نصوص أدبية

ظُنونٌ

abdulfatah almutalibi لم يكنْ مقبولاً من سكّان القفصِ في حديقةِ المنزلِ، كانَ منبوذاً بسببِ صبغة الإرجوان التي غيرت شكله ففي السوقِ يصبغون أمثالَه بألوانٍ زاهيةٍ غير لونه الأصفر الباهت، يحبّ ذلك المتسوقون من أجل أطفالهم الذين يعشقون تلك المخلوقات و يرون فيها شيئا مما هم فيه، قالت الجارةُ لجارتها

- ما لهذا الديك يعرج؟

- هاجمَهُ الديك ذو الريشات الزاهيات وكسر إصبَعَهُ الطويل في قدمهِ اليمنى فصارَ يعرجُ قبل أن ينجرد صبغهُ وينمو ريشُهُ وشبّ على ذلك العَرَجِ.

ولأنهُ عاشَ في العَراءِ مطروداً من القفص دفعهُ الخوفُ من الجرذانِ والدجاجِ الأخرقِ إلى الركون إلى قدراته وحظوظه ولأنه كذلك، بدا محاطا بغرابةٍ وغموضٍ تفَهّمَتهُ الجرذانُ والقططُ وحصل على رأفة الرجل العجوز وانحيازِه له موفراً له شيئاً من الرعايةِ لكنّ سكان القفص لم يأبهوا بكل هذه الظروف وواصل الديكُ ذوالدجاجات الثلاث كرهه لهذا الفرخ المنبوذ الذي صار ديكاً فيما بعد، يوما بعدَ يوم ظنّ هذا المنبوذ أنه لا ينتمي إلى أولئك القابعين في القفص وإن راودته الشكوك دائما حولَ ذلك، سقطت أولى قطرات المطر في الرابع من نوفمبر فتحركت فوبيا الماء عند القطتين المنزليتين وراحتا تبحثان في ركن البيت المحميّ بالشرفة المستطيلة عن دفيء يقيهما ذلك البرد فافترشتا خرقةً كانت هناك وكذلك فعل الفرخ المنبوذ الذي صار ديكا كما ينبغي، وعندما هبطَ الليل كانت السماء تذرف دموعَها بسخاء، لاحظ الرجل العجوز أن امرأته تنظرُ من خلال نافذة المطبخ وهي تبسُمُ على غير عادتها، ظنّ أنها تعنيه بابتسامتها المحمّلةِ بمغزىً غيرِ واضحٍ، رَكَبَ عُكّازَه واتّجه إليها وقد وطّنَ نفسَه على أن يستجليَ أمرَ ابتسامتها، قالت:

- إنظرْ ولا يذهب بك الظن بعيداً، لست المعني فقد توقفتُ عن ذلك منذ زمن بعيد، لم تعد الحصان الذي كنتُ أسمع صهيلَهُ، إنظر إلى هذا المنبوذ كيف يحتضن القطتين في الزاوية، إنظر إليه وهو يرخي جناحَه عليهما ويغطيهما، القطتان مستسلمتان إلى نعاسٍ جميل.

نظر العجوزُ وهو يشدّ قبضتهَ على رأس العُكّاز وفي داخله شَعَرَ بالخيبةِ من كلامِها الذي صارَ مُحبِطاً منذُ ذلك اليوم الذي أخبرَها فيه أنّ الطبيبَ قد حذّرَهُ من أمورٍ عديدةٍ ومنعهُ من أن يفعلَ أموراً أخرى، استدارت امرأته وقالت:

- تُرى هل يظنّ نفسَه قِطاً؟

في اليوم التالي شكا الرجل العجوز بصوت عالٍ:

- يا امرأة لاترتكبي هذا الخطأ الفادح، سيحاسبنا الله على ذلك

- ماذا؟ ماذا فعلت؟ ليحاسب الذين...والذين.. ثم سكتت مدفوعةً بظنون شتى ولأنها لا تريد أن تكون سببا في تحقيق مخاوف الطبيب.!!

- ترمين بمخلفات الدجاج المذبوح وأرجله ومصارينه إلى القطط!

- وماذا في ذلك ألم توصني مرارا بأن أقدم تلك المخلفات إلى القطط؟

- المشكلة في الديك... الديك المنبوذ يظن أنه قطٌ فيشارك القطط أكل أمعاء وأرجل بني جنسه؟ مخلوقٌ يأكلُ بني جنسه أترين أن ذلك مقبول؟

- وماذا أفعل؟ المنبوذ يظن أنه قط فيأكل ما يأكلون

- الكلاب لا تأكل الكلاب والقطط تعاف جثث أخواتها والبقر لا تأكل البقر والحمير لا تفعل ذلك، إن في ذلك خروجا على النواميس يا امرأة.

لاحظَ الرجلُ العجوزُ أن الأمرَ أكثر تعقيداً مما يظن فأحجم عن مواصلة موعظتهِ، ورجّحَ أنّ الله لا يُحَمّله وزرَ ما يفعله ديكٌ أخرق شبّ منبوذا وممقوتا من بني جنسه،

خفّفَ العجوزُ من غُلواء انحيازِه الأخلاقي إلى الديك المنبوذ وقال يحدث نفسه:

- الأمر كذلك في ما يخص رفقته للقطط، لا أرى في ذلك سلوكاً طبيعياً ودلف إلى غرفته وهو يدمدم بلغةٍ غير مفهومة...

صاحت امرأة العجوز من الداخل متسمّرةً أمام التلفاز:

- تعال وانظر آه يا إلهي ما أبشع ذلك.. رجلٌ يشق صدر عدوه، يستخرج قلبه ويأكلهُ....أمام عدسة الكامرة. بقي العجوزُ مُبحلقاً في شاشة التلفاز..

قال: أظن أن الديك لايعلم شيئا عندما يشارك القطط تلك البقايا من بني جنسه، هل تظنين أنه يعلم؟ بعد ذلك لم يعد العجوز معترضا على ما يفعل الديك المنبوذ

كبر المنبوذ وتدلت لحْيَتهُ الحمراء وطالت مخالبُهُ فظُنَّ على الأغلب أنه قد نجا وصار ديكا حينما سمع الرجل العجوز صياحَه الأجش صباحا إذ أنه يعرف صوت ديك القفص الجميل معرفته بصوته، قالت امرأتهُ:

- يقولون أن صياحَ الديكةِ صلاةٌ أيمكن أن يكون هذا الصياح القبيح صلاةً؟ ذلك لا يشبه صلاةً بأيةِ حال.

عندما أكل نوفمبر النصفَ من أيامه هبطَ كثيرٌ من البردِ، أخرجتِ المرأة العجوز شبشبها المنزلي المبطن بالفرو الذي تغطي مقدمته نفشةٌ من فرو مثل الريش وانتعلته، وهي تقول في سرها هذا يومك في هذا البرد وما أن خطت خطوتين إلى الحديقة حتى سمع الرجل العجوز صرخةَ امرأتهِ مردوفةٍ بصوتٍ متقطعٍ كالضحك، احتمل نفسه على عكازه وهرعَ إليها لكنه دُهِشَ حين رآها تضحَك بصوت عالٍ والديكُ المنبوذُ يحاول ركوب شبشبها ذي الريش المنفوش، قالت له وهي تضحك:

- تُرى أيظنُّ هذا المنبوذُ أنّ شِبشبي دجاجتَهُ،

شعر العجوز برجفة تسري في يده التي تقبض على العُكّاز وقد ظن أن الديك المنبوذ قد جاوز حدوده، رفع عكازه وضرب الديك وطرده بعيدا عن شبشب امرأته بعد ذلك دلفت العجوز إلى مطبخها تنظرُ إلى رجلها العجوز وهي تشعر بطاقةٍ إضافية تسري في أوصالها، وقررت أن تطبخ شيئا آخر غير الذي كان يفور في القدر.

 

قصة قصيرة

عبد الفتاح المطلبي

 

في نصوص اليوم