كنــوزي..رحلاتي..تحت هــذا العــنوان، سيال قلمه، لا يزال يــشرح صدر صاحبه هذا ليطعم الورق بدفق لا يوصف..تلك مكاشفاته واكتشافاته لألوان وطبائع أناس ورفاق قــلم.

لـكل رجل صاحبة، وحقيـبته صاحبته وأمينة سـّر حكاياه الحميمة. تنام بها أحاديث على درجة من الازدحام ؛ كأحاديث تلك الغرفة التي نزل بفندقها العصري. حقيبة يتبعثر منها ألطف أريج يضمخ أغراضه.

 

ترك النــافذة تــغسل زجاجها حبات المطر، ثم راح يجر سوستَــةَ الحقيبة. بعد حين شرع في إخراج أغراضه وهو ينتبه لتواجد سروال جينز ضمن ملابسه..ابتسم عن بياض في حين راح يعلقه على المشجب، بحزامه الجلدي العريض..

آنــئذ استرسل عبر هاتفه الخلوي يطلب أصحابا ممن شاركوه نفس الغرفة مُحتمِلا أن السروال يكون لأحد الأصحاب الذين سبقوه إلى العودة.

 

حين تمعن في السروال معلقا على المشجب، ســاح من حيث لم يشعر...

...الضحكات تأتيه تباعا من داخل الفصل. درس القراءة على غير العادة فرخ حالة من المرح هذا الصباح! هكذا انساق طفلا يقرأ : "سروال علي". لم يتماسك بين فقرات القراءة كأترابه عن تبسّمه، لأن والد (علي) قص السروال الذي لم يكن على مقاص ابنه، ودون وعي من حركة زوجها، راحت أم علي تقص بدورها السروال، ثم ما لبثت أخته أن أتت على نفس المنوال.

هكذ، لم يستطع كتمان ضحكاته وهو يقرأ كيف أن (علي) لـبس في الصباح سروالا عــلى شكل تبان.

ســكوت! ودوى صوت المعلم لينتبه الــجميع.

كــاد يتماهى كلية مع مــاضي الزمن، لو لم تنتابه حالته الجوهرية.

وقتئذ، فتح شرفة على الحديث الشهي المهجور...تحت (كنوزه ورحلاته) اشتبك قلمه مع بياض كناشه...

يجملك هندامك، فيلمّع صورتك. قــصرك أو طولك في رهان حرمة ذوق واتساق لباس. أنا لا أزال أحفظ للزمن المنثور في الذاكرة، صورة العساكر بزيهم على مقاس مسطرة الطول والعرض. ترتيب في غاية الأناقة. سراويلهم، بأحزمة تسكنها الجاهزية والتأهب! غير أن فئة في مقتبل العمر هذه الأيام تنتشر بالمقاهي، على حافة أرصفة، ينقبض لنشازها مزاجي! سراويلهم مشوبة بالانزلاق . تفتأ من حولها تتفكك الفحولة، تتحلل الفتوة يتبرأ أثناءهاالعنفوان!

يستغيث صوت عند درء بأس، فيغاث بيد تمسك بحزام لأنقاض غريق. . قالها جدي وانخرط يحزم السنابل في الشـباك مع عصبة رجال، عند موسم حصاد. عهدي بهؤلاء إبان طفولتي، تـُحوط حوض الرجال أحزمة غليظة، تشد الرجل منهم كي لا يربكه الإعيــاء ولا يتصدع جسده.

- "أحكموا ربط الحبل من حول حزامي، وسأتدحرج حتى قاع البئر لأقوم باستخراج الخروف."

وراح عمي مصباح ينزلق على الحافة، والناس على هيئة رجل واحد، عينهم عليه حية وهو ينسحب إلى أسفل في حيطة وحذر. ساعة صعد بالخروف من العمق، شاهدتهم يربتون عليه عرفانا له على صنيعه.

 

ملأ صفحتي كناشه بالحديث المهجور...المطر لا يزال كتكوتا ينقر زجاج النافذة.

حين رفع عينيه، بدا له ســروال الجينز بحزامه الجــلدي، هكــذا معلقا على المــشجب يترقب قدوم رجل.

 

السعيد مـرابطي

 

في نصوص اليوم